يبدو أن مسألة جمع الأوراق وحرقها في لقاء واحد لا علاقة لها بالتطورات السياسية لسوريا. ومع ذلك، يمكن أن يكون للاجتماع الرباعي الذي عُقد في موسكو أمس الأربعاء، بين وزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا وإيران تداعيات كبيرة على ميزان القوى في المنطقة عموما وشمال سوريا خصوصا.

إحدى النتائج الرئيسية للاجتماع كانت الاتفاق على إعداد خارطة طريق لتطوير العلاقات بين دمشق وأنقرة، مما قد يؤدي إلى تحسين العلاقات بين البلدين، وقد يكون لذلك تداعيات على الوضع في شمال سوريا، حيث شاركت تركيا في عدة حملات عسكرية وأنشأت قواعد عديدة ودعمت جماعات عسكرية منها “الجيش الوطني” المعارض.

مع دخول الصراع في سوريا عامه الثالث عشر، يبدو أن ميزان القوى في الشمال على وشك التحول مرة أخرى، فالمحادثات التي تجري في موسكو شكلت اختراقا كبيرا في جلوس الأتراك مع الحكومة السورية، لكن ما الذي سيتغير في منطقة شمال سوريا بعد طلب دمشق رسميا بانسحاب القوات التركية، هل ستعود المياه إلى مجاريها مع تركيا، خصوصا بعد توجيه الملك السعودي دعوة إلى الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية في الرياض في التاسع عشر من هذا الشهر.

خارطة طريق جديدة؟

ضمن بيان ختام الاجتماع الوزاري الرباعي في العاصمة الروسية، ذكر المشاركون في الاجتماع أنهم اتفقوا على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خارطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسوريا، بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع، حيث أكدوا أن الأجواء الإيجابية والبناءة سادت بعد تبادل وجهات النظر.

وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران ودمشق في العاصمة الروسية موسكو - إنترنت
وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران ودمشق في العاصمة الروسية موسكو – إنترنت

المفاوضات الفنية، هي ما خلُص إليها المجتمعون، خصوصا أن هذا اللقاء يأتي تتويجا لما جرى قبله من عدة لقاءات على مستوى وزراء الدفاع ونواب وزراء الخارجية سابقا، ففي  28 ديسمبر/ كانون الأول 2022 التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو بأول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع.

أيضا في الثالث من أبريل/نيسان 2023، جرى اجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسوريا وتركيا، وفي 25 أبريل/نيسان 2023 جرى اجتماع بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران وسوريا.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أبدى هدف بلاده بشكل رسمي من هذه اللقاءات، حيث قال بأنهم يسعون إلى تطبيع العلاقة بين دمشق وأنقرة، من أجل استعادة الحكومة السورية السيطرة على كامل أراضي البلاد، ولتضمن أمن الحدود مع تركيا، والتي يبلغ طولها 900 كيلومتر، وهي مناطق تنتشر في نصفها قواعد عسكرية تركية.

الوزير الروسي لم يخفِ أن أفضل نتيجة لاجتماع الأربعاء، هي الاتفاق على توجيه الخبراء لإعداد مسودة خريطة طريق لتطبيع العلاقات التركية السورية من أجل الاجتماع الوزاري المقبل، لتقديمها بعد ذلك إلى رؤساء الدول المجتمعة، مما يعني أن هناك تغيير في موازين القوى بشمال سوريا وخصوصا غربها.

مستقبل شمال سوريا أمام التغيير

من الصعب التنبؤ بكيفية تغيير ميزان القوى في شمال سوريا في أعقاب اجتماع موسكو والتطورات السياسية الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، من الواضح أن هناك عددا من العوامل التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الوضع على الأرض، خصوصا أن دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية في الرياض سيكون لها تداعيات محتملة على المنطقة.

وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران ودمشق في العاصمة الروسية موسكو - إنترنت
وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران ودمشق في العاصمة الروسية موسكو – إنترنت

الباحث في الشؤون السياسية بسام حاج علي، لم يستبعد خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تُفضي خارطة التطبيع التركية – السورية إلى مصالحة محلية كما حدث في جنوب سوريا، على أن تقدم تركيا جدولا بالفصائل التي تدعمها للانخراط ضمن صفوف الجيش السوري بضمانات روسية، ويجري عمل عسكري مكثف للمناطق التي تستعصي على الحل.

أيضا يرى حاج علي، أنه على الرغم من وصف الاجتماع بأنه “بنّاء”، فإن التفاوت في محتوى البيانات الصادرة عن كلا الطرفين يشير إلى بقاء الحواجز على الشروط المقبولة على أساس المناقشات، وبشكل حاسم حول مسألة الانسحاب التركي والضمانات الأمنية، إذاً من المرحج أن تبقى تركيا داخل هذه المناطق لنهاية العام الجاري على أبعد تقدير.

فترة التقارب الإقليمي مع دمشق تسارعت منذ الشهر الماضي حيث تتطلع الدول العربية إلى اجتماع “جامعة الدول العربية” في أيار/مايو الجاري. ومع بدء الحكومة السورية في التمتع بالشرعية المتزايدة للعلاقات الثنائية المحسّنة، فإن أنقرة بدأت بحسابات حول الحد الأدنى من التنازلات اللازمة للقبول بشأن التطبيع.

هذه الحسابات بحسب حاج علي تندرج من ضمنها المعارضة السياسية، التي ربما تقبل أنقرة بإبقائها داخل تركيا فقط لتشارك في الاجتماعات الدولية، أما على المستوى المحلي فإن خيار بقاء المعارضة في شمال سوريا سيتلاشى مع مرور الوقت، كون اللاعبون الثلاثة إيران وروسيا وسوريا يصرّون على عودة المناطق الحدودية بأكملها لسيطرة الجيش السوري.

تأثير القمّة العربية بحضور سوريا

شمال سوريا بحسب حاج علي، منطقة أقل أهمية نسبيا بالنسبة للمصالح الإسرائيلية، لكن من الواضح أن التطبيع بين دمشق وتركيا سيكون له عواقب بعيدة المدى على نموذج الدولة اللامركزية الذي تم تأسيسه في سوريا في السنوات الأخيرة. ومن المؤكد أنه سيقرب الأسد من تحقيق هدفه المتمثل في استعادة السيطرة على البلد بأكمله وهو تطور سيكون مهما للغاية بالنسبة لمكانة الأسد في سوريا والمنطقة بأكملها.

موسكو تقترح خارطة طريق للمصالحة السورية التركية - إنترنت
موسكو تقترح خارطة طريق للمصالحة السورية التركية – إنترنت

قبول المطالب التركية بمنطقة أمنية على طول الحدود السورية التركية ونشر القوات السورية هناك لن يحدث، إنما يرجح الخبير في الشؤون السياسية أن يكون هناك وجود مشترك للقوات التركية والسورية والروسية على طول الحدود، من أجل الحد من مخاوف الدول المشاركة في الاجتماعات الرباعية التي ترعاها موسكو.

انتهاء مهلة الفتح المؤقت لمعبري الراعي وباب السلامة، والانتخابات التركية، واجتماع “جامعة الدول العربية” في أيار/مايو الجاري، كلها أيضا ستحدد ظروف عمل المنظمات الإنسانية في المستقبل القريب. حيث ستؤثر التحولات الجيوسياسية على أنماط الصراع، واتجاهات النزوح، ونوع الاستجابة المطلوبة والممولة.

إذا كانت التطورات جوهرية وحققت الاتصالات الدبلوماسية ثمارها في تسوية رسمية، فإن هذا التحول في الأحداث لا يقل عن كونه دراماتيكيا. فبالنسبة لتركيا ليس من الواضح ما إذا كانت مطلبها بعملية عسكرية  قد يحظى بقبول دمشق وروسيا، التي تتوسط في محاولة للتوصل إلى حل، مهتمة بتحسين مكانتها الإقليمية والعالمية كرد على الانتقادات الدولية القاسية ضدها بسبب سلوكها العسكري في أوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة