بمرور الوقت تتزايد الأزمة الإنسانية في سوريا، مع تفاقم الصراع وتداعياته الضارة على الشعب واللاجئين السوريين. ووسط هذه الكارثة الإنسانية، قدمت الأردن اقتراحا جديدا لإنشاء صندوق إعادة إعمار بهدف توفير بيئة آمنة تسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بصورة طوعية وكريمة. 

في رده على الاقتراح الأردني، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيدرسه بجدية، مؤكدا على وجود حاجة ماسة للتدخل العاجل لتخفيف معاناة اللاجئين وتوفير حلول للأزمة الإنسانية المتفاقمة. ومن المتوقع أن تكون هذه الخطوة الأردنية نقطة تحول هامة في الجهود الدولية لمساعدة السوريين وإعادة بناء بنيتهم التحتية المتضررة.

الدول العربية التي أعادت علاقتها مع دمشق مؤخرا، ترى أن إنشاء صندوق إعادة إعمار سيكون له تأثير إيجابي على العديد من الجوانب الحياتية في سوريا. فبالإضافة إلى إعادة البنية التحتية المتهالكة، سيتم توفير الدعم والمساعدة اللازمة لإعادة بناء المدارس والمستشفيات والمرافق العامة الأخرى. كما ستسهم هذه الجهود في إعادة الحياة إلى الأحياء المتضررة وتعزيز التنمية المستدامة.

مع ذلك، ترى الدول الغربية أنه يجب التعامل مع هذا الاقتراح بحذر، حيث تتواجد عدة تحديات قوية تعيق عملية إعادة الإعمار. على سبيل المثال، لا يزال هناك عراقيل سياسية وأمنية تهدد استقرار البلاد وتحول دون تنفيذ الخطط الإنمائية بشكل كامل. كما تشكل الانقسامات الطائفية والصراعات المستمرة عقبة أمام التعاون الشامل وتحقيق الاستقرار السياسي اللازم للمسار الإعماري.

الظروف غير متاحة

من المفترض أن من سيستفيد من صندوق إعادة إعمار المقترح من الأردن جميع الأطراف المعنية في الأزمة السورية، بما في ذلك اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف قاسية في مخيمات اللجوء، والمجتمعات المحلية في المناطق المضيفة، والأمم المتحدة والجهات الإنسانية الأخرى التي تعمل على تقديم المساعدة.

الجلسة الافتتاحية لمؤتمر بروكسل بنسخته السابعة من أجل سوريا - إنترنت
الجلسة الافتتاحية لمؤتمر بروكسل بنسخته السابعة من أجل سوريا – إنترنت

إلا أن سياسة دمشق والتي خلال الفترة الماضية لم تلتزم حتى إعلاميا بما صدر عن اجتماع عمّان التشاوري الذي كان بوابة لعودة الحكومة السورية إلى “الجامعة العربية” واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد خلال عقد “القمة العربية” في جدة الشهر الفائت، ينظر لها بأنها المستفيد الوحيد من هذا الصندوق، بينما لن يحدث تغيير على أرض الواقع.

فمع احتضان بروكسل مؤتمرا لدعم سوريا في دورته السابعة، بمشاركة دول أوروبية، ودول الجوار السوري، وممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، خلال يومي الأربعاء والخميس الفائتين، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن الاتحاد لم يكن ليختار مسار “تطبيع” علاقاته مع دمشق مثلما فعلت “الجامعة العربية”. 

بوريل أكد على أنه لا يمكن للأسرة الدولية تجاهل محنة هؤلاء اللاجئين، معتبرا أن الظروف غير متاحة لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا، وأكد أن الاتحاد “لن يتراجع عن دعم الشعب السوري”.

ممثل الاتحاد الأوروبي، صرح بأن دول الاتحاد الأوروبي لم تكن ترغب في “تطبيع” العلاقات بين “الجامعة العربية” ودمشق في الشهر الماضي. إذ تعبّر دول الاتحاد عن قلقها من أن هذا “التطبيع” قد يعرقل تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 الذي يهدف إلى إيجاد حل للأزمة السورية.

في المقابل، كان هناك توجه عربي نحو ثلاثة محاور، أبرزها إعادة اللاجئين إلى سوريا ودعم دمشق بالإضافة للحصول على قسم من المساعدات المخصصة للاجئين السوريين. فلبنان على لسان وزير خارجيته عبدالله بو حبيب، طالب زيادة دعم المؤسسات الحكومية والمجتمع المضيف، ولم يترك ارتياحا لدى الوفود الأوروبية التي تعارض أي تنسيق بين لبنان وسوريا لحلّ أزمة اللاجئين، بل أكد على تنفيذ وزير المهجرين عصام شرف الدين لدمشق خلال الأيام المقبلة، من أجل التحضير لزيارة اللجنة الوزارية الموسعة المكلفة من مجلس الوزراء بتنفيذ خطّة إعادة حوالي 180 ألف سوري.

بدوره الأردن الذي كان عرّاب عودة دمشق نحو الدول العربية، أكد أن مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم، ما يستوجب الاستثمار في هذا المستقبل في سوريا، وبناء البنية التحتية، بسبب تراجع الدعم الدولي للمملكة من حوالي 70 بالمئة في عام 2016 إلى حوالي 33 بالمئة العام الماضي، وتوقفت عند حوالي 6.8 بالمئة عام 2023.

مؤتمر “بروكسل 7”.. دعم دمشق أم اللاجئين؟

في ختام مؤتمر بروكسل أعلن الاتحاد الأوروبي، أمس الخميس، جمع مبلغ 9.6 مليارات يورو حوالي 10.3 مليارات دولار،  لدعم الشعب السوري داخل البلاد ودول الجوار وهو ضعف المبلغ الذي جمعه المؤتمر العام الفائت، مع التأكيد على دعم للعملية السياسية التي يقودها المبعوث الخاص للأمم المتحدة.

جلسة استماع في مؤتمر بروكسل بنسخته السابعة من أجل سوريا - إنترنت
جلسة استماع في مؤتمر بروكسل بنسخته السابعة من أجل سوريا – إنترنت

الولايات المتحدة بدورها، قدمت مبلغ 920 مليون دولار كمساعدة إنسانية إضافية، ليرتفع إجمالي المساعدات خلال السنة المالية لنحو 1.1 مليار دولار، بمجموع 16.9 مليار دولار منذ عام 2011، وجاء في بيان الخارجية الأميركية أن “إعلان اليوم هو أكبر إعلان عن التمويل الإنساني لسوريا”.

وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، لفت إلى أهمية الدور العربي الذي انطلق بعد اجتماعي جدّة وعمّان للإسهام في جهود التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، وفق منهجية “الخطوة مقابل الخطوة”، وبما ينسجم مع القرار الأممي رقم 2254، وهو المبدأ الذي نفاه الاتفاق عليه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في تصريحات إعلامية بعد عقد “القمة العربية” التي حضرها الأسد في 29 أيار/مايو الفائت، وأعاد رفض تنفيذه المتحدث باسم المصالحة السورية، عمر رحمون، أمس الخميس على حسابه الشخصي في موقع “تويتر”.

الاتحاد الأوروبي ينظر إلى شروط العودة الطوعية للاجئين السوريين بأهمية كبيرة. ويؤكد الاتحاد على ضرورة عودة اللاجئين بطريقة طوعية وبأمان وكرامة إلى مناطقهم في سوريا. ومع ذلك، تقييم مشترك بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أظهر أن الظروف الحالية في سوريا غير مناسبة للعودة الآمنة، مما يعني أن هناك تحديات تعيق عملية العودة.

المكتب الإعلامي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أكد في تصريح لـ”الحل نت”، أن موقف الاتحاد الأوروبي من “التطبيع” مع دمشق هو عدم اختيار مسار “التطبيع” في الوقت الحالي. حيث يعبر الاتحاد عن تحفظه تجاه “التطبيع” مع الحكومة السورية ويرى أنه قد يؤدي إلى إبعاد إمكانية تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الذي يهدف إلى حل الأزمة السورية.

طبقا لتصريح المكتب الإعلامي، فإن المستفيد من المقترح الأردني هي الحكومة السورية، لا سيما وأن الحل السياسي لم ينفذ حتى الآن وترفض دمشق في ذات الوقت الانخراط بعملية سياسية جدّية، لذا من وجهة نظر أعضاء الاتحاد الأوروبي هو تنفيذ المبادرة العربية المقترحة، ثم يصار إلى عملية إعادة الإعمار.

وفق ما يراه الاتحاد الأوروبي، بحسب ما وصل لـ “الحل نت”، فإن الدول الأعضاء يرون أن هناك تحديات رئيسية تحول دون عودة اللاجئين السوريين بأمان إلى مناطقهم. وتشمل هذه التحديات الظروف الأمنية غير المستقرة في سوريا واستمرار الصراعات والانقسامات واستمرار تواجد الميليشيات الإيرانية، بالإضافة إلى نقص البنية التحتية والخدمات الأساسية في المناطق المتضررة.

هواجس عودة اللاجئين السوريين.. سياسية

القمم والاجتماعات الإقليمية الأخيرة تشدد على أهمية وضع العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم كأولوية قصوى، لكن ملف العودة من منظور الاتحاد الأوروبي مرهون بـشروط الانتقال السياسي، تتوفر فيه شروط بيان جنيف عام 2012، وكذلك ترسيخا لقرار الأمم المتحدة 2254 الذي يقضي بضرورة ضمان مستقبل مستقر لسوريا والمنطقة، من خلال انخراط جميع الأطراف السياسية والاجتماعية السورية بالمفاوضات وإبراز حالة من التفاهم والعيش المشترك بين الجميع.

صورة تذكارية لأعضاء الدول والمنظمات المشاركين في مؤتمر بروكسل بنسخته السابقة من أجل سوريا - إنترنت
صورة تذكارية لأعضاء الدول والمنظمات المشاركين في مؤتمر بروكسل بنسخته السابقة من أجل سوريا – إنترنت

طبقا لما يراه المحلل السياسي، محمد عبيد، فإن هناك مبادرات بديلة لدعم اللاجئين السوريين في البلدان المضيفة لهم، وتشمل هذه المبادرات توفير المساعدة الإنسانية والدعم الاقتصادي والتعليمي والصحي للأفراد اللاجئين، من خلال عمل العديد من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية على تنفيذ هذه المبادرات وتوفير الدعم اللازم للمتضررين.

وبحسب ما تحدث به عبيد لـ”الحل نت”، فإنه من الصعب تقديم تحليلات حاسمة بخصوص تأثير المبادرة الأردنية وحتى العربية على دعم الحكومة السورية، إنما هي حاليا تصب نحو ذلك. ومع ذلك، يجب أن يتم تقييم أي مبادرة من قبل المجتمع الدولي بشكل دقيق لضمان أنها لا تساهم في تعزيز سلطة دمشق التي لم يلتزم بالاتفاقيات الدولية. ويجب أن تتمحور أي مساعدة في إطار قانوني وأخلاقي وتهدف إلى تحقيق العدالة والسلام وحماية حقوق الإنسان للشعب السوري بشكل شامل.

صحيفة “لوموند” الفرنسية وصفت الاقتراح الأردني، بـ”إعادة إعمار سوريا موضوع ابتزاز جديد لبشار الأسد”، حيث قالت إن الرئيس السوري العائد إلى اللعبة الدبلوماسية الإقليمية يحاول استغلال رغبة جيرانه في إعادة إعمار البلاد لصالحه، لا سيما من خلال استغلاله مسألة عودة اللاجئين.

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقول إن أكثر من 14 مليون سوري فروا من منازلهم منذ 2011، ولا يزال نحو 6.8 ملايين من النازحين داخل سوريا التي يعيش فيها كل السكان تقريبا تحت خط الفقر. ويعيش نحو 5.5 ملايين لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.

الشروط التي يطرحها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لعودة اللاجئين لم تتحقق حتى مع الانفتاح السياسي العربي مع دمشق، وطالما لم يتحقق، فعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم محفوفة بمخاطر كثيرة لا تتوفر فيها شروط حقوق الإنسان. وهنا الحديث عن منطلق آخر وهو أنه يجب أن يكون هناك رصد للواقع وهذا ما يعمل عليه الاتحاد الأوروبي مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والتي تقول إن الشروط لم تتحقق لعودة اللاجئين.

الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حسين الوائلي، يرى أن عودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية” هي بمثابة علاقات ثنائية بين دول عربية، ويضيف أن التكتل الأوروبي لا يتدخل بالتفاصيل ولكن موقفه واضح من الأزمة السورية وإقصاء بعض ممثلي الفعاليات السياسية المهمة.

إنشاء صندوق إعادة إعمار سيكون خطوة إيجابية نحو توفير حلول للأزمة الإنسانية السورية وإعادة الأمل والاستقرار إلى المنطقة المنكوبة إذا تحققت الشروط الدولية ونفذتها دمشق فعليا، وإذا حصل ذلك فإن الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي سيلتزم بدعم هذا الاقتراح وتوفير الدعم المالي والفني اللازم لتنفيذه بفاعلية، أما إن لم يحدث ذلك فإن موقف الاتحاد والمجتمع الدولي سيبقى على ما هو عليه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات