“تريد تتزوج سورية؟ الطريقة كالتالي…”. تريند رائج منذ مدة في العراق، يروج لموضوعة زواج العراقيين من السوريات بما معناه “تتزوج بنص مليون عراقي وتشبع تؤبرني وتبولة وفتوش ومكدوس”، في خطاب ذكوري بائس، لكن لماذا الترويج لهذا الترند؟ وما المغزى منه؟

واقعيا، لا يمكن إنكار أن الترند ترافقه حقائق ميدانية لهذا الموضوع، إذ تم تسجيل قرابة 5 آلاف عقد زواج لسوريات من أزواج عراقيين خلال العام المنصرم 2023، بحسب تصريح صحفي للسفير السوري لدى العراق، صطام جدعان الدندح. 

كيف يتم الترويج لزواج العراقيين من السوريات؟ 

الطريقة التي يتم الترويج لها في صفحات “الفيسبوك” العراقي، هي ذهاب الشاب العراقي إلى الشام، والمكوث لمدة بين أسبوعين وشهر، يبحث خلالها عن فتاة سورية من الريف، ثم يتزوجها بتكلفة بين 500 و2500 دولار بموافقة أهلها، ثم يعود معها إلى العراق بعد تصديق عقد زواجهما في السفارة العراقية بدمشق، وانتهى الأمر! 

الترويج لهذا الترند الذي يعكس حقائق على واقع الأرض، يأتي تحت ذريعة أن الزواج من المرأة العراقية مكلف نتيجة المهر العالي الذي تطلبه الشابة العراقية أو عائلتها، والذي يكون الرقم الوسطي له 30 مليون دينار عراقي، أي نحو 23 ألف دولار.

البعض ألحق مع التريند قائمة من التعليمات، منها اشتراط الزوج منع زوجته السورية من زيارة أهلها حتى تنجب أول طفل، ناهيك عن شبه انعدام المهور، بحسب النسوية والناشطة الحقوقية إيناس الربيعي، التي تتساءل: لماذا الشرط حتى إنجاب أول طفل؟ لأن القانون العراقي يمنع الأم من السفر بالأطفال دون موافقة الأب، وبهذه الطريقة سيستطيع الزوج إبقاء الزوجة تحت سيطرته.

هذا الترند وطريقة التعاطي بالمجمل، أمر مهين وفيه تسليع للمرأة السورية والعراقية على حد سواء، وفق الربيعي التي تردف في حديث مع “الحل نت”، أن هؤلاء الرجال معظمهم لم يفهموا حتى اليوم ما معنى مسؤولية الزواج، وكل رغبتهم تتوقف عند أمر واحد فقط: “كيف يجلب أرخص امرأة لخدمته”.

رد فعل على وعي العراقيات؟

يعاني المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة من مشاكل كثيرة، وأهمها العنف الأسري، إضافة إلى تعدد الزواجات، ناهيك عن محاولات إجبار الزوجات على تقبل نمط حياة قديم جدا، وهنا فإن خوف العراقيات من حياة زوجية بائسة دفعهن إلى رفض الزواج الفاشل، ولكن لانعدام الوعي والتثقيف بين النساء أنفسهن، بدل أن يطالبن بقانون يحميهن، لجأن إلى رفع المهر المعجل والمهر المؤجل كمحاولة منهن لحماية أنفسهن، كما تقول الناشطة الحقوقية العراقية.

كرد فعل على ارتفاع المهور لدى العراقيات، قام الشباب العراقي برفع شعار (تزوج سورية أرخص) واشترطوا أن تكون السورية من الريف، وهذا بحسب الربيعي، يؤكد همجية هؤلاء الرجال ورغبتهم بالتعنيف وإهانة زوجاتهم، إذ غالبا سيتزوج من فتاة لا تملك شهادة تساعدها على العمل إذا قررت الانفصال، وأيضا بعيدة عن أهلها، ولا يوجد من يدافع عنها في حالة التعنيف، “لا أهلها ولا القانون العراقي العشائري”. 

