بينما استقرت عيون الناظرين عند مساحة وعمق الضربة التي وجّهتها إسرائيل نحو الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت مساء أمس الثلاثاء، تم الإعلان بعد ذلك بساعات قليلة نبأ اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بمقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران رفقة أحد حرّاسه وسيم أبو شعبان.
حركة “حماس”، أعلنت اليوم الأربعاء في بيان، أن إسماعيل هنية “قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان”.
وأفاد “الحرس الثوري” الإيراني في بيان: “ندرس أبعاد حادثة مقتل هنية في طهران وسنعلن عن نتائج التحقيق لاحقا”.
داخل غرفة نومه
ثمة مقاربات منطقية في مسار عدد من العمليات الميدانية والنوعية التي تقوم بها إسرائيل خلال الشهور الأخيرة في عدد من مسارح الأحداث التي تعمل من خلالها وهي التحرّك نحو تصفية القيادات النوعية ورؤوس العمل في التنظيمات التي تواجهها سواء في جماعات إيران الولائية وكذا حركة “حماس” وجناحها العسكري بغية الوصول لتغيير معادلة الأمن الجغرافي المحيط بها.
نحو ذلك، نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤول إسرائيلي أن الهدف في بيروت هو فؤاد شكر المسؤول عن جميع العمليات العسكرية لـ”حزب الله”.
وأضاف المسؤول الإسرائيلي، أن شكر المعروف باسم الحاج “محسن” مطلوب من “إف بي آي” لضلوعه في تفجير ثكنة قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983.
هذا وقد ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية أن “التحقيق جارٍ في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وسيتم الإعلان عن النتائج قريبا”.
واعتبر عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، موسى أبو مرزوق، أن “اغتيال هنية عمل جبان ولن يمرّ سدى”. فيما أشارت مصادر إيرانية إلى أن اغتيال هنية في طهران، تم بواسطة صاروخ موّجه ودقيق اخترق غرفة نومه وأصابه بشكل مباشر.
وحسبما ذكر “الحرس الثوري” في بيان، فإن هنية قُتل مع أحد حراسه الشخصيين، وهو ما أكدته وكالة الأنباء الإيرانية التي قالت إن “هنية قضى وأحد حراسه إثر استهداف مقرّ إقامتهم في طهران”.
هنية كان يقيم في مبنى “بايسيج الزهراء”، المعروف أيضًا باسم إسكان المحاربين القدامى شديد الحراسة، والذي يستخدم كسكن مؤقت من قبل “فيلق حماية أنصار المهدي” في مجمع سعد آباد شمال طهران.
حدث ضخم
الخبير المصري في الشأن الإيراني، الدكتور محمد محسن أبو النور، في حديثه عبر صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك”، أشار إلى أن اغتيال إسماعيل هنية في طهران جاء بعد ساعات قليلة من لقائه بالمرشد الإيراني، علي خامنئي والرئيس الإيراني الجديد، وحضوره مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس مسعود بزشكيان.
إن اغتيال هنية لا شك كونه حدث ضخم ستترتب عليه تداعيات متلاحقة في سلسلة الصراع بين إيران وإسرائيل، ويعني أن هناك انكشافا أمنيا عميقا في قلب البلاد، ولو كان اغتيل في أي مكان خارج إيران كان يمكن أن يمرّ مرورا عاديا؛ وعليه سيتعين على إيران أن تردّ على تلك النقلة الإسرائيلية جبريا في قلب تل أبيب، وهي قادرة على ذلك، وإلا تحملت خسارة سياسية هائلة أمام كل شركائها وداعميها داخليا وإقليمياً ودوليا.
تمتد واقعة استهداف إسماعيل هنية نحو مسار تصفية المسؤولين الميدانيين في “حزب الله” وحركة “حماس” منذ اندلاع الصراع العسكري في قطاع غزة بين حركة “حماس” وتل أبيب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وما ترتّب عليه من دخول مجموعات “محور المقاومة” في ما أطلق عليه عمليات “إسناد غزة”.
وتداعيات ذلك آثر مقتل عدد من القادة الميدانيين لتلك الجماعات فضلا عن الشخصيات الوسيطة بين تلك الجماعات مثلما كان الحال مع واقعة اغتيال صالح العاروري في مطلع شهر كانون الثاني/يناير من العام الجاري في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي كانت تعتبره تل أبيب المنسق الرئيس فيما بين “حزب الله” و”حماس”، كما كان يعمل مساعدا لهنية فيما يتعلق بتنسيق التواصل السياسي مع إيران.
“البيت الأبيض”، قال إنه على علم بتلك التقارير التي تتحدث عن اغتيال إسماعيل هنية، فيما رفض الجيش الإسرائيلي التعليق لـ تلفزيون “سي إن إن”، قائلا: “لا نعلق على التقارير الواردة في وسائل الإعلام”.
خامنئي في أدنى مراتبه
ربما دلالة واقعة اغتيال إسماعيل هنية بالغة الحساسية كونها تمثل قيادة حركة “حماس”، ووقوع تلك العملية في إيران مما يعني وقوع الطرفين في خانة ضرورة الرّد على تلك العملية متى ما أضحى المسؤول عن ذلك معلوما باليقين، خاصة مع عدم وجود أي تصريحات رسمية تفيد بمسؤولية الفاعل وهويته.
ثمة من يرى أن عملية استهداف هنية في العاصمة طهران كان أيسر على الفاعل إذ يتحرك هنية بحرية ودون التقيد بتعليمات الأمان والتّخفي الضروريين لحمايته الشخصية، ويذهب آخرون أن قواعد السلامة للشخصيات العامة والمستهدفة تظل حاضرة وفاعلة وأن الثغرة الحقيقية تبدو في انكشاف الواقع الإيراني أمام من يريد خاصة وأن الصاروخ الذي أصاب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” كان بمقرّ إقامته وأصاب جسده بشكل مباشر فضلا عن حارسه ورفيقه الشخصي.
يبدو أن منسوب التوتر الذي ترتفع درجة حرارته لنحو غير مسبوق يسير بخطى متسارعة وتنزلق معه الأقدام بصورة منتظمة وخارج قواعد الاشتباك المؤطرة لمسارات الصراع خلال الشهور الأخيرة مرة مع استهداف العاصمة اللبنانية بيروت مساء أمس وأخرى مع واقعة اغتيال إسماعيل هنية داخل إيران نفسها.
الضربة المزدوجة التي تلقتها طهران في أقل من اثنتي عشرة ساعة تحمل تناقضات وارتباكات عميقة لبيت المرشد ومؤسساته تدفعهم جميعا حتما لدراسة ردود الفعل المناسبة والملائمة لما حدث، سيما وأن ضربة الأمس نتج عنها اغتيال الشخص الأول في التراتبية العسكرية لـ”حزب الله” اللبناني وبعد ذلك بساعات يلحق بها رجل “حماس” الأول في العاصمة طهران وبعد حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. مما يضع سيناريو الرد ودرجة ثقله على المحك فحتمية حدوث ذلك سينتج عنها تداعيات أكبر وأعمق من نطاقات معلومة جغرافياً سواء كان ذلك من خلال إيران نفسها أو وكيلها “حزب الله”، إذ تؤكد طهران غير مرّة أن “أي هجوم على لبنان سيدفع إيران لأن تتدخل”.
كما أن الواقعية السياسية والتزام الكمون الاستراتيجي الهادف لسحب مفاعيل التوتر ونزع شواحنها الثائرة سيضع الولي في أدنى مراتبه ويرفع وتر الصراخ والعويل على الفقد.
إن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان الذي استقبل إسماعيل هنية قبل ساعات قليلة من اغتياله أضحى هو الآخر على المحك في مطلع تجربته الرئاسية، وربما عبر تلك الواقعة سوف يدرك الجميع حقيقة الحدود العلائقية فيما بينه ومؤسسات بيت المرشد وكيف سيصيغ المساحات الضيقة و المرتبكة التي تضمن له عتبة السلامة من تلك الورطة.
إذاً، الوتر مشدود لأقصى حدّ ولم يعد في حاجة سوى لإراحة الأصبع حتى ينطلق لمصيره وحينها قد تبدو الأمور ونتائجها مغايرة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.