مرة أخرى، تتزامن اتهامات روسيا لـ “قوات التحالف الدولي” بالاحتكاك بطائراتها في سوريا، مع وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين تركيا والحكومة في دمشق، لإحداث انعطافة في العلاقات بين الطرفين، وهي جهود بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة، وتهدف إلى تحقيق عدة مصالح مشتركة.
المصالحُ تلك، تبدأ من حلّ أزمة اللاجئين في تركيا بعد انتهاء كونهم ورقةً تمّ توظيفها لحساب حزب “العدالة والتنمية”، محلياً (في الانتخابات والاستقطاب السياسي) وخارجياً (الدعم الأوروبي المالي)، من ثم التوسط للرئيس السوري بشار الأسد، لجهة تخفيف عقوبات “قيصر” في مقابل استقبال اللاجئين.
فيما يرى رجب طيب أردوغان وبوتين، أن استكمال الاصطفاف مع دمشق، قد يؤطر المصالح المُلحّة إزاء تقويض نفوذ الكُرد بشمال شرقي سوريا، لا سيما أن نقطة الخلاف بشأن وجود تركيا في شمال غربي سوريا قد تضحى نقطة يمكن حلحلتها في حال تم القبول بكونها أحد الأجسام العسكرية التي تباشر دورها الأمني مع “المعارضة السورية” التابعة لأنقرة وتحريكها ضد الخصوم المشتركينَ.
بالتالي، لم يكن خارج السياق ابتعاث موسكو توترات جديدة مع الولايات المتحدة في سوريا، وإعلانها أن طائرة حربية تابعة لـ “التحالف الدولي”، اقتربت من طائرة روسية طراز “أنتونوف أن-30″، أثناء تحليقها فوق الأجواء السورية بمحافظة حمص، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس“. ونقلت الوكالة عن الجيش الروسي قوله: “الطيار الروسي تمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب الاصطدام”.
مصالح موسكو من التقارب التركي السوري
إذاً، يبدو أن روسيا تحاول ومن خلال “عدم دعمها خلال اللعب بورقة الكُرد صياغة تقارب روسي تركي عبر تقارب تركي مع الحكومة السورية”، وذلك لتحقيق مصالح الأطراف الثلاثة، سوريا وتركيا وروسيا، حسبما يوضح المراقب الدولي السابق لدى “الأمم المتحدة”، الدكتور كمال الزغول.
الزغول يبيّن في حديث مع “الحل نت”، أنه إذا حدث ذلك التقارب سيكون الموقف الروسي أقوى بالنسبة لسياستها تجاه أميركا، حيث ستحصّن تواجدها في الشرق الأوسط من خلال تواجدها في قاعدة حميميم والقامشلي، الأمر الذي يعطي موسكو ورقة أقوى في التأثير بالشأن السوري، وفي حل مشاكل الشمال السوري.
أما مسألة احتكاك الطائرات، فهي احتكاكات ذات “رسائل سياسية”، مفادها أنّنا “متواجدون ويقظون”، لكنها بالوقت نفسه تجبر جيشا موسكو وواشنطن على التنسيق قبل إجراء الطلعات التدريبية.
ويردف الزغول قائلاً: “المهم بالموضوع أن روسيا بعد تحصينها لمواقعها في سوريا بالميدان وعلى الأرض، ستحصل على تماسك سياسي بينها وإيران من جهة وبينها وبين تركيا من جهة أخرى، الأمر الذي يجبر واشنطن على فتح الخط الساخن معها وإجراء حسابات استراتيجية جديدة بناء على قوة التواجد المفروضة على الأرض.
لكن الذي يعقّد المشهد نقطتان أساسيتان: تدخل إيران في سوريا وعدم قدرة الأميركيين على ضبط إيقاع المشهد العراقي في ظل تنافر روسي أميركي هناك، فمهما حصل من تسويات تبقى إيران هي معضلة الولايات المتحدة مهما حدث من اتفاقات وحلول، وليس من السهل أن تتخلى إيران عن سياستها الخارجية الحالية، وفي ظل صعوبة إخراج إيران من المشهد سيبقى الوضع القائم هو المسيطر لفترة ليست بالقليلة، وفق الزغول.
نهاية الشهر الماضي، تكررت حوادث مماثلة، وفق ما ذكر نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، يوري بوبوف، وقال إن طائرات تابعة لـ “التحالف الدولي” اقتربت بشكل خطير من طائرات روسية من طراز “سو-35″، وقال: “في 21 حزيران/ يونيو الماضي، من الساعة 12:33 إلى 12:46 اقتربت ثلاث طائرات استطلاع مسيرة من طراز Reaper MQ-9 تابعة للتحالف الدولي فوق قرية السخنة في محافظة حمص، على ارتفاعات من 7000 إلى 8000 متر، من طائرة سو-35 تابعة لقوات الجو فضائية الروسية أثناء قيامها برحلة مجدولة في المجال الجوي السوري”.
وقال نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا: “أظهر الطيار الروسي احترافية عالية واتخذ التدابير اللازمة على الفور لمنع الاصطدام”، موضحاً أنه في هذا التاريخ فقط تم توثيق 12 خرقاً خلال اليوم من قبل زوجين من مقاتلات “إف-15” وزوج من مقاتلات “تايفون” وثلاثة أزواج من طائرات التحالف الهجومية من طراز “أي 10 ثاندربولت”.
وتابع: “خلال 24 ساعة في منطقة خفض التصعيد بإدلب، تم تسجيل قصف من قبل الإرهابيين لمواقع القوات الحكومية السورية، ونتيجة نيران قناصة إرهابيين من منطقة الفطيرة على مواقع قوات الحكومة السورية في منطقة قرية ملاجة بمحافظة إدلب، أصيب جندي سوري. وعلى مدى الـ 24 ساعة الماضية، شنت القوات الجوية الروسية ضربات على أربع قواعد محددة للمسلحين الذين غادروا منطقة التنف وكانوا يختبئون في مناطق يصعب الوصول إليها في سلسلة جبال العمور (أبو رجمين) في محافظة حمص”.
“نجاح نسبي لروسيا”
غير أن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، قال إن موسكو ستمتنع عن أي تنسيق بشأن حركة الطيران بين بلاده والولايات المتحدة في سوريا، لافتاً في مؤتمر صحفي مطلع الشهر الحالي تموز/ يوليو، إلى أن تعطيل الاتصالات التنسيقية بين واشنطن وموسكو، إنما بسبب الحوادث الأخيرة التي وصفها بـ “الخطيرة”، ومنها احتكاكات بين طائرات مسيرة أميركية وطائرات روسية في الأجواء السورية. وقال ريابكوف، إن الطائرات الأميركية تتعمد الاقتراب بشكل خطير ومقصود من الطائرات الروسية.
الصحفي الكُردي السوري، باز علي بكاري، يعقّب على تلك الاحتكاكات موضحاً: “لم يتوقف الجيش الروسي منذ بدء تواجده ضمن الجغرافية السورية عن التحرش بالقوات الأميركية، ودوماً من منطلق عدم شرعية الوجود الأميركي، في مقابل شرعية الوجود الروسي الذي جاء بناءً على طلب (الحكومة الشرعية) حسب وجهة نظر موسكو”.
لكن، يعتقد بكاري في حديثه لـ “الحل نت”، أن التصعيد الأخير يأتي بعد نجاح موسكو ولو نسبياً بالتقريب بين أردوغان والأسد، ضمن عملية إعادة تدوير الأسد التي بدأت بها روسيا منذ نحو سنتين، وهذه التحركات الروسية تأتي في إطار التذكير بأنها من تتحكم بالسماء السورية وتأخذ شرعية وجودها من حكومة دمشق.
ويردف الصحفي الكُردي السوري بقوله، “لا يجب أن ننسى أنه في كل مرة اقتربت واشنطن من استحقاق الانتخابات الرئاسية تحاول كل من موسكو وطهران وأنقرة استغلال الانشغال الأميركي لتمرير اتفاقيات وصفقات، لكن سرعان ما تعود الأمور إلى نصابها وفق الميزان الأميركي بعد الانتخابات، وطبعاً من يدفع الثمن الباهظ هم السوريون في ظل نظام هشّ تابع، ومعارضة لا تقل عنه هشاشة وتبعية لدول الجوار”.
أما بالنسبة لمستقبل العلاقات بين روسيا وإيران والولايات المتحدة، فلابد من التذكير بأن لروسيا حساباتها الخاصة ولإيران حساباتها الخاصة كذلك، ورغم دعم الطرفين للحكومة في دمشق، إلا أن هناك “تضارب مصالح” أيضاً، فبعد التصريحات الأخيرة حول التقارب بين أنقرة ودمشق بوساطة روسية، جاء الضغط الإيراني بالكشف عن مشروع اتفاقية مع الحكومة السورية لاسترداد ديونها، وعليه لا يمكن أن نتكهن بحلول نهائية، على الأقل خلال المدى القريب المنظور.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.