العديد من الزوجات السوريات، شكون من العنف الأسري الذي يمارسه أزواجهن بحقهن، ومن سوء معاملة أهل الزوج لهن، وكأنها “خادمة للعائلة”، وعندما تبحث عن الانفصال، فلا وجود لأي حقوق تضمن لها ما بعد الطلاق، وخاصة اللواتي أنجبن الأطفال، لتضطر في النهاية إلى تقبل الواقع المأساوي الذي وجدت نفسها أمامه. 

تعاني المرأة السورية الأمرين في العراق، بسبب ضعف القانون العراقي من جانب، وبسبب حالتها المادية السيئة من جانب آخر، واستغلال بعض الرجال العراقيين سوء الأحوال المادية للنساء السوريات هو أمر بشع يذكّرنا بالمذابح التي شهدتها البوسنة، حينما توجه السعوديون للزواج من البوسنيات مستغلين الحرب هناك، وكان هناك نقد كبير من العراقيين لسلوك السعوديين حينها.

اليوم يتكرر الأمر مع النساء السوريات من قبل العراقيين أنفسهم الذين انتقدوا السعوديين حينها، ولا تفسير لهذا الشيء غير ما ذكره الباحث علي الوردي في كتابه “شخصية الفرد العراقي”، عندما تحدث عن تناقضاته لو انعكست الظروف، لتصرف بنفس التصرف، وهذا الواقع مما يحدث الآن، كما تقول النسوية والناشطة بمجال الحقوق والحريات حفص عامر.

استثمار الزواج لأغراض “مخلّة”!

الزواج من فتيات سوريات بمبالغ قليلة، ما هو إلا سبب يقلل من شأن معتبريه وهم الشباب العراقي، ومن يرى الزواج من الفتاة السورية هو إعانة لها وسترها، فإن هذا التفكير وفق حديث عامر مع “الحل نت”، هو عنصري استغلالي لمعاناة المرأة السورية، إذ الهدف من ذلك هو أنه يريد امرأة يتسيّد عليها ويسميها “صالحة” لتكون مطيعة له ويتمنّن عليها بزواجه منها، وهنا شيء مترابط بكل الأسباب التي ذُكِرت وهو “الاستغلال”.

بحسب عامر التي تعمل في منظمة “حرية المرأة في العراق” (owfi)، فإنه لا علاقة للكبت والوضع الاقتصادي بموضوع زواج العراقيين من السوريات. “هذه شمّاعة يعلقون عليها استغلالهم للنساء، ولو اعتقدنا أن هذا السبب وجيه، فهذه كارثة بحد ذاتها أن تصبح المرأة ثمنا لهذا الشيء”، لكن ما يحدث هو ظهور صفحات تروج للخطاب الذكوري الميسوجيني عقب التماس الوعي الكافي للنساء العراقيات برفض أي رجل يقلل من قيمتهن، “فوعي النساء بحقوقهن يعد إفلاسا للذكورية ويهدد مكانة الذكوريين”، على حد قول عامر. 

من جهتها، ترى المدونة العراقية آية محمد في حديث مع “الحل نت”، أن الترند التسويقي للزواج من السوريات “ما هو إلا بداية للرجوع للعصر الجاهلي وسوق الرقيق”، مردفة: “هذا ليس زواجا حقيقيا، لا يقوم على مشاعر أو عاطفة، قد يستثمر مستقبلا لأغراض أخرى، إذ قد يكون الزوج ‘قوّادا’ فيقوم ببيع زوجته لمن يدفع له ثمنا أكثر”،  فيما أضافت، أن من يقوم بهذا الزواج، هو شخص “رخيص”، كونه استغل ضعف اقتصاد بلد آخر. 

أخيرا، تعرج إيناس الربيعي، إلى أن السورية في حالة الطلاق ستعود لأهلها في سوريا، وحينها لن تكون قادرة على المطالبة بأي حقوق تخصها، لا بالنفقة ولا حتى بالمتأخر إذا لم تتنازل عنه لأجل الطلاق، خاصة وأن القانون العراقي لا يعالج مشاكل المغتربين بصورة صحيحة، وبالنتيجة، فإن الزواج من الفتاة السورية مفضّل لأي شخص غير سوي، فهي إما تبقى مطيعة للزوج أو تتطلق وتعود لأهلها دون أن تكلفه أي شيء. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات