بينما يواصل الجيش الإسرائيلي العمل في وسط وشمال غزة، ومع ارتفاع احتمالية نشوب حرب في الجبهة الشمالية مع “حزب الله”، تظهر الضفة الغربية كجبهة جديدة محتملة، ورغم أنها لاتزال تُعرف كساحة ثانوية في المعركة متعددة الجبهات التي تستعد لها إسرائيل، إلا أنها تشكّل مركزاً هاماً في وقف تدهور هذه المنطقة.
ظهرت بعض المؤشرات داخل الضفة الغربية خلال الأسابيع الأخيرة التي جعلتها إحدى بؤر الاشتعال المُحتملة، وذلك بعد تعاظم قوة التنظيمات التابعة لإيران، وظهور الأسلحة التي كما يبدو عرفت طريقها إلى الضفة؛ بهدف تحويل هذه المنطقة في نهاية المطاف إلى جبهة ثالثة في الحرب الطويلة المستمرة ضد إسرائيل.
تهريب أسلحة إلى الضفة
في 25 آذار/مارس الماضي، أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والجيش الإسرائيلي، أنها أحبطت عملية تهريب إيرانية كبيرة في “الأشهر الأخيرة”، وذلك بعد أن حاول عملاء إيرانيون، بقيادة أعضاء من “الحرس الثوري”، تهريب أسلحة متطورة إلى الضفة الغربية لتسليح عملاء فلسطينيين جندهم منير المقدح، وهو مسؤول كبير في حركة “فتح” وعميل معروف لـ”حزب الله” و”الحرس الثوري” ومقرّه في لبنان.
بحسب بيان “الشاباك”، فإن القوات صادرت مخبأً كبيراً من الأسلحة، بما في ذلك مجموعة متنوعة من المتفجرات وقاذفات القنابل والألغام المضادة للدبابات والأسلحة النارية.
بدوره الجيش الإسرائيلي قال إن الوحدة 400، وهي فرقة عمليات خاصة تابعة لجهاز استخبارات “الحرس الثوري” الإيراني، والوحدة 18440، وهي فرقة العمليات الخاصة التابعة لـ “فيلق القدس”، كانتا وراء هذه العملية.
كما نشر “الشاباك” مقطع فيديو على منصة “إنستغرام” يظهر فيه عبوات ناسفة إيرانية مختلفة، قال إنه تم ضبطها، وأظهرت التحقيقات أن “المقدح” هو من يقف خلف تلك العمليات.
في أبريل/نيسان 2024، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن إيران غمرت الضفة الغربية بالأسلحة منذ ما يقرب من عامين، مستخدمة شبكة سرّية متعددة الجنسيات من عملاء الاستخبارات والجماعات والعصابات كجزء من استراتيجيتها المتعددة الجوانب ضد إسرائيل.
ثلاثة مسؤولين لم يكشف عن أسمائهم من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، قالوا فيها أن أغلب الأسلحة المُهربة تنتقل عبر مسارات تمرّ عبر إيران والعراق وسوريا ولبنان والأردن وإسرائيل.
صحيفة “نيويورك تايمز”
ونقل التقرير عن مسؤولين إيرانيين قولهم، إن العملية تعتمد على البدو الذين يقومون بتهريب الأسلحة من الأردن عبر الحدود إلى الضفة الغربية، وأضاف المسؤولون إن إيران لم تستهدف تنظيم معين يعمل في الضفة الغربية لتزويدها بالأسلحة، بل حاولت بدلا من ذلك “إغراق المنطقة بالأسلحة على نطاق واسع” في محاولة “لإثارة الاضطرابات” ضد إسرائيل، فضلاً عن تسليح حركة “حماس” التي تحرّض على العنف في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
كما رُبط بين نشاط الأسلحة والغارة الجوية الإسرائيلية على السفارة الإيرانية في دمشق في أوائل نيسان/أبريل الماضي، والتي أدت إلى مقتل سبعة أعضاء من “الحرس الثوري”، ومن بين هؤلاء محمد رضا زاهدي (65 عاما)، قائد العمليات السّرية الإيرانية في سوريا ولبنان، والتي تم من خلالها تهريب بعض الأسلحة إلى الضفة الغربية.
وبالمثل، تم الربط أيضا أن أحد طرق التهريب كان هدفا لغارة جوية إسرائيلية في 26 آذار/مارس على شرق سوريا قيل إنها أسفرت عن مقتل أكثر من 15 شخصا. وبحسب التقرير فإن أغلب الأسلحة المهرّبة كانت أسلحة صغيرة مثل المسدسات والبنادق الهجومية، كما شملت أيضاً بعض الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والقذائف الصاروخية.
خطة الهلال الشيعي
إذا ثبُتت صحة تلك المعلومات، فما الذي تريده إيران حقاً من إغراق الضفة بالأسلحة؟
الهدف واضح، هو توسيع استراتيجية “حلقة النار” إلى الضفة الغربية، وهي السياسة التي تتبعها إيران دائماً، وهي إحاطة أعداءها بميليشيات من كل جانب.
فبينما حلفاء إيران يضغطون على إسرائيل من الجنوب في غزة (حماس)، والشمال من الجبهات اللبنانية والسورية واليمنية، لكن في غرب إسرائيل، هناك عنصران يقفان كحاجز في طريق الرغبة الإيرانية في إشعال الضفة الغربية ومن هناك إلى وسط إسرائيل.وهما المملكة الأردنية والوجود الأمني الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكما يبدو تحاول إيران أن تخترق تلك الجبهة للضغط على إسرائيل عبر جبهة حيوية لها وتمسّ بشكل فعّال الحياة اليومية للإسرائيليين.
الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، قال لـ”الحل نت”: إن أقل من 10 بالمئة من المقاتلين في الضفة ينتمون إلى الحركات الإسلامية التي لو سُنحت لها الفرصة ستحصل على تمويل إيراني بالطبع.
خط سير الأسلحة
في إسرائيل يضعون على قائمة اهتماماتهم مسارات نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا ولبنان والعراق، وهو ما يفسر العديد من الهجمات الإسرائيلية طوال السنوات الماضية، على قوافل الأسلحة، وبذات الاستراتيجية ستراقب إسرائيل بحذر ربما أكبر الأسلحة التي ستدخل الضفة، والتي جاءت كما يبدو من إيران إلى لبنان، ثم نقلها عبر الحدود السورية اللبنانية، عبر الأردن، إلى الضفة الغربية.
تحقيق لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، كشف معلومات دقيقة عن مسارات الأسلحة. فنقل الأسلحة من لبنان وسوريا إلى الضفة الغربية بدأ في عام 2005. وكان العميد السوري محمد سليمان، الذي اغُتيل على يد إسرائيل في عام 2008، مسؤولاً عن هذا النشاط، فيما شارك “حزب الله” في هذه العملية.
في هذه الفترة كان الشقيقان سامي وعلاء البشابشة من الرمثا في الأردن مسؤولين عن التعامل مع الأسلحة منذ دخولها إلى الأردن حتى نقلها إلى الضفة الغربية، حيث تعاون آل بشابشة مع شبكات التهريب في الجانب السوري ومع “حزب الله” وكان اهتمامهم، واهتمام عائلات التهريب الأخرى، بالمال، وليس بالالتزام الأيديولوجي. وكان النقل في ذلك الوقت عبارة عن أسلحة خفيفة، بنادق ومسدسات وذخيرة.
انهارت هذه الشبكة مع اندلاع الأزمة السورية، ومع استعادة حكومة دمشق وحلفائها لمنطقة الحدود الجنوبية في عام 2018، بدأت العملية في العودة مرة أخرى، على نطاق أوسع، وتحت إدارة “حزب الله” مرة أخرى، وتحت إشراف إيراني، بالتعاون مع عناصر من الجيش السوري وعائلات التهريب المحلية.
هذه الأنشطة تجري في إطار مكتب الأمن الخارجي لـ”حزب الله”، برئاسة المسؤول الكبير في الحركة وفيق صفا، فيما أصبحت الأسلحة متطورة وبها المزيد من المتفجرات.
تبدأ عملية تهريب الأسلحة من لبنان، حيث يتم نقل الأسلحة عبر الحدود إلى مقر الأمن الخارجي لـ”حزب الله” في القصير بسوريا. ومن هناك يتم نقل الأسلحة إلى منطقة حمص حيث يتم تخزينها في مزرعة تعود للمواطن حسين رحمة، وقد حوّل “حزب الله” المزرعة إلى موقع لتخزين الأسلحة، ومنها يتم نقل الأسلحة إلى موقع في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق.
في منطقة السيدة زينب يتولى مسؤول كبير في “حزب الله” يدعى زين العابدين مسؤولية تخزينها وإدارة نقلها إلى جنوب سوريا والسويداء. وتحت إشرافه يتم نقل الأسلحة إلى مناطق نائية في محافظة السويداء على الحدود السورية الأردنية، ومن ثم يتم نقلها إلى الأردن، ثم إلى الضفة الغربية.
بارود موقوت
إن بعض الأسلحة تنتقل من سوريا إلى لبنان بحسب اثنين من المسؤولين الأميركيين، حيث تلتقطها العصابات الإجرامية عند الحدود الإسرائيلية وتنقلها إلى الضفة الغربية. وقال أحد المحللين إن هذا الطريق هو الأصعب، لأن الحدود اللبنانية تخضع لدوريات مكثفة من جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوات الدفاع الإسرائيلية.
وبحسب الصحيفة فإن طريقا آخر تنتقل عبره الأسلحة يبدأ من سوريا عبر الأردن، الذي يشترك في حدود “مسامية” تمتد لنحو 480 كيلومترا (300 ميل) مع إسرائيل.
الوضع الذي على حافة الاشتعال، والفوضى المحتملة في الضفة الغربية ترتبط بشكل وثيق بضعف السلطة الفلسطينية، التي لا تؤدي مهامها من الناحية الأمنية، وهو ما استغلته طهران للتغلغل داخل الضفة عبر تسليح “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”كتائب شهداء الأقصى” في الضفة الغربية.
هذا ما أدى أيضاً إلى تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين على مدى أكثر من عامين لكنه لم يصل – رغم الحرب في غزة – إلى درجة الانتفاضة، لكن في ظل الفوضى في كل مكان فإن كل الاحتمالات واردة، وهو ما يفرض تحدياً أمنياً على المنطقة.
وجدير بالذكر أن هناك مجموعات صغيرة تنشط في الضفة الغربية، نشطاؤها من سكان مخيمات اللاجئين، وبعضهم بدون انتماء تنظيمي لكن الإلهام يأتي من “حماس” و”حزب الله”، والحماسة تأتي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب في غزة، كل هذا يخلق مزيجاً لإمكانية اشتعال الضفة. الأيادي فلسطينية، العقل والتمويل – إيراني.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.