باتت القضايا المرتبطة بالهجرة والأمن تشكل محور اهتمام العالم في عصرنا الحالي، حيث تتجلى تلك القضايا في أشكال وأبعاد متعددة، تمتد من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية إلى الجوانب السياسية والأمنية. وفي هذا السياق المعقّد، يبرز موضوع محوري يتجلى فيه التزوير الوثائقي والتهريب عبر شبكة مُحكمة.

الشبكات الإجرامية التي تُدير عمليات تزوير الوثائق والتهريب أصبحت أمرا لا يُستهان به خصوصا في سوريا التي تفتقد للسيطرة الأمنية في ظل تفشي الميليشيات وحيتان الأموال والمحسوبيات، وضبط شبكة من هذا النوع يسلط الضوء على تفاقم هذه المشكلة وتطور طرق وأساليب تنفيذها. 

إن تزوير الأوراق الثبوتية والمصدّقات الرسمية لتسهيل تنقل الأشخاص إلى وجهتهم يشكل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار في المنطقة. ولا يقتصر تأثير هذه الشبكات على دول الجوار السوري، بل يمتد إلى الأمان الإقليمي والدولي، حيث تفتح بابا لتداعيات قد تكون كارثية على مستويات متعددة خصوصا إذا ما كان القصد هو تهريب موالين لتنظيمات إرهابية ومتطرفة.

المكتب في سوريا؟

جاء في تقرير صادر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان عن ضبط شبكة مختصة في تزوير الوثائق والمصادقات الرسمية، بهدف تمكين أفراد سوريين من السفر إلى إحدى الدول العربية.

البيان الصادر أمس الخميس، أشار إلى وجود معلومات تفيد بتشكيل شبكة تقوم بتزوير وثائق ثبوتية ومصادقات في الجهات الرسمية، بهدف تسهيل عمليات تهريب أشخاص سوريين عبر الحدود إلى إحدى الدول العربية.

استجابة لهذه المعلومات، تمكنت مفرزة الاستقصاء المركزية في وحدة جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة من تحديد هويات ثلاثة من المشتبه بهم في هذه الشبكة، وهم سوريّان ولبناني، حيث تم التعرف على أحدهم يعمل داخل سوريا يدعى “أبو علي قارة”.

في تواريخ 24 و28 تموز/يوليو الفائت، تمكنت المديرية في لبنان من إلقاء القبض على ثلاثة أفراد. وتم توقيف الأول في منطقة الأشرفية خلال تزويره  أوراق ثبوتية أمام إحدى الوزارات. وأما الثاني، فقد تم القبض عليه داخل محل لبيع قطع السيارات في منطقة الملا. 

كما تمكنت الجهات الأمنية من توقيف الثالث في منطقة حمانا وهو داخل محل لبيع اللحوم، بعد أن حاول الاختفاء عندما علم بتوقيف الأول. وعثر بحوزته على وثائق مزورة كان يستخدمها لصالح شخص لبناني الجنسية.

أثناء التحقيق مع الموقوفين، اعترف السوري بأنه كان يعمل تحت إشراف “أبو علي قارة”، وأكد هذا الأخير بدوره أنه كان يحصل على الملفات والأوراق المزورة من إحدى المكاتب المعنية بتخليص المعاملات في سوريا. بينما اعترف اللبناني بأنه كان يقوم بتوجيه الأشخاص الذين يرغبون في التهرب من القوانين إلى المكتب ذاته في سوريا لتزوير أوراقهم. 

أثناء استدعاء السوري ووالدته داخل أحد الفنادق في بيروت، اعترفا بأنهما كانا على علم بأن الملفات والوثائق التي يتعاملون معها مزورة، وأنهما كانا يتعاملان مع المكتب المشار إليه في سوريا من خلال “أبو علي قارة”، بهدف الحصول على تأشيرة دخول إلى إحدى الدول العربية، نظراً للتحديات التي تواجههما بسبب وضعهما القانوني والثبوتي.

تزوير الأوراق باتت مهنة

قدرة هذه الشبكات على تصنيع وثائق وهويات مزورة بتقنيات متطورة تعكس معرفتها الدقيقة بالنّظم الرسمية والإجراءات. ونجاحها في تهريب الأفراد يفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة ومحتملة، منها اندلاع نشاطات إجرامية جديدة أو استغلال هويات مزورة للمشاركة في أعمال إرهابية أو تهديدات أمنية.

منظمة “آلارم فون” وهي هيئة إنقاذ تدير خطّا ساخنا لعمليات الإنقاذ في البحر المتوسط، أكدت الأربعاء الفائت، أنه تم إعادة حوالي 50 مهاجرا سوريا إلى تركيا. كانوا عالقين بالقرب من حدود نهر إيفروس بين تركيا واليونان منذ منتصف تموز/ يوليو، انتقلوا من سوريا إلى تركيا ثم إلى اليونان بأوراق مزورة.

بحسب متابعة “الحل نت”، فإن تزوير الأوراق الرسمية والثبوتية في سوريا باتت ظاهرة خطيرة ومنتشرة تهدد الأمن والعدالة والمصالح الوطنية داخليا وخارجيا على حد سواء. 

أسباب تزوير الأوراق الرسمية والثبوتية في سوريا تتعدد وتتنوع بحسب مصادر “الحل نت”، منها استغلال الحرب والنزوح وفقدان الثبوتيات الأصلية، والعقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية وانخفاض المستوى المعيشي، والطمع والرغبة في الحصول على مزايا أو منافع أو مكانة غير مستحقة، والفساد والإهمال والتواطؤ من قبل بعض المسؤولين والموظفين في الجهات الرسمية، وضعف الرقابة والمحاسبة والعقاب للمزورين.

عواقب على السوريين

أشكال تزوير الأوراق الرسمية والثبوتية في سوريا، خلال الأعوام الفائتة شملت تزوير الشهادات العلمية باختلافها، وتزوير جوازات السفر والبطاقات الشخصية ودفاتر العائلة، أيضا تزوير شهادات الميلاد والوفاة والزواج والطلاق، فضلا عن تزوير شهادات التجنيد والإعفاء من الخدمة العسكرية.

أيضا بعد رفع الحكومة الدعم عن العائلات السورية، اتخذت مكاتب التزوير شكلا جديدا مثل توزير شهادات التأمين أو التقاعد أو المستحقات المختلفة، وتزوير صكوك الملكية أو التنازل أو التوريث، وشهادات طبية أو صحية أو إعاقة، وشهادات قيادة أو رخص سيارات أو لوحات معدنية.

مع تساهل مؤسسات الحكومة بسبب ضلوع أفراد محسوبين على السلطة في هذه الجريمة، فإن عواقب تزوير الأوراق الرسمية والثبوتية في سوريا باتت خطيرة على المستوى الفردي والجماعي، فهي تؤدي إلى انتهاك حق صاحب الورقة أو الشهادة الحقيقية.

أيضا إضافة عبء إضافي على المجتمع من خلال دخول أشخاص غير مؤهلين أو غير جديرين إلى مجالات حساسة مثل التعليم أو الطب أو المحاماة أو التجارة أو غيرها، كما تؤدي إلى خلق فجوة اجتماعية بين طبقات المجتمع من حيث التعليم أو المستوى المعيشي أو المكانة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار وجود مكاتب التزوير سيؤدي إلى خسارة ثقة سلطات الدول المجاورة لسوريا بالجهات الرسمية والقضائية والأمنية، وإلى تقويض النظام القانوني والأخلاقي والوطني، وزيادة العبء على السوريين في البلدان التي يعيشون فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات