بدت لحظة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في إيران، نقطة فاصلة وحدثًا مركزياً، يمكن أن تؤسس عليه عديد الرؤى والتصورات القادمة، لكونه سينتج عنه تفاعلات سياسية ومنافع دبلوماسية وعلاقات تكتيكية، وتطورات ميدانية وصفقات تُعقد هنا وهناك – والحديث هنا عن باكستان.

خلال الأيام الأخيرة وأثناء ترقّب الجميع وجلوسهم أمام شاشات الأخبار، شكل ودرجة الرّد الإيراني وميلشياتها الولائية ردّاً على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة  في الضاحية الجنوبية وطهران، كانت الشخصيات الدبلوماسية والسياسية رفيعة المستوى تحج إلى العاصمة الإيرانية لمناقشة السيناريوهات القادمة والوصول لدرجة من خفض التصعيد فيما بين البلدين. 

غير أن اللافت كانت تلك الدعوة التي تقدمت بها كلٍّ من إيران وباكستان لعقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، في السعودية يوم الأربعاء السابع من شهر آب/أغسطس الجاري، مما يطرح عديد التساؤلات في هذا الشأن. 

فما الذي يجمع إيران وباكستان من الناحية السياسية بحيث يتفقان على الدعوة لعقد اجتماع طارئ والجميع يترقب قوة الرّد الإيراني ومسار ردّ اعتبارات الكرامة المهدرة على جدران معبد “الحرس الثوري”؟ وهل إسلام آباد طلبت عقد الاجتماع الطارئ بناء على توصية من الرياض التي وصلت لدرجة معقولة من التطبيع مع طهران؟ أم أن الولايات المتحدة الأميركية هي من طلبت من باكستان ذلك الأمر في إطار العمل على تسوية هذا الملف دون الخروج عن النص واختراق توازنات الردع واختلال معادلاتها؟

صفقة مريبة

ما يزيد الأمر غرابة هو ما تناقلته بعض وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر غربية قولها إن باكستان في حال تصاعد الصراع  بين إيران وإسرائيل تخطط لتزويد طهران بصواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز “شاهين 3”. 

رئيسي وشريف خلال افتتاح مشروعات اقتصادية على حدود البلدين (الرئاسة الإيرانية)

وتثير تلك التسريبات احتمالات عديدة وسيناريوهات بمدى التوثيق من دقة قيام  باكستان  بتزويد إيران بصواريخ  “شاهين 3″، وذلك لعوامل تتعلق بتناقضات الموقف الدولي صوب العلاقات مع الهند وباكستان، وماهية الوضع في هذه النقاط الجغرافية. 

والأمر الثاني يتعلق بمدى تحسّن العلاقات بين طهران وإسلام آباد والمصالح الثنائية بين الطرفين فيما يتعلق بالحدود المشتركة، فضلاً عن تحسن علاقات إيران والرياض، وإدراك الأخيرة أن هذه الأسلحة في إطار صفقة سياسية تتصل وترتبط بالحفاظ على قواعد الاشتباك الدائرة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة ودخول ميلشيات إيران في الصراع الدائر على محاورها المتعددة، ما يعني أن ذلك التسريب قد يدخل في دائرة الاحتمالات المرجّحة طالما ظل مسار اغتيال إسماعيل هنية قيد الغموض والرّد المتوقع قيد الانتظار.

هذا وقد أفادت منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من السعودية مقرّاً لها، أن الاجتماع في مدينة جدة سيشمل مناقشات حول “جرائم الاحتلال الإسرائيلي” و”اغتيال هنية”، وذكرت وزارة الخارجية الإيرانية في طهران أن إيران طلبت الاجتماع إلى جانب باكستان.

ليلة “يلدا”

كانت إيران وباكستان في منتصف شهر كانون الثاني/يناير من العام الجاري على موعد مع ارتفاع درجة حرارة الأحداث فيما بينهما على خلفية التوتر الحدودي، عندما شنّت إيران هجمات على إقليم بلوشستان في جنوب غربي باكستان مستهدفة ما ادعت إيران أنها مخابئ لجيش “العدل” البلوشية المعارضة لطهران.

كما ردت باكستان بالمثل على الضربة الإيرانية. وشنت غارات جوية على مخابئ للمتشددين المزعومين داخل إيران، في محافظة بلوشستان، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص على الأقل. وقالت إسلام آباد إنها تستهدف الجماعات المسلحة البلوشية ذات الأهداف الانفصالية. 

بيد أن لغة الدبلوماسية فرضت صوتها الهادئ فيما بينهما، لا سيما مع زيارة وزير الخارجية الإيراني لـ باكستان فضلاً عن زيارة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي لـ باكستان خلال الأسبوع الأخير من شهر نيسان/ أبريل من العام الجاري بغية نزع أي أثر لخلافات مطلع العام الجاري، والاتفاق والتوقيع على عدد من وثائق التعاون مع باكستان في مجالات التجارة والصحة والاقتصاد والأمن والقضاء والزراعة.

وقبل مغادرته طهران، قال الرئيس الراحل “رئيسي” للصحفيين، إن حكومته تخطط لزيادة التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين إلى 10 مليارات دولار سنويا. 

“شاهين 3”

خلال عام 2015، أعلن الجيش الباكستاني أنه أجرى  تجربة ناجحة على صاروخ باليستي (أرض – أرض) مطور محلياً  قادر على حمل كافة أنواع الرؤوس الحربية النووية والتقليدية. 

تظاهرة في باكستان للتنديد بالضربة الإيرانية (أ ب)

وكشف بيان صادر عن الإدارة الإعلامية للقوات المسلحة الباكستانية بأن التجربة أجريت على صاروخ “شاهين 3″، وهو من الصواريخ التي تطورها باكستان محلياً، ويبلغ مداه 2750 كيلومتراً. وأضاف أن الصاروخ الذي أطلق نحو هدف في بحر العرب أصاب هدفه بدقة فائقة، وحقق الأهداف المرجوة من التجربة. 

وقال إن هدف التجربة هو التحقّق من جودة التصاميم والمعايير التقنية للصاروخ. ويتبع صاروخ “شاهين 3″، الذي يعمل بالوقود الصلب، منظومة صواريخ “حتف” الباكستانية المحلية الصنع، والتي تضم كذلك سلسلة صواريخ متوسطة وبعيدة المدى.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها باكستان رسميا عن نجاح تجربتها الأولى على هذا الصاروخ. كما تؤكد إسلام آباد أن الهدف من منظومة صواريخ “حتف” توفير الحد الأدنى من قوة الردع. وعادة ما تجري باكستان هذه التجارب الصاروخية لتطوير خصائصها والتيقن من مطابقتها لمعايير الجودة.

غير أنها استطاعت أن تبلور تلك القدرة وتتحرك بمنسوب الضغط عبر آليات القدرة العسكرية. فأمست أدوات تهديد سيما مع التقدم في  برنامجها النووي، وإنتاجها صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية وتزويد ميليشياتها في المنطقة بمختلف الصواريخ، بالإضافة إلى نقل التقنية والخبراء لهم خدمة لحروب بالوكالة.

منعطف خطير

في الوقت الذي تزعم فيه إيران أن قدراتها العسكرية والصاروخية خلافاً مهمتها الحفاظ على أمنها القومي وليس تهديد الآخر. إذاً، نحن أمام دولتين – إيران وباكستان- لديهم رؤية وسياق عسكري متقدم في إنتاج الصواريخ الباليستية التي لديها القدرة على حمل رؤوس نووية، الأمر الذي يعني دخول كل منهما نحو التعاون العسكري، وتبادل الخبرات والأسلحة المشتركة أمر جدا خطير وتلفت نتائجه وتداعياته ومبرراته انتباه الجميع. 

بل وأنه يقرع كافة منابت الحذر ومصادر البحث والترقّب نحو أي ممر حمل هذا التعاون وعلى أي سياق سيكون الهدف، وما هو العائد الذي ستحصده إسلام آباد نتيجة هذا التبادل، وماذا ستقدم إيران سواء لباكستان أو للقوى الدولية الفاعلة، التي من المرجّح جداً، أن تكون على دراية كاملة بكل التفاصيل، وهل ذلك يعني بالضرورة دخول هذه الصفقة إذا صحت الأنباء داخل ملف المباحثات حول الرد الإيراني المتوقع.

يدلي ديفيد دي روش المسؤول السابق بـ”البنتاغون”، برأيه حول تلك الأقاويل، ويقول إنه من الصعب دائماً تمييز مواقف الحكومة الباكستانية؛ لأن هناك فصائل داخل الجيش لديها وجهات نظر مختلفة حول الحكومة وحول بعضها البعض. لكن ينبغي التذكر أن إيران أطلقت صاروخاً على باكستان، وردت الأخيرة بغارة جوية داخل إيران العام الماضي.

 ويتابع دي روش حديثه لـ”الحل نت”، بأنه من الصعب أن نتخيل باكستان تقدم أسلحة متطورة في ظل هذه الذكرى الحديثة للصراع، فضلاً عن علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تجعل من الصعوبة حدوث ذلك دون مبررات واقعية ومنطقية.

ديفيد دي روش المسؤول السابق بـ”البنتاغون”

إلى ذلك، اتفق مصدران باكستانيان إحداهما دبلوماسي رفيع المستوى، كون الأمر محض شائعات متصل بمدلول سياسي ومعطيات دبلوماسية، تمتد نحو الإطار الزمني الذي يحمل صورة متكاملة لواقع سياسي، ينبغي أن يكون بصورة ملائمة فضلