بعيدا عن الإعلام ودون أن يصدر أي تصريحات من الأطراف المشاركة فيه، باستثناء الجانب السوري، انتهى الاجتماع الرباعي “التركي السوري الإيراني الروسي” في موسكو، الثلاثاء الماضي، والذي نظمته الأخيرة لمناقشة ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق خلال الفترة القادمة، حيث جاء التصريح السوري على لسان نائب وزير الخارجية أيمن سوسان، بأن المدخل لإعادة التواصل بين سوريا وتركيا هو انسحاب الأخيرة من الأراضي السورية.

التحليلات ووجهات النظر فيما يخص الاجتماع الرباعي تباينت، وخاصة في ظل الإلحاح الروسي على دمشق من أجل حضور وفدها الاجتماع من دون شروط مُسبقَة، بعد أن كانت ترفض ذلك، والسؤال الأبرز يدور حول الانعطافة المفاجئة لدمشق، ومحاولة أنقرة استعجال المصالحة مع سوريا، ومحاولة طهران أيضا تقريب وجهات النظر بين كلا من أنقرة ودمشق.

لم تتوصل أي اجتماعات أمنية سابقة بين مسؤولين من تركيا وسوريا إلى صيغة لحل القضايا الخلافية ما يتيح الانتقال للمستوى السياسي، وهو ما تأمل موسكو إنجازه خلال هذه الفترة، وكانت روسيا قد استضافت في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، أول محادثات بين وزيري الدفاع التركي والسوري منذ 11 عاما، عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011.

الغاية من الاجتماع

عشية الاجتماع الرباعي أعلنت دمشق، تمسكها بموقفها المعلن لناحية ضرورة، إنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله، حيث تريد ضمانات موثقة تلزم جميع الأطراف بتنفيذها.

إذ يمهد التوصل لمثل هذا الضمانات للخطوة السياسية التالية المتمثلة بلقاء وزراء خارجية الدول الأربع، ورفض الجانب التركي التعهد بالانسحاب من الأراضي السورية، سيعني بالضرورة أن الاجتماع لم يصل إلى نتائج يمكن البناء عليها للتقدم نحو الخطوة السياسية والأمنية التالية، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” السورية.

قد يهمك: الاجتماع الرباعي.. رسالة أميركية أجبرت دمشق على الجلوس مع أنقرة دون شروط؟

من جهته يعتبر الكاتب السياسي باسل معراوي خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن الغاية من الاجتماع الرباعي ليس إصلاح العلاقات بين أنقرة ودمشق؛ بل تأسيس مسار تسوية جديد للحل السوري، فقد بدأت فكرته بالقمة الثلاثية في “أستانا” التي انعقدت بطهران في تموز/يوليو 2022، وذلك بعد الرفض الأميركي لأي عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري.

الروس والإيرانيون، أقنعوا حينها أصدقاءهم الأتراك بعد رفض عمليتهم العسكرية، بالبدء بمسار سياسي جديد يحقق أهداف العملية العسكرية دون خوضها، وجوهره الانفتاح التركي على دمشق، وبالتالي التعاون سويا لمعالجة مخاوف أنقرة، سواء بشأن تسهيل عودة اللاجئين السوريين من تركيا أو التعاون لمحاربة مخططات تقسيم سوري، وفق معراوي.

غياب المعارضة السورية

الاجتماع الرباعي لا يتمتع بأي فرصة حقيقية للنجاح، وفق معراوي مرجعا ذلك إلى أن “الملف السوري ملف دولي يوجد به لاعبون آخرون أقوياء وبإمكانهم التعطيل وأهمهم بالطبع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والذين يرفعون لاءاتهم الثلاث، لا للتطبيع، ولا لإلغاء العقوبات أو تخفيفها، ولا لإعادة الإعمار قبل الدخول في تطبيق الحل السياسي الدولي وفق مفردات القرار 2254”، بحسب تعبيره.

في ظل غياب المعارضة السورية الحليفة لأنقرة أيضا والتي تتمتع باعتراف قانوني،فإن الاجتماع الرباعي ناقصا شكلا وموضوعا، ولاكتمال الصورة والدور والهدف لا بد في الاجتماع القادم أو المدى القريب جعله مسارا خماسيا بانضمام وفد من المعارضة إليه، وبذلك تصبح شروط الحل وأدواته ممكنة.

باسل معراوي لـ”الحل نت”.

المتحدث يرى بأن غياب المعارضة السورية لن يدوم طويلا، لأن جوهر المسار وغاياته في حال كان حقيقيا، يتطلب حضورها إلى جانب وفد دمشق للتوقيع على مخرجات ما يتم التوافق عليه بين الدول الثلاث. في ذات السياق، لم يصدر عن “الائتلاف” السوري المعارض أية تصريحات حول التقارب التركي مع حكومة دمشق، منذ اجتماع وزراء الدفاع في كل من تركيا وسوريا وروسيا في موسكو نهاية العام الماضي.

من جهته يرى المحلل والناقد السياسي مخلص الخطيب خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن التقارب التركي السوري لن يتقدم خطوة واحدة إلى الإمام لأن دمشق لا تقبل بالمصالحة قبل أن تنسحب أنقرة من كامل الأراضي السورية. ويستبعد الخطيب، موافقة الرئيس التركي أردوغان على الانسحاب من الأراضي السورية، حيث يتوقع أن يصل الطرفان إلى حل يرضيهما، وهو ربما الانسحاب من بعض المدن كالباب ومنبج وجرابلس مثلا، لكن أنقرة لن تنسحب من عفرين، بحجة حماية حدودها من أي خطر.

أردوغان ليس له سوى هدف واحد من هذا الاتفاق إن حصل من وجهة نظر الخطيب، وهو الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة لا أكثر. بكل الأحوال هو يستعجل الحَل على طريقتهِ، ودمشق لن تُوَقِّع اتفاقا إلَّا بشروطها مهما كانَ الثمن، في الوقت الذي تحاول فيه كلا من روسيا وإيران إنجاح التقارب من أجل تحقيق مصالحهم ومطامعهم في المنطقة.

نجح الاجتماع جوهريا وفشل شكليا

الاجتماع الرباعي انتهى بدون أن تتفق الأطراف المشاركة على الحدود الدنيا كما أنهم لم يتوصلوا للاتفاق على جدول أعمال، ولم يخف ذلك أيمن سوسان عندما أعلن تكرار شروط دمشق المتمثلة بانسحاب تركي من الأراضي السورية والتوقف عن دعم أنقرة للمعارضة المرتبطة بها، بل كان تصريحه حادا عندما اعتبر تركيا دون تسميتها، بأنها من الدول التي تآمرت على سوريا.

 الجانب التركي، وفق معرواي، حقق ما يريده من الاجتماع حيث كان أول اتصال سياسي بينه وبين دمشق منذ قطع العلاقات بينهما، وأرسل رسالته للجمهور الانتخابي بأنه يسير في العملية وأنها قطعت شوطا للإمام لكن الملفات معقدة جدا إلى جانب تعنت واضح من دمشق. كذلك حقق الطرف الروسي مكاسب بجمع الأطراف في عاصمته، وتصدير ذلك للداخل الروسي والخارج على أن موسكو، لازالت تلك القوة العظمى التي يمكنها جمع الخصوم والمساهمة بالتوسط لحل الخلافات المستعصية بينهم.

اقرأ أيضا: وفود “الاجتماع الرباعي” تصل إلى موسكو.. ما التوقعات؟

الطرف الإيراني استفاد من ناحيته أيضا، بتوجيه رسالة لصديقيه الروسي والتركي بأن قرار الحكومة السورية بيده، وأنه قادر على التعطيل بأي لحظة، وأنه غير مستعجل لتطبيع حقيقي بين أنقرة ودمشق تكون على حساب تقليص دوره في سوريا.

 حيث تملك أنقرة من القوة الناعمة التي تحتاجها دمشق ما لا تملكه طهران، بحسب معراوي، فلا مجال للمفاضلة بين القدرات الاقتصادية الإيرانية والتركية خاصة في مجالات الإنتاج السلعي وشركات المقاولات الكبرى، إضافة لامتلاك أنقرة ودمشق حدودا مشتركة طويلة، ستكون مُيسّرة لأي تقارب وهو ما لا تملكه طهران.

 حكومة دمشق هي الأخرى استفادت أيضا، حيث قدمت نفسها كمنتصرة في الحرب ولاعب أساسي في الملف السوري لا يمكن تخطيه، وأنها هي من تضع السقوف العالية للتفاوض، ولم تخذل أصدقائها من المعارضة التركية بإعاقتها للتفاوض قدر ما تستطيع من منع استثمار الرئيس الحالي المرشح وحزبه الحاكم لتلك الورقة، طبقا لحديث معراوي.

جملة من العقبات

دمشق تحاول استغلال حاجة “حزب العدالة والتنمية” الانتخابية إلى حل بعض القضايا ومنها موضوع اللاجئين، بفرض شروط يصعب على تركيا قبولها، وأهمها وضع جدول زمني للانسحاب التركي من الأراضي السورية، والتخلي عن دعم المعارضة، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل منها إلى الحكومة السورية، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب.

 هذه المطالب وفق دراسة لـ”المركز العربي للأبحاث”، أقرب ما تكون إلى فرض شروط استسلام على تركيا التي لن تتمكن من تنفيذها ما لم تتعهد دمشق بالانخراط في مفاوضات جدية مع المعارضة للوصول إلى تسوية سياسية، وهو أمر لن تقبل به الأخيرة على الأرجح.

عدم وضوح الموقف الأميركي بخصوص أي تقارب بين أنقرة ودمشق، يضاف إلى جملة العقبات آنفة الذكر، فالولايات المتحدة حتى الآن متمسكة بتحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وما لم تصبح جزءا من أي تفاهم بشأن سوريا، فالأرجح أن حكومة دمشق والروس لن يكونوا قادرين على تنفيذ أيّ تعهدات يقطعونها للأتراك بخصوص تحييد “قسد” في مناطق شرق الفرات خصوصا.

خلاصة الاجتماع كانت الفشل في تحقيق أي تقدم، من وجهة نظر الكاتب والصحفي السوري فايز سارة لـ”الحل نت”، ويرى أن هذه النتيجة كانت متوقعة بل ومؤكدة، ومع ذلك فأن كل طرف ذهب للاجتماع من زاويته الاسد ليؤدي ثمن اجتماعه مع أردوغان والأخير ليقول إنه يحقق تقدم نحو هدفه في التطبيع مع الأسد ومسايرة روسيا، والأخيرة لتقول إنها مستمرة في جمع الأطراف، وإيران لتقول إنه لم يتم شيء بدون معرفتها وحضورها، والخلاصة اجتماع فاشل لكنه لا يغلق بوابات الأطراف، وفق تعبيره.

أخيرا، لا تنذر جميع المواقف والأحداث التي ترافقت الاجتماع الرباعي الأخير أن يثمر عن أي شيء سوى تكرار لاجتماعات أخرى شبيهة، وخاصة أن دمشق تُصر على عدم مساعدة أردوغان انتخابيا لعدم ثقتها به في حال كسب الانتخابات، ووفقا لمراقبون تتطلع الحكومة السورية إلى فوز المعارضة التركية ووصولها إلى السطلة لعقد تفاهم معها، وخاصة أن علاقات وثيقة تربطها بأكبر أحزاب المعارضة والمرشح الرئاسي كمال كلجدار أوغلو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة