من المؤسف أن الحرب في قطاع غزة قد استُؤنفت بين إسرائيل وحركة “حماس” بعد انتهاء مدّة الهدنة المؤقتة، وعادت مشاهد الدمار والقتل والتهجير إلى الشاشات والأذهان من جديد، بعد أن عُلّقت الآمال بأن تتجدد الهدنة المؤقتة بين طرفي الصراع ومن ثم التوصل إلى تسوية ما بخصوص وقف الحرب بشكل دائم.
الهدنة التي بدأت في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، تم بموجبها إطلاق سراح 105 رهائن لدى “حماس”، مقابل إطلاق إسرائيل سراح عدد من المحتجزين الفلسطينيين في سجونها، فيما لا يزال هناك 136 رهينة محتجزين لدى “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخرى. بيد أن طرفا الصراع تبادلا الاتهامات بالتّسبب في انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا وتم تمديدها مرتَين قبل أن يفشل الوسطاء في إيجاد طريقة لتمديد ثالث ومن ثم إلى تسوية نهائية.
فرضيتين حول إفشال “حماس” للمفاوضات
إن عدم تجديد الهدنة، رغم إبداء طرفي الصراع استعدادهما لذلك، يدفعنا إلى الخوض في حيثيات التصريحات والأفعال الأخيرة لدى طرفي النزاع بشأن الحرب، إضافة إلى الوقوف على خفايا شروطهما حول استئناف المفاوضات. وبالتمعّن بشروط إسرائيل عن كثب، يُلاحظ أنها لم تغير شيئاً منها منذ بداية الصراع وحتى الآن، فهي تريد أن تبادل الرهائن وفي الوقت ذاته تصرّ على تحقيق أهدافها العسكرية و“القضاء على حماس”.
فيما لو اتجهنا نحو شروط “حماس”، فمن الواضح أنها غيّرت شروطها مراراً وتكراراً، ولم تفِ حتى بشروط الهدنة المؤقتة الأولى، وهنا أوضح منسق الاتصالات الاستراتيجية في “البيت الأبيض” جون كيربي، عندما قال إن “حماس هي التي تسببت في انهيار مفاوضات تمديد الهدنة التي انتهت يوم الجمعة”. وأضاف، إنها “لم تفِ باتفاقها الأصلي لبدء تسليم المحتجزين في غزة”.
وبالنظر إلى شروط “حماس” التي عبّر عنها متحدثيها وقياداتها مؤخرا، فإن هناك شرطا “مستحيلا” يرى الجميع أنه من المستحيل أن توافق عليه إسرائيل، وهو تسليم الرهائن، وخاصة الجنود الإسرائيليين، مقابل الوقف الكامل للحرب، بالإضافة إلى إطلاق سراح كافة المحتجزين الفلسطينيين لدى إسرائيل، وبالتالي يبقى الوضع في غزة على ما هو عليه، أي أن تبقى غزة خاضعةً لـ”حماس” وكأن شيئاً لم يكن، وهو ما ترفضه تل أبيب بشدة، إضافة إلى أن جميع القوى الدولية تعتقد أن غزة والمنطقة برمّتها ليست كما كانت قبل هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وقد أوضح الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، مؤخرا، هذا الأمر، حيث قال: “نبذل كل الجهود لإطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس”. فيما شدد على “استمرار القوات الإسرائيلية في تحقيق الأهداف بشأن تفكيك حماس وإعادة المخطوفين وتوفير حدود آمنة”.
ولذلك فإن وضع “حماس” لشروط “تعجيزية” يقودنا إلى فرضيتَين؛ الأولى أن قرار استئناف المفاوضات بخصوص الرهائن ليس في يديها، نظرا لأنه ثمّة أنباء ومصادر عدّة تقول، إن “جميع الأسرى ليس في حوزتها”، بل أن هناك أسرى بيد الفصائل الفلسطينية الأخرى، وأن “حماس” فشلت بالضغط عليهم للولوج إلى صفقة تبادل الرهائن، فضلا عن أن هناك روايات أخرى تقول ثمّة أعداد من المخطوفينَ الإسرائيليين غير معروفٌ مكان تواجدهم.
أما الفرضية الثانية، فيما يخص تعمّد “حماس” لوقف المفاوضات مع إسرائيل، هو أن القرار النهائي بشأن استمرار التفاوض على “الرهائن” يخضع أساساً لإيران، المموّل الرئيسي للحركة، خاصة بعد أن تورّطت “حماس” في هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتلقائيا صارت ضمن ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، وهنا تقول مصادر خاصة، إن هناك انقسام في الحركة، أي أن “كتائب القسام” مواليةً تماما لإيران وهي صاحبة القرار النهائي، وبالتالي هناك مفاوضات من مستوى آخر يجري في الخفاء، ويبدو أن شروط أحد طرفي هذا الصراع مرفوضة من الطرف الآخر.
بمعنى آخر، إيران تساوم الجانب الغربي على أمور أخرى مقابل إطلاق سراح كافة “الرهائن” الإسرائيليين، بل تريد تحقيق أهدافها التكتيكية، سواء ضمن الملف النووي أو فيما يتعلق بترتيب المنطقة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كان هناك اتفاقٌ على إقامة علاقات سلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية على وشك الحدوث. وهو ما يعني التضييق على الوجود الإيراني في المنطقة، أي ترتيب المنطقة من دونها كان أمراً يُرسم خلف الأفنية وبناء قرارات سياسية من دون وضع إيران في الاعتبار، وإيران بورقة “حماس” تعاود إثباب وجودها وأن مشاريعها العدائية في المنطقة مستمرة وإن كان عبر عمليات “إرهابية” وبواسطة الميليشيات التابعة لها بشكل أو بآخر.
واشنطن بمجابهة مطامع إيران
وهناك تراهنُ طهران على الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل تحقيق ما ترنو إليه، رغم أن واشنطن لن تحقّق أبداً ما تسعى إليه إيران. ويبدو أن الولايات المتحدة تسعى بشكل حثيث مع الوسطاء؛ مصر وقطر، للتوصل إلى تسوية ما ترضي أطراف النزاع، بعيداً عن أطماع وخلافات طهران.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، الاثنين، لشبكة “سي إن إن” الأميركية، إنه “نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على إجراء تلك المناقشات الدبلوماسية الحساسة خلف أبواب مغلقة”، لافتا إلى أن “المناقشات المكثّفة الجارية والتي تضم الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر ومصر، حول أفضل السبل لتحقيق استراتيجية من شأنها إخراج جميع الرهائن”.
الإدارة الأميركية تقود جهوداً مكثّفة لإقناع إسرائيل و”حماس” باستئناف المفاوضات مرة أخرى.
وفي سياق متصل، قال جاك سوليفان للصحفيين في “البيت الأبيض”، إن إدارة بايدن أجرت محادثات مع إسرائيل حول المُدّة التي قد يستغرقها هجومها ضد حركة “حماس”، دون الخوض في تفاصيل المحادثات.
من جانبه، قال جون كيربي، إن الإدارة الأميركية تقود جهوداً مكثّفة لإقناع إسرائيل و”حماس” باستئناف المفاوضات مرة أخرى لـ”وقف الأعمال العِدائية، وتبادل المزيد من الرهائن والأسرى”، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وقال كيربي، لشبكة “NBC NEWS”: “لا نزال نحاول بكد، ساعة تلو ساعة، لنرى ما إذا كان بإمكاننا جلب الأطراف إلى الطاولة، ونرى ما إذا كان يمكن تحريك الأمور”، مضيفا “نود أن يحدث هذا اليوم، ولكن حقاً، لا أعرف”.
“حماس” تماطل أمد الحرب!
مما لا شك فيه، أن “حماس” وبهذه الشروط “التعجيزية”، تحاول المراوغة بغية إحداث مناورة تكتيكية، أي أنها تريد إطالة أمد الصراع وذلك لكسب الوقت لإعادة التموضع وترتيب حساباتها، بحيث لا تخسر كامل ورقة القضية الفلسطينية.
خاصة وأن “حماس تعلم جيدا أن ملف الأسرى هو “الكارت القوي” التي ستستخدمه في المفاوضات سواء في وقف إطلاق النار في الوضع الراهن أو محاولة الوصول إلى اتفاق في وقت لاحق”. كما أن الحركة تعلم جيدا أن الضغط بملف الأسرى يؤدي إلى فرض ضغط شعبي داخلي على حكومة بنيامين نتنياهو ووزارة الدفاع الإسرائيلية.
تدعيما على سعي “حماس” لإطالة أمد الحرب والضغط على تل أبيب وتأجيج الضغوط الإقليمية والدولية ضدها، على حساب دمار القطاع وقتل الغزاويين، أكد القيادي في الحركة، أسامة حمدان، قبل يومين، أن استئناف مفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين مرهونٌ بوقف إطلاق النار.
وأردف حمدان بمؤتمر صحافي في بيروت مساء الأحد، أن “إسرائيل لن تنجح في تحقيق الأهداف التي عجزت عن إنجازها خلال 50 يوما قبل الهدنة الإنسانية، مهما طالت الحرب”، لافتا إلى أن “استئناف مفاوضات تبادل الأسرى مرهونٌ بوقف العدوان ووقف إطلاق النار وقبل ذلك لا حديث عنه”، وفق ما نقلته وسائل الإعلام.
وحمّل حمدان في حديثه أن “نيّة إسرائيل المبيّتة في استمرار الحرب هي السبب وراء فشل مسار التفاوض”، زاعما أن “حماس أبدت مرونة عالية في استمرار التفاوض من أجل تمديد التهدئة وأبلغنا الوسطاء استعدادنا لاستمرارها”.
“حماس” تريد بتصريحاتها الأخيرة تحريض الرأي العام ضد إسرائيل التي تواصل عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة.
كما وانتقد القيادي في “حماس”، الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل وقال إنها شريكة لإسرائيل في حربها ضد سكان القطاع، متوعّدا واشنطن بأنها “ستدفع الثمن”، مشددا على ضرورة تكثيف إدخال المساعدات الطبية والغذائية والوقود والغاز والمستشفيات الميدانية في كلّ التخصصات إلى قطاع غزة، وسرعة إخراج أصحاب الحالات الطارئة من المرضى للعلاج.
وبالتالي لا يمكن القول إلا أن “حماس” تريد بهذه التصريحات تحريض الرأي العام ضد إسرائيل التي تواصل عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة، إضافة إلى استهدافها للمناطق السكنية التي يسكنها مدنيون، وهو ما تبرره إسرائيل بوجوده وإيواء مقاتلي “حماس” بين المدنيين، مما يزيد من الضغوط المحلية والإقليمية والمجتمع الدولي ضد إسرائيل.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.