تحديا جديدا يمثّله تصاعد ظاهرة تداول المستحضرات الطبية والمنتجات الجمالية عبر الإنترنت في سوريا، بعيدا عن الرقابة والمراقبة، إذ إن هذه الظاهرة تجسّد تغيّرات هامة في سلوك المستهلكين وتأثيراتها على الصحة العامة. 

ففي ظل انتشار شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في سوريا، استغل بعض التجار والمروّجين هذه المنصات لعرض وبيع مستحضرات طبية مختلفة، بدعوى أنها بديل رخيص وسهل للمستحضرات الطبية المتوفرة في الصيدليات أو المستشفيات. وقد استهدف هؤلاء التجار فئاتاً من السهل إغوائها خصوصا حبوب التقوية الجنسية عند الرجال، وحبوب تقليل الوزن عند النساء، والمستحضرات التجميلية لزيادة جمال المظهر. 

فالجوانب الاقتصادية والاجتماعية لهذا الموضوع تمثل مسألة ذات أهمية قصوى. فيما أن الأسعار المنافسة وسهولة الوصول، تجعل هذه المنتجات جذابة للكثيرين، فإنها تعزز انتشارها واستخدامها بشكل واسع دون تفكير في المخاطر الصحية المحتملة. وبالنظر إلى أن معظم هذه المنتجات ليست مراقبة أو معتمدة من قبل السلطات الصحية، يمكن أن يتسبب استخدامها في تأثيرات جانبية خطيرة على الصحة.

تجارة الموت في الأسواق الإلكترونية السورية

معظم بدائل المستحضرات الطبية غزت الأسواق الإلكترونيـة السورية بعيـدا عـن الرقابـة حيث يشتري مواطنون أدوية ومستحضرات تجميلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وبشكل لافت في الآونة الأخيرة، وذلك لانخفاض أسعارها وسهولة الحصول عليها متناسين التأثير السلبي والمخاطر التي تنتج عن استخدام تلك الأدوية والمستحضرات، كونها لا تخضع لرقابة الجهات المعنية.

معظم هذه المنتجات تكون مقلّدة أو غير فعّالة ولا تخضع للفحص والمراقبة والتقييم، ومن بين المستحضرات الطبية والمنتجات الجمالية التي تتميز بانتشارها الواسع في الأسواق الإلكترونية السورية، تجد حبوب تعزيز القدرة الجنسية للرجال وحبوب تخفيف الوزن ومستحضرات تجميلية للنساء وأدوية تساقط الشعر. 

إن توفر هذه المنتجات بأسعار منخفضة يجذب العديد من المستهلكين، لكن الأمر الخطير هو أن معظم هذه المنتجات لا تتبع المعايير الصحية ولا تخضع للفحص والمراقبة اللازمة.

طبقا لمتابعة “الحل نت”، فإنه تحت عنوان “بديل زراعة الشعر” روجت إحدى الصفحات التي تحمل “ست الحسن والجمال” عن دواء يكافح الصلع وتساقط الشعر، ويقوم بتكثيف الشعر بظرف 20 يوم، دون تقديم اسم المنتج أو بلد الصنع، أو الآثار التي تنتج عنه. 

صفحة أخرى تحمل اسم “نورا”، كتبت “كلمتين أحسن من عشره ، اللي بده يتخلص من 20 كيلو دهون كل شهر ويتخلص من الكرش والخواصر مع شد كافة الجسم، بس يحط تم لأعطيه العلاج الآمن والطبيعي بظرف شهر”، وجميع هذه الصفحات لاقت استجابة وإعجاب من قبل الكثيرين.

خطورة بدائل المستحضرات الطبية

شهادات حصل عليها “الحل نت” تكشف الوجه الآخر لمستحضرات طبية مجهولة المصدر، فقصة فاطمة التي تقطن في طرطوس تجسّد الكثير من الأمثلة الصادمة. حيث بدأت تعاني من مشكلات صحية معينة واستنجدت للبحث على الإنترنت عن الحل. حيث اشترت دواءً لمعالجة تساقط الشعر وتناولته دون استشارة طبيب. وبدلا من التحسن، تفاقمت حالتها وظهرت لديها آثار جانبية خطيرة “ثعلبة” في منتصف رأسها.

محمد الذي يعيش في دمشق، هو الآخر كان يعاني من مشكلة في زيادة الوزن وقرر تجربة حبوب التخفيف من وزنه التي اشتراها من إحدى الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي. وبالرغم من توقعاته بأنه سيفقد وزنه بسرعة، لم يحدث أي تحسن. بالعكس، شعر بآثار جانبية سلبية على صحته، بما في ذلك اضطرابات في الجهاز الهضمي والصداع المزمن.

“تجارة الموت” كما يسميها الطبيب، مصطفى النابلسي، لا تخضع للمعايير والرقابة اللازمة لضمان جودتها وسلامتها وفعاليتها. وقد انتشرت هذه المستحضرات في الأسواق الإلكترونية في سوريا، بسبب الأزمة الاقتصادية والصحية التي تعاني منها البلاد، وبسبب سهولة الوصول إليها وانخفاض أسعارها مقارنة بالمستحضرات الطبية المعتمدة.

خطورة هذه البدائل على صحة المستهلكين، بحسب حديث النابلسي لـ”الحل نت”، تأتي بناءً على أن هذه البدائل مزوّرة أو مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، وقد تحتوي على مواد ضارة أو سامة أو مشعّة أو مسرطنة، تؤثر سلبا على وظائف الجسم والأعضاء.

أيضا معظم هذه البدائل وفق حديث النابلسي غير فعّالة في علاج أو منع أو تحسين الحالات الصحية التي تزعم أنها تستهدفها، وقد تؤدي إلى تفاقم هذه الحالات أو ظهور مضاعفات أخرى. بل قد تتسبب هذه البدائل في حدوث تفاعلات سلبية مع المستحضرات الطبية الأخرى التي يستخدمها المستهلك، مثل التقليل من فعاليتها أو زيادة خطورتها أو إحداث اضطرابات في التوازن الكيميائي للجسم.

فضلا عن ذلك، يؤكد النابلسي أن هذه البدائل قد تؤدي إلى حدوث حساسية أو تحسس أو التهاب أو عدوى في الجلد أو المخاطية أو الأغشية التي تغطي الأعضاء، خصوصا إذا كانت على شكل كريمات أو مراهم أو قطرات. وحدوث اعتماد نفسي أو جسدي على استخدامها، خصوصا إذا كانت في شكل حبوب لزيادة التقوية الجنسية أو تقليل الشهية أو التخدير. 

غياب الرقابة على الأسواق الإلكترونية

الأسواق الإلكترونية التي باتت تنتشر مؤخرا في سوريا، هي أسواق تتم عبر شبكة الإنترنت، حيث يمكن للبائعين والمشترين التواصل والتفاوض والتبادل بدون الحاجة إلى التواجد الجسدي. وقد ازدادت شعبية الأسواق الإلكترونية في السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل الظروف الصحية والاقتصادية التي تفرض قيودا على التجارة التقليدية. وقد أصبحت الأسواق الإلكترونية مصدراَ مهماً للدخل للعديد من الأشخاص.

لسوء الحظ في ظل غياب أو ضعف أو تخلف الرقابة على الأسواق الإلكترونية في بعض البلدان مثل سوريا، وفي ظل نقص أو ارتفاع أسعار بعض المنتجات المهمة، مثل المستحضرات الطبية أو التجميلية أو الغذائية، برزت هذه الظاهرة الخطيرة، وظهور “البديل القاتل”، أي المستحضرات المزوّرة أو المغشوشة أو المجهولة المصدر، التي تغزو الأسواق الإلكترونية في سوريا.

غياب الرقابة على الأسواق الإلكترونية مشكلةٌ خطيرة يمكن أن تؤدي إلى عدد من المخاطر، فهي فرصة مثالية للصوص والمحتالين لممارسة نشاطاتهم، حيث يمكنهم إنشاء مواقع إلكترونية وهمية أو عرض منتجات وهمية أو الاحتيال على المستهلكين بطرق أخرى.

كما يمكن أن يستغل بعض البائعين عدم وجود رقابة على الأسواق الإلكترونية لجمع بيانات شخصية للمستهلكين دون موافقتهم، مما يمكنهم من استخدام هذه البيانات لأغراض غير قانونية أو ضارة.

في سوريا لا توفر الحكومة رقابة صارمة على المحتوى والإعلانات، ولم تسنّ القوانين التي تهدف إلى حماية المستهلكين والمجتمعات من المحتوى الضار أو المضلل على المنصات الرقمية. فعلى سبيل المثال يفرض الاتحاد الأوروبي رقابة صارمة على شركات وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث ويجبرها على تقديم المزيد من الشفافية والمساءلة حول كيفية عمل خوارزمياتها وكيفية جمع واستخدام بيانات المستخدمين. كما يمنح المستخدمين حق التحكم في المحتوى المخصّص أو الموجّه لهم وحق الطعن في قرارات إزالة المحتوى.

إن مستقبل الصحة العامة في سوريا يعتمد بشكل كبير على التصدي لهذه الظاهرة وتوعية المستهلكين بالمخاطر المحتملة لاستخدام تلك المنتجات غير المراقبة؛ خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية والصحية التي تعاني منها سوريا منذ عام 2011، هناك نقص بالمستحضرات الطبية المعتمدة وارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول عليها، لذا برزت ظاهرة “البديل القاتل”، أي المستحضرات الطبية المزوّرة أو المغشوشة أو المجهولة المصدر، التي تغزو الأسواق الإلكترونية في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات