في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تهدد الاجتماع “الرباعي” المقرر عقده في 21 حزيران/يونيو الجاري بين تركيا وروسيا وإيران وسوريا، تتجاهل بعض الأطراف الدولية عدم إقامة أي علاقات مع سوريا في الوقت الحالي، تحت بند أن تحقيق تقدم في العملية السياسية هو الشرط الأساسي لأي تواصل مع دمشق، وهو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يضمن مستقبلا أفضل للمنطقة ويحقق تطلعات الشعوب.

إعادة سوريا إلى “الجامعة العربية” وإعلان روسيا عن “خارطة طريق” جاهزة لـ “التطبيع” مع تركيا قد يعتبران خطوات إيجابية في الظاهر، ولكن الأهداف والنجاح وراء هذه الخطوات قد تحتاج إلى تمحيص وتحليل، فقد ظهرت أدلة واضحة على استمرار الانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، وعلى عدم وجود أي تقدم في العملية السياسية التي تهدف إلى إحلال الاستقرار والسلام في البلاد.

موقف الاتحاد الأوروبي تجدد منذ أيام برفض إعادة العلاقات مع سوريا دون إحراز تقدم في العملية السياسية، فالتّكتل الأوروبي يعتبر أن العلاقات المتجددة مع سوريا يجب أن تتوقف على إحراز تقدم حقيقي في تحقيق السلام والاستقرار وحماية حقوق الإنسان في البلاد.

بالنظر إلى هذه المتغيرات الإقليمية والدولية، تبرز عدة تساؤلات أهمها كيف ستؤثر هذه المتغيرات الجديدة على الاجتماع “الرباعي” المقبل، وما الآثار المتوقعة لـ “خارطة الطريق” التي أعلنتها روسيا، وكيف سيؤثر الانقسام في صفوف المجتمع التركي وانهيار العملة المحلية على موقف أنقرة من سوريا.

الاتحاد الأوروبي يجدد موقفه

مرة أخرى، عاد الاتحاد الأوروبي ليجدّد موقفه برفض إعادة العلاقات مع سوريا، إلا وفق شروط محددة. فقد أكد جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، على أن عودة العلاقات مع سوريا دون إحراز تقدم في العملية السياسية ليس خيارا مطروحا للتكتل.

اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا وتركيا في موسكو - "رويترز"
اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا وتركيا في موسكو – “رويترز”

ليس ذلك فحسب، بل أعلن بوريل أمس الأحد، تأجيل الاجتماع الوزاري الأوروبي العربي السادس الذي كان مقررا عقده خلال الأسبوع الجاري، وذلك بسبب عودة سوريا لـ “الجامعة العربية” التي يعارضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وهذا الإعلان يأتي مع قرب الاجتماع الجديد المقرر بين نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا وإيران.

الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، ذكر أنه بالنسبة إلى الدول الأعضاء، فإن شروط عودة العلاقات مع سوريا باتت بعيدة المنال، حيث بيّن أن دول الاتحاد ستكون مستعدة للمساعدة في إعادة إعمار سوريا فقط عندما تجري عملية انتقال سياسي شاملة وذات مصداقية.

تصريحات بوريل جاءت بعد ساعات من تأكيد المتحدث باسم “الكرملين”، دميتري بيسكوف، بأن روسيا ستواصل بذل الجهود اللازمة لمساعدة سوريا على عودتها الكاملة إلى الأسرة العربية. وبعد أن أشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إلى أن موسكو كانت على اتصال دائم بالعواصم العربية، ودعتها باستمرار لاستئناف علاقاتها مع دمشق.

التصريحات الروسية انطلقت في الوقت الذي لفتت فيه تقارير إلى أن الشرط الأساسي لحكومة دمشق لتحقيق تقدم في مسار “التطبيع” مع أنقرة، هو انسحاب قواتها من الأراضي السورية، إضافة إلى وقف دعم المجموعات العسكرية السورية المعارضة، وهو شرط تقابله أنقرة بالرفض، وتشترط على حكومة دمشق بالمقابل الانضمام إلى مساعيها في القضاء على المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا.

إلا أن موقف حكومة دمشق في عملية التفاوض تغير بشكل كبير منذ بداية مسار “التطبيع”، فقد استطاعت الحكومة تعزيز قوتها ومكتسباتها بعد إعادتها إلى “الجامعة العربية”، ويبدو أن هناك جهودا حثيثة تُبذل لإبعاد سوريا عن تأثير إيران ومواجهة تركيا، التي تعاني من تدهور متكرر لليرة التركية وتصاعد الانقسامات في المجتمع التركي، إضافة إلى تراجع شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان. وبناء على ذلك، فإن الموقف التفاوضي لحكومة دمشق يُظهر تغيرا ملحوظا عن السابق.

الشروط غير محققة حتى الآن؟

تصريحات الأسد الأخيرة وقبلها تصعيده خلال مشاركته في “القمة العربية” المنعقدة بجدة، في 19 من أيار/مايو الماضي، للهجته ضد تركيا، حين هاجم أنقرة دون تسميتها، في معرض حديثه عن مشكلات المنطقة، واستبعاد المتحدث باسم الرئاسة التركية حينها ورئيس الاستخبارات التركية الحالي، إبراهيم قالن، عقد لقاء بين أردوغان والأسد، هو إشارة إلى أن المتغيرات الدولية تعرقل أي نتائج للاجتماع “الرباعي” الذي يتم التحضير له منذ ديسمبر/ كانون الأول 2022.

صورة تعبيرية لطاولة المفاوضات بين سوريا وتركيا - إنترنت
صورة تعبيرية لطاولة المفاوضات بين سوريا وتركيا – إنترنت

الخبير الأذربيجاني في العلاقات الدولية، أديغوزل مامادوف، أوضح لـ”الحل نت”، أن المتغيرات الإقليمية الجديدة قد تؤثر على الاجتماع “الرباعي” المقبل المعني بسوريا على عدة أصعدة والذي سيُعقد في أستانا،. فرغم عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” إلا أن التصريحات الأوروبية والأميركية قد تؤدي إلى تغيير في ديناميكية الاجتماع وعلى موقف الدول الأعضاء في الرباعي تجاه سوريا وتوجهاتهم المستقبلية، وقد يزيد من تعقيد الأوضاع.

بحسب حديث مامادوف، فإن إعادة سوريا إلى “الجامعة العربية” قد تعني تحسين العلاقات الإقليمية والعربية لسوريا، وقد تعزز مكانة الحكومة السورية وتعيد لها بعض الشرعية في المجتمع الدولي. ومع ذلك، قد تواجه سوريا تحديات جديدة، مثل توجهات بعض الدول العربية وأيضا تركيا نظرا لموقف الاتحاد الأوروبي التي تتطلع لأن تكون عضوا فيه، وقد تؤدي هذه التغيرات إلى تعقيد المشهد الإقليمي والتأثير على الاجتماع “الرباعي”.

إعادة انتخاب أردوغان رئيسًا لتركيا قد يؤثر على موقف أنقرة من سوريا وعلى الاجتماع الذي ترعاه روسيا، حيث قد تؤثر تزايد الانتقادات المحلية والدولية لأردوغان والتحديات الاقتصادية في البلاد على توجهاتها في الأزمة السورية، طبقا لما يراه مامادوف كون هذه العلاقات تتأثر بالتحولات الداخلية والخارجية.

“خارطة الطريق” التي أعلنتها روسيا لـ “التطبيع” بين البلدين إذا تم قبولها فقد يحدث تغيير في توزيع القوى والتحالفات داخل سوريا ولكنها لن تحدث تغيير خارجي بالعلاقات الدبلوماسية وفق ما يعتقده خبير العلاقات الدولية، إذ إن مواقف الأطراف المعنية في الاجتماع “الرباعي” معنية بتطبيق هذه الخارطة التي تشوبها الكثير من العوائق والشروط غير المتفق عليها من قبل الطرفين.

بعد عدة اجتماعات بين الطرفين رعتها موسكو، ظهرت “خارطة الطريق” الروسية لإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا في الأخبار مؤخرا، وهناك الكثير من التكهنات حول نجاحها، إذ إن الخارطة هي مشروع اقتراح أعدته موسكو، ويهدف إلى التقريب بين البلدين وإنهاء الصراع المستمر بينهما. حيث كشف عن الاقتراح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الخميس الفائت، مشيرا إلى أن الخطوة التالية هي مناقشة المسودة مع من قالوا إنهم شركاء، ثم إحراز تقدم في هذا الصدد.

رهانات فلاديمير بوتين تواجه الخسارة

مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” باتت واضحة؛ خصوصا أن التصريحات جاءت بعد احتضان بروكسل مؤتمرا لدعم سوريا في دورته السابعة، بمشاركة دول أوروبية، ودول الجوار السوري، وممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، خلال يومي الأربعاء والخميس الفائتين.

معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، رئيس الوفد السوري في الاجتماع الرباعي - إنترنت
معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، رئيس الوفد السوري في الاجتماع الرباعي – إنترنت

إذا استمر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في رفض إعادة العلاقات مع سوريا دون تحقيق تقدم في العملية السياسية، يعتقد مامادوف أنه قد يزيد ذلك من تعقيد الاجتماع الرباعي ويقيّد فرص التوصل إلى حل سياسي بين أنقرة ودمشق، وبين تطلعات الرئاسة الروسية والإيرانية على حد سواء.

أيضا استراتيجية حكومة دمشق في “التطبيع” مع أنقرة قد تتأثر بالموقف الأوروبي الرافض لإعادة العلاقات مع سوريا. فإذا استمرت العقوبات الأوروبية والموقف السلبي تجاه حكومة دمشق، فقد يصعب على سوريا وتركيا تحقيق التقدم في مسار “التطبيع” وتخفيف التوترات بينهما.

بدوره يرى الخبير في العلاقات الدولية، أن روسيا قد تستمر في دعم سوريا وتسعى لعودتها الكاملة إلى الأسرة العربية، ولكن نجاحها بتعزيز تأثيرها في المنطقة وتحقيق تقدم في إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي موضع شك، إذ يواجه هذا التحرك تحديات ومعارضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول العربية الأخرى التي لا تؤيد عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” بشكل سريع أو دون تحقيق تقدم في العملية السياسية.

كان هناك توجه عربي نحو ثلاثة محاور، أبرزها إعادة اللاجئين إلى سوريا ودعم دمشق بالإضافة للحصول على قسم من المساعدات المخصصة للاجئين السوريين. فلبنان على لسان وزير خارجيته عبدالله بو حبيب، طالب زيادة دعم المؤسسات الحكومية والمجتمع المضيف، ولم يترك ارتياحا لدى الوفود الأوروبية التي تعارض أي تنسيق بين لبنان وسوريا لحلّ أزمة اللاجئين، بل أكد على تنفيذ وزير المهجرين عصام شرف الدين لدمشق خلال الأيام المقبلة، من أجل التحضير لزيارة اللجنة الوزارية الموسعة المكلفة من مجلس الوزراء بتنفيذ خطّة إعادة حوالي 180 ألف سوري.

بدوره الأردن الذي كان عرّاب عودة دمشق نحو الدول العربية، أكد أن مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم، ما يستوجب الاستثمار في هذا المستقبل في سوريا، وبناء البنية التحتية، وتخصيص صندوق لإعادة الإعمار، بسبب تراجع الدعم الدولي للمملكة من حوالي 70 بالمئة في عام 2016 إلى حوالي 33 بالمئة العام الماضي، وتوقفت عند حوالي 6.8 بالمئة عام 2023.

إلا أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى شروط العودة الطوعية للاجئين السوريين بأهمية كبيرة. ويؤكد الاتحاد على ضرورة عودة اللاجئين بطريقة طوعية وبأمان وكرامة إلى مناطقهم في سوريا. ومع ذلك، هناك تقييم مشترك بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أظهر أن الظروف الحالية في سوريا غير مناسبة للعودة الآمنة، مما يعني أن هناك تحديات تعيق عملية العودة.

المكتب الإعلامي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أكد في تصريح سابق لـ”الحل نت”، أن موقف الاتحاد الأوروبي من “التطبيع” مع دمشق هو عدم اختيار مسار “التطبيع” في الوقت الحالي. حيث يعبّر الاتحاد عن تحفظه تجاه “التطبيع” مع الحكومة السورية ويرى أنه قد يؤدي إلى إبعاد إمكانية تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الذي يهدف إلى حل الأزمة السورية.

بالنظر إلى هذه المتغيرات الإقليمية والدولية، يتبين أن أنقرة قد تتبنى أنه من الضروري عدم إقامة أي علاقات مع دمشق في الوقت الحالي، وتطالب بتطبيق بيانات الاتحاد الأوروبي الذي لن تنسلخ عنه، عبر وضع شرط لإقامة علاقات مع الحكومة السورية يجب أن يتم على أساس تقدم حقيقي في العملية السياسية وتحقيق العدالة والمصالحة، وإلا فإن ذلك قد يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي والدولي الذي لن تجازف في معارضته؛ خصوصا أن البلاد تشهد تخبطا سياسيا واقتصاديا ولا توجد أي ملامح إيجابية في الأفق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3.5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة