عندما تتجول في شوارع دمشق، تستقبلك الأبنية العتيقة والطرق المتعثرة بكل تاريخ وجبروت. لكن خلف هذا المشهد الشاعري يكمن واقع مرير يعيشه السوريون، وهو واقع يرتبط بأمور أبسط من كلمات الشعر والجمال. فبينما يحاول الناس التكيف مع أوجاع الأزمة الاقتصادية المستمرة ومأساة التشريد، يتسلل إلى حياتهم تحدي جديد يهدد بنبذهم في ظلام مطبق، وهو توفير أبسط متطلبات الحياة؛ المياه والكهرباء.

تماما كما تجري المياه في أنهار البلاد، يتسلل القلق والاستياء إلى نفوس السوريين بسبب تزايد تحديات توفير المياه والكهرباء. فمنذ سنوات، أصبحت هذه الخدمات الأساسية محور تجربة يومية مرهقة للملايين، مع تراكم تأثيرات التحديات الاقتصادية. وتقف وزارتي الكهرباء والمياه في مواجهة كماشة تفتت حجم الأمل في تحسين هذين الجانبين الحيويين من الحياة.

بالمقابل، إذا كان هناك من يتجاهل واقع المعاناة الذي يواجهه العديد من السوريين ويفرط في حساسية الموقف، فهناك طبقة أخرى تعيش بعالم مواز من الرفاهية. لا تكترث للفجوة الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تشق طريقها في أرجاء البلاد، بل تغرق في الاستهلاك بلا تفكير.

الكهرباء والخوف من الفواتير

الاستحمام هذه العملية البسيطة التي قد تبدو أمرا طبيعيا في حياة الكثيرين حول العالم، تكتسب في سوريا معان وأبعاد أكبر من ذلك. إنها ليست مجرد مسألة تنظيف الجسد، بل هي مسألة صحية ونفسية واجتماعية تعكس واقعا يلوح في الأفق بمظاهر متعددة، حيث يواجه المواطنون صعوبات كبيرة في تلبية هذه الحاجة.

في سوريا توفير المياه والكهرباء يعتبر تحديا مستمرا وشاقا للمواطنين. فمنذ سنوات تتراكم الأعباء وتزداد الصعوبات التي يواجهها السوريون في الحصول على المياه النقية والكهرباء المنتظمة، والأسباب وراء هذه المشكلة تعود للانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي والتي بدورها تؤثر على توفير المياه عبر مضخات التحلية وتسبب انقطاعا في خدمات المياه لفترات طويلة.

ساعات الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي تسببت في خلق مشكلة جديدة تمثلت بضعف في ضخ المياه نحو عدد من القرى والبلدات في المحافظات السورية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل زاد الأمر سوءا بعد عطل بمجموعة التوليد ذات الاستطاعة 630 كيلو واط في محطة مياه الشميطية والتي تغذي تجمعات سكانية كبيرة.

مع ارتفاع تكاليف المعيشة في سوريا، يلفت محمد السرحان، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه بات من الصعب على العديد من الأسر تحمل تكاليف تشغيل المولدات الكهربائية الخاصة، وهذا بدوره انعكس على دورة الاستحمام داخل عائلته، ففي الوقت الراهن يستحم أفراد العائلة مرتين في الشهر فقط.

وزارة الكهرباء الخميس الفائت، أشارت إلى ربط أربع محطات لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية بالشبكة الكهربائية و وضعها بالخدمة، إلا أن هذا الربط لم يؤثر على مدة ساعات التقنين بحسب السرحان، فما زالت الكهرباء تقطع من 18 إلى 20 ساعة يوميا.

المياه مجرثمة؟

بينما يشهد العالم تطورات سريعة في مجالات عدة، يبقى الوصول إلى المياه النقية والصالحة للشرب أحد أبسط حقوق الإنسان وأكثرها أهمية. ومع ذلك، السوريون يجدون أنفسهم محاصرين بين فكي كماشة مؤلمة؛ المياه الملوثة وانقطاع المياه.

تأثير هذه المشكلة يمتد إلى العديد من جوانب حياة السوريين. إذ تؤثر على صحتهم ونظافتهم الشخصية، مما قد يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض والظروف الصحية السيئة. كما تؤثر على جودة الحياة والرفاهية، حيث يصبح من الصعب القيام بالأنشطة اليومية بشكل طبيعي في ظل غياب الخدمات الأساسية.

معاناة سكان العاصمة دمشق وضواحيها تزداد مع تدهور واقع المياه، حيث أصبح الحصول على المياه أمرا صعبا خلال الأيام الأخيرة. حيث تتسبب انقطاعات المياه المستمرة والممتدة إلى فترات طويلة بآلام كبيرة للمواطنين. وبحسب ما أكد السرحان، فإن شكاوى عديدة تُقدم بخصوص انقطاع المياه وتلوثها، حيث يجد البعض أنفسهم عاجزين عن استجرار حتى الكهرباء لتشغيل مضخات المياه.

أيضا كما تظهر الوقائع، يشير السكان إلى انقطاع تزويد المدينة بمياه الشرب خلال الفترات الليلية. ومع تراجع فترات التغذية الليلية من خمس ساعات إلى ساعتين، وفي بعض الحالات النادرة إلى ثلاث ساعات. بالإضافة إلى ذلك، يتزايد العبء المادي على السكان، إذ قفز سعر برميل المياه إلى 6 آلاف ليرة سورية عند بائعي المياه، مما ضاعف القدرة الشرائية للمواطنين. 

حاليا ووفقا لحديث السرحان، يجد المستهلكون أنفسهم مضطرين لدفع ما لا يقل عن 15 ألف ليرة سورية من أجل تعبئة أدنى كميات المياه، ما يضيف عبئا إضافيا على كاهلهم. هذا في حين أنهم ينتظرون تشغيل خطوط المياه المعفاة من التقنين على مدار اليوم.

النظافة أصبحت عبئا على السوري؟

الواقعية الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين السوريين، تتجلى في تراجع مبيعات منتجات النظافة الشخصية بنسب مقلقة. وليس ذلك فحسب، بل إن غلاء هذه المواد وعدم قدرة بعض العوائل على شرائها أثار ظاهرة فقر النظافة.

طبقا للتقارير الصحفية، مازال المواطن السوري يتخبط داخل نتائج القرارات الأخيرة التي صدرت بما يخص الأسعار والأجور، وخاصة أن بعض السلع تجاوز سعرها الـ 100 بالمئة من سعرها القديم، وبعيدا عن السلع الغذائية هناك سلع لا يمكن اعتبارها من الرفاهيات بسبب الحاجة الكبيرة لها وخاصة في فصل الصيف، كـ “الديدورانات والسبلاشات وملطفات الجو” التي ارتفع سعرها بشكل لا يصدق.

طبقا لما نشرته صحيفة “شام تايمز” المحلية، فإن بعض السلع الضرورية في الصيف “كالديدورانات” وهي من مواد مزيلات العرق، أصبحت تستخدم “بالقطارة” بسبب ارتفاع سعرها الكبير، ورغم الغلاء عزف البعض عن شرائها رغم أنها من أساسيات فصل الصيف ولا يوجد بديل عنها.

أحد أصحاب المحال أكدوا أن سعر جميع السلع ومنها العطورات والمكياج ارتفع بشكل كبير وهذا الارتفاع يتحكم به التاجر الذي يزيد السعر وفقا لارتفاع السعر داخل المصنع، حيث ترواح السبلاش بين 22000 و55000 ليرة، والديدوران تراوح بين 25000، و70000 ليرة، ومزيلات التعرق أدنى سعر لها 15000 ليرة ووصل سعر بعضها إلى 90000 ليرة.

بحسب ما توصل له “الحل نت”، من شركات المنظفات في دمشق، فإن تراجع الطلب على الصابون خلال العام الجاري كان بنسبة 60 بالمئة في مناطق القرى وبعض أحياء المدن الفقيرة، مقارنة بنفس المدة من العام الماضي، وفي الوقت ذاته تراجعت مبيعات غسول اليدين بنسبة 30 بالمئة.

كما أظهرت هذه البيانات التي حصل عليها “الحل نت”، تأثّر المستهلكون بارتفاع أسعار المنتجات الأساسية. فقد أوضحت الشركات أن هذا التراجع في مبيعات الصابون يعود بشكل مباشر إلى ارتفاع الأسعار، إذ شهد متوسط سعر قوالب الصابون ارتفاعا كبيرا بنسبة 50 بالمئة خلال العام الحالي.

إن انقطاع الكهرباء والمياه وارتفاع أسعار فواتيرهم فضلا عن تراجع مبيعات الصابون بنسبة 60 بالمئة في مناطق القرى وبعض أحياء المدن، وانخفاض مبيعات غسول اليدين بنسبة 30 بالمئة يعكس الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السوريون. فالأزمة الاقتصادية والتضخم العالي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتقلّص القدرة الشرائية، مما جعل الناس يحجمون عن عادات كثيرة وضرورية منها الاستحمام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات