التصعيد الإسرائيلي – “الحوثي”، بالفعل ورد الفعل، قد يؤدي لانزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية تتعدد فيها الجبهات بتعدد الميليشيات الموالية لإيران في أكثر من دولة. فالضربة التي شنتها إسرائيل على ميناء الحديدة اليمني، يوم 20 تموز/ يوليو الجاري، بعد يوم من هجوم بطائرة مسّيرة “حوثية” على تل أبيب بالقرب من مبنى دبلوماسي أميركي، تزيد من مدى احتمالية توسيع الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.

إيقاف الصراع في قطاع غزة سيخفّض حدة التصعيد في البحر الأحمر، قال القائم بأعمال السفير الصيني لدى اليمن، شاو تشنغ، لبرنامج “اليمن في الإعلام الدولي” الذي نظمه مركز “صنعاء للدراسات“. مطالباً جميع الأطراف، بما فيها “الحوثيين”، بإيقاف الهجمات التي تستهدف سفن الشحن في البحر الأحمر وحماية وتأمين خطوط الملاحة الدولية. وفي أنانية مطلقة قال تشنغ، “الهجمات ضاعفت من تكلفة الشحن والتأمين للصادرات الصينية، وسبّبت عبئاً إضافياً للمنتجين الصينيين”.

سابقاً، ودون ذكره لـ”الحوثي”، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إلى وقف المضايقات والهجمات على السفن المدنية والحفاظ على التدفق السلس للسلاسل الصناعية وسلاسل التوريد العالمية والنظام التجاري الدولي، مُحملاً الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما، مسؤولية التصعيد، بالقول: “يجب تجنب صب الزيت على نار التوترات في البحر الأحمر ومنع زيادة المخاطر الأمنية الشاملة للمنطقة”.

بدورها، ومنذ الأسابيع الأولى للحرب في غزة واستثمارها من قبل “الحوثي”، دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينيغ، “إلى وضع حد لمضايقة سفن مدنية، من أجل الحفاظ على العبور السلس للإنتاج الدولي وسلاسل الإمداد ونظام التجارة العالمي”. مضيفةً، “الأولوية القصوى هي وقف الحرب في غزة في أقرب وقت، لمنع النزاع من التمدد أكثر، بل حتى خروجه عن السيطرة”. 

شاو تشنغ، القائم بأعمال السفير الصيني لدى اليمن

ومؤخراً، صوّت مجلس الأمن الدولي على القرار 2739، بتأييد 12 عضواً من بينها الصين، مجدداً مطالبته “الحوثي” بوقف فوري لهجماته على السفن في البحر الأحمر الممر الحيوي للتجارة العالمية. وحث القرار على توخي الحذر وضبط النفس لتجنب المزيد من تصعيد الوضع في البحر الأحمر، وعلى صعيد المنطقة ككل.

مرور آمن لروسيا والصين

وزارة التجارة الصينية دعت جميع الأطراف إلى “استعادة سلامة الممرات المائية في البحر الأحمر وضمانها”. ورداً على ذلك، تعهد المسؤول “الحوثي” محمد البخيتي بمرور “السفن الروسية والصينية” بشكل آمن في البحر الأحمر. مشدداً على أن الممر آمن للسفن غير المرتبطة بإسرائيل.

بجانب ذلك، طلبت بكين من طهران المساعدة في كبح جماح الهجمات التي يشنها “الحوثيين” المدعومين من إيران على سفن في البحر الأحمر أو المخاطرة بالإضرار بالعلاقات التجارية مع بكين. “إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسيؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران. لذا قل للحوثيين أن يتحلوا بضبط النفس”، قال مسؤول صيني لنظيره الإيراني.

“وفقاً لمعرفتي بجماعة الحوثي لن يتوقفوا عن الهجمات”، قال أستاذ التخطيط الاستراتيجي واقتصاديات التعليم المساعد بجامعة تعز، الدكتور رشاد سعيد مجلي لـ “الحل نت”، مضيفاً، هم يعلنون أنهم يستهدفون الدول المعادية فقط، أو الدول التي تدعم إسرائيل. وللتوقف عن هذه الهجمات، لابد من ضغوط إيرانية على “الحوثي”، أو اتفاق بين ما يسمونه محور المقاومة، للضغط على “الجماعة” لإيقاف الهجمات، نظراً لوجود تنسيق مشترك بين إيران و”حزب الله” في لبنان و”الحوثي” في اليمن. لذا، المطالبة الصينية لن تجدي نفعاً، لاسيما وأن “الحوثي” لا يستهدف السفن الصينية، إلا إذا حصلت أخطاء غير مقصودة.

معظم السفن الصينية لم تتأثر بالهجمات بشكل مباشر، نتيجة تغيير مسار عبور بعضها إلى رأس الرجاء الصالح، حسب تشنغ، مشيراً إلى حادثتين تعرضتا فيهما سفينتان صينيتان لهجومين بعد أن ظن المهاجمون أنها سفن تابعة لدول أخرى، حاثاً على إيقاف التصعيد الأخير، كونه سيؤثر على الحياة اليومية والمعيشية لليمنيين، لافتاً إلى أن بلاده لديها تواصل ومحادثات مع كل الأطراف اليمنية، بمن فيهم “الحوثيين”، الذين طالبهم بنسيان الخيارات العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات، للتوصل إلى اتفاقية وتسوية سياسية بأقرب وقت ممكن.

“الصين مشعل حرائق تحاول لعب دور رجل الإطفاء”، قالت الخبيرة الأميركية بالشؤون الدولية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، لـ “الحل نت”، مشيرةً لمناشدة واشنطن والرياض بكين للضغط على إيران و”الحوثيين” لوضع حد للهجمات على سفن الشحن، لكن نتيجة لتوافق الصين وطهران و”الحوثي” بتجنب الاستهداف المباشر للسفن الصينية مقابل دعم سياسي ومساعدات أمنية، لم تبذل بكين أي جهد جدي لوضع حد لهذه الأزمة، رغم ادعائها بزيادة تكاليف الشحن. فـ “الحزب الشيوعي الصيني” مستفيد بشكل مباشر من الأزمة، نتيجة تكلفتها العالية على الدول الغربية مقارنةً بالصين، ولإهدار موارد أميركية وبريطانية كبيرة في محاربة “الحوثيين”، مع إهدار ذخيرة ثمينة ومحدودة.

محاصرة “الحزام والطريق”

مع وجود 30 ألف تاجر وطالب يمني في الصين، من الضروري استقرار الوضع اليمني ليكون لها حصة أكبر في الاستثمارات الخاصة بمبادرة “الحزام والطريق” التي استقطبت قرابة تريليون دولار من الاستثمارات في مشاريع مختلفة، مع بناء حوالي 3 آلاف مشروع مختلف حول العالم، حسب تشنغ.

دورية “متابعات إفريقية” الصادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، تؤيد في عددها التاسع والثلاثون، ما ذهب إليه تشنغ، بإشارتها إلى أن هجمات “الحوثيين”، وتصدي واشنطن وحلفائها الغربيين لها، توضح عجز بكين مستقبلاً عن حماية “الحزام والطريق”، وهو ما قد يعرقل دعواتها لعالم متعدد الأقطاب، لأن سيطرة واشنطن، وهيمنتها الكاملة على الممرات الملاحية في الشرق الأوسط، تؤكد أنها لا تزال ممسكة بخيوط القيادة العالمية. 

كذلك، فإن الحضور العسكري الغربي المكثف في البحر الأحمر ينعكس على التنافس الأميركي – الصيني. لاعتقاد الأخيرة أن الأولى تسعى لتأجيج التوترات في هذا البحر، بهدف محاصرة مبادرة “الحزام والطريق”، التي تتخذ من البحر الأحمر نقطة التقاء الممر البري بطريق الحرير البحري. إضافة للتضييق على قاعدتها العسكرية الوحيدة في الخارج، في جيبوتي.

هجوم حوثي على سفينة غالاكسي – (رويترز)

إذا أرادت الصين فعلاً وقف الهجمات في البحر الأحمر، يمكنها ذلك عبر مصالحة حقيقية بين السعودية وإيران. ومن ثم الدفع لتحقيق مصالحة بين الرياض و”الحوثي” والأخير مع الشرعية في اليمن، حسب مجلي، فما لم يتحقق السلام في اليمن، سيظل العالم متضرراً من هجمات “الحوثي”. ودون ذلك، لن تتمكن الصين من المطالبة المباشرة بوقف “الحوثي” لهجماته في البحر الأحمر. 

إلى ذلك، أشار تشنغ بقوله، إن بلاده تدعم مصالحة بين إيران والسعودية لأن تستعيدا علاقاتهما الدبلوماسية، وهذا ما ينعكس بشكل إيجابي على الملف اليمني، مشيراً إلى أن ذلك من بين أحد المسارات التي تدعم بها بكين جهود السلام في اليمن.

فالمواقف الصينية في اليمن تتبنى استراتيجية معروفة لتحقيق التوازن بين مصالحها مع السعودية وإيران على حد سواء، بحسب تقرير آخر لمركز الملك فيصل. لافتاً لدعم الصين عام 2015 قرار الأمم المتحدة رقم 2201، الذي شجب أعمال “الحوثيين”، إضافة لالتزامها الصمت حيال عملية “عاصفة الحزم”، ما يشير لأهمية متزايدة لدول الخليج، خصوصاً السعودية، في حسابات بكين الإستراتيجية.

كما علّق متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على الخطوة “الحوثية” بتشكيل حكومة أحادية الجانب عام 2016، بالقول، إن الصينيين “لا يوافقون على أي خطوات أحادية الجانب تتخذها أي جهة في اليمن”، لأنها لن تكون “مفيدة في أي قرار سياسي”. ما رآه البعض موقف صيني يميل إلى الرياض، بعد إعلان الجانبين تأسيس شراكة استراتيجية شاملة بينهما مطلع 2016. بالإضافة لتأكيدهما دعم حكومة الشرعية في اليمن، في إشارة لتوافقهما المتزايد تجاه القضية اليمنية.

من الواضح أن الصين منخرطة في الحوار الثقافي والاجتماعي السياسي مع الدبلوماسية الشعبية في أجزاء مختلفة من اليمن، بما في ذلك “مركز صنعاء”، في محاولة لتوفير عمق استراتيجي للتواجد في تلك المناطق، عبر استخدام مشاركتها الإعلامية كأداة للقوة الناعمة لتعزيز العلاقات. واللافت، أنه رغم أيديولوجيا الصين “الشيوعية”، تحرص بكين على التعامل مع “حزب الإصلاح”، فرع “الإخوان المسلمين” في اليمن، وكذلك مع “الحوثيين”، بل وتستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي، من خلال مناشدة الروابط الاشتراكية السابقة باعتبارها حلاً للصراع. “وعلى عكس واشنطن، فإنها تتعامل مع العديد من الفصائل المختلفة”، ختمت تسوكرمان حديثها لـ “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات