العلاقة بين سوريا وتركيا توترت منذ عدة سنوات بسبب الخلافات السياسية والصراعات العسكرية، كان الصراع في سوريا مصدرا رئيسيا للتوتر بين البلدين، حيث تدعم أنقرة قوات المعارضة بينما تحظى دمشق بدعم عسكري وسياسي من موسكو وإيران.

بعد عدة اجتماعات بين الطرفين رعتها موسكو، ظهرت “خارطة الطريق” الروسية لإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا في الأخبار مؤخرا، وهناك الكثير من التكهنات حول نجاحها، إذ إن الخارطة هي مشروع اقتراح أعدته موسكو، ويهدف إلى التقريب بين البلدين وإنهاء الصراع المستمر بينهما. حيث كشف عن الاقتراح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، مشيرا إلى أن الخطوة التالية هي مناقشة المسودة مع من قالوا إنهم شركاء، ثم إحراز تقدم في هذا الصدد.

حقيقة أن روسيا اتخذت زمام المبادرة لإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا هو موضع جدل وشكوك، خصوصا أن الطرفين لم يصلا إلى أرضية مشتركة للاتفاق، لذا تبرز عدة تساؤلات منها ما الهدف من مشروع “خارطة الطريق” الذي اقترحته روسيا، وما التحديات أو العقبات المحتملة التي يمكن أن تعرقل نجاح “خارطة الطريق”، وكيف تتوافق الخارطة المقترحة مع مصالح وأولويات سوريا وتركيا والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى المعنية.

أستانا أرض لمناقشة خارطة روسيا

أمس الأربعاء، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن لقاءً سيُعقد في 21 من حزيران/يونيو الحالي بمدينة أستانا بين نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران ودمشق، وأكد بوغدانوف أن “خارطة الطريق” الروسية جاهزة للمناقشة مع الشركاء والمضي قدما في هذا السياق.

وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا وإيران في موسكو - "رويترز"
وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا وإيران في موسكو – “رويترز”

ووفقا لتصريحات وكالة “سبوتنيك” الروسية، قال نائب وزير الخارجية الروسي إن وفدا روسيا كبيرا سيتوجه إلى عاصمة كازاخستان لعقد الاجتماع بين نواب وزراء خارجية الدول الأربعة.

هذه التصريحات تأتي بعدما أشار السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، إلى التحديات التي تنتظر هذا الملف. وصرح السفير الروسي في 12 من حزيران/يونيو الجاري، لصحيفة “الوطن” المحلية، بأن استعادة ما دُمّر خلال 12 عاما من الصعب تحقيقه في غضون أسابيع أو أشهر قليلة، مؤكدا أن مواقف الطرفين لا تزال بعيدة عن بعضها البعض.

أما فيما يتعلق بـ “خارطة الطريق” الروسية التي تم الاتفاق عليها في اجتماع وزراء الخارجية للدول الأربعة بموسكو في 10 من أيار/مايو الفائت، قال يفيموف إنه يتم حاليا وضع مسودتها، ومن المقرر أن يتم إجراء المناقشة الأولى للنص في وقت قريب.

في السياق ذاته، وخلال استقبال الرئيس السوري بشار الأسد، كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، الاثنين الفائت في دمشق، تم التأكيد على أهمية التنسيق في المرحلة المقبلة، ولا سيما فيما يتعلق بالاجتماعات الرباعية ومسار أستانا.

الأسد بدوره شدد على ضرورة وضع استراتيجية مشتركة تحدد الأسس وتوضح العناوين والأهداف التي ستقوم المفاوضات القادمة عليها، بما في ذلك انسحاب تركيا من سوريا ومكافحة الإرهاب وغيرها، مع الحاجة إلى وضع جدول زمني وآليات تنفيذ هذه العناوين بالتعاون مع موسكو وطهران. من جانبه، أشار خاجي إلى صوابية الرؤية السورية بشأن الملفات المختلفة التي تجري المفاوضات حولها.

تصريحات الأسد الأخيرة وقبلها تصعيده خلال مشاركته في “القمة العربية” المنعقدة بجدة، في 19 من أيار/مايو الماضي، لهجته ضد تركيا، حين هاجم أنقرة دون تسميتها، في معرض حديثه عن مشكلات المنطقة، واستبعاد المتحدث باسم الرئاسة التركية حينها ورئيس الاستخبارات التركية الحالي، إبراهيم قالن، عقد لقاء بين أردوغان والأسد، هو إشارة إلى أن الرؤية الروسية لن يكتب لها النجاح على المدى القريب تحديدا.

تفعيل استراتيجية غير مشتركة

هناك مخاوف بشأن استعداد كل من سوريا وتركيا للانخراط في حوار هادف، لقد تميّز النزاع بسلسلة من الخلافات والاتهامات بين الطرفين، وقد يستغرق الأمر وقتا حتى يثق الطرفان في بعضهما البعض بما يكفي للتفاوض بحسن نية.

معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان يبحث مسألة مشاركة سوريا في اللقاء الرباعي - إنترنت
معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان يبحث مسألة مشاركة سوريا في اللقاء الرباعي – إنترنت

الخبير السياسي التركي، محمد أمين أوغلو، أوضح في حديثه لـ”الحل نت”، أن الهدف من مشروع خريطة الطريق الذي اقترحته روسيا هو تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، إذ تسعى موسكو إلى التقريب بين البلدين وإنهاء الصراع المستمر بينهما، وقد تشمل المكونات أو الأهداف الرئيسية لـ”خارطة الطريق” الروسية المقترحة أربعة محاور.

طبقا لما اطلع عليه أمين أوغلو، فإن إقامة حوار دبلوماسي أبرز أهداف الخطة الروسية، من خلال تسهيل المحادثات والمفاوضات الدبلوماسية بين سوريا وتركيا، وتشجيع الحوار لمعالجة الخلافات وإيجاد أرضية مشتركة.

ثم ينطلق الأمر نحو إجراءات بناء الثقة وتخفيف التوترات بين البلدين، وعليه سيكون المحور الثالث هو التعاون الأمني الحدودي الذي يعد الأساس المكون لـ”خارطة الطريق”، مع التركيز على تدابير معالجة المخاوف الأمنية ومنع النزاعات عبر الحدود.

أما المحور الرابع والذي يؤيده الروس والإيرانيين بشدة، ينص على تفعيل التعاون الاقتصادي بين سوريا وتركيا، وتعزيز التجارة والاستثمار ومشاريع التنمية المشتركة.

روسيا تتصور إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا من خلال “خارطة الطريق” هذه بحسب أمين أوغلو، من خلال توفير إطار للحوار وبناء الثقة والتعاون. حيث ستسهل الخارطة المناقشات بين الطرفين، مما يسمح لهما بمعالجة مظالمهما وحل النزاعات والعمل نحو تطبيع العلاقة، وعلى مدى طويل وليس بشكل مستعجل.

قدرة روسيا على العمل كوسيط مزعزعة

التحديات أو العقبات المحتملة التي يمكن أن تعرقل “خارطة الطريق” طويلة ولا حصر لها، إذ بحسب أمين أوغلو الصراعات بين البلدين عميقة الجذور، إذ كانت سوريا وتركيا على طرفي نقيض في الصراع السوري، تدعمان فصائل مختلفة ولديهما مصالح استراتيجية متباينة، وقد يكون التغلب على هذه الصراعات العميقة وإيجاد أرضية مشتركة أمرا صعبا.

الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة للعاصمة موسكو - إنترنت
الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة للعاصمة موسكو – إنترنت

أيضا التنافس الجيوسياسي سببا آخر لعدم نجاح خطة موسكو ومن خلفها طهران، إذ قد يؤدي انخراط مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين في سوريا، ولكل منهم مصالحه الخاصة وتحالفاته، إلى تعقيد تنفيذ “خارطة الطريق”، فالأجندات المختلفة والتنافس بين هذه الجهات الفاعلة قد يعيق التقدم، وهنا الإشارة لإيران ووكلائها وموسكو وأذرعها أيضا.

علاوة على ذلك، فإن انعدام الثقة بين سوريا وتركيا، الناجم عن سنوات من الصراع والخلافات السياسية، يشكل تحديا كبيرا أمام التنفيذ الناجح لـ “خارطة الطريق”، إن إعادة بناء الثقة تبعا لتصورات أمين أوغلو يحتاج إلى سنوات.

فضلا عن أن المعارضة الداخلية السياسية داخل سوريا وتركيا، وكذلك معارضة الجهات الإقليمية الفاعلة، يمكن أن تشكل عقبات أمام تنفيذ “خارطة الطريق”، فعلى سبيل المثال قد تؤدي مقاومة أصحاب المصلحة المحليين مثل الفصائل التي تدعمها أنقرة الذين لديهم آراء أو مصالح مختلفة إلى تقويض التقدم.

التوافق على “الخارطة” الروسية المقترحة يخضع لمصالح وأولويات سوريا وتركيا والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى ذات الصلة وللتفسير والتفاوض. فبينما اتخذت روسيا المبادرة لاقتراح “الخارطة”، فإن توافقها مع مصالح الأطراف المعنية سيعتمد على الشروط والتنازلات المحددة الموضحة في المسودة. 

من المرجح طبقا لما يعتقد أمين أوغلو، أن تشمل مصالح سوريا الحفاظ على وحدة الأراضي والسيادة، بينما قد تعطي تركيا الأولوية لأمن الحدود ومعالجة قضية اللاجئين. وقد يكون للجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى اهتماماتها ومصالحها الخاصة، والتي يجب أن تؤخذ في الاعتبار حتى تنجح “خارطة الطريق”.

في الأسبوع الأول من أيار/مايو الفائت، المفاوضات الفنية، هي ما خلُص إليها المجتمعون، خصوصا أن هذا اللقاء يأتي تتويجا لما جرى قبله من عدة لقاءات على مستوى وزراء الدفاع ونواب وزراء الخارجية سابقا، ففي  28 ديسمبر/ كانون الأول 2022 التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو بأول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع.

أيضا في الثالث من أبريل/نيسان 2023، جرى اجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسوريا وتركيا، وفي 25 أبريل/نيسان 2023 جرى اجتماع بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران وسوريا.

إذا تحققت التطورات الجوهرية وأتت الاتصالات الدبلوماسية بنتائج إيجابية في تسوية رسمية، فإن هذا التحول في الأحداث يعتبر دراماتيكيا. فبالنسبة لتركيا، لا يزال غير واضح ما إذا كانت مطالبها بعملية عسكرية ستحظى بقبول دمشق وروسيا، التي تتوسط في محاولة للوصول إلى حل سلمي. أيضا من المعروف أن روسيا تهتم بتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية، وقد تكون “الخارطة” عبارة عن رد فعل على الانتقادات الدولية اللاذعة الموجهة إليها بسبب سلوكها العسكري في أوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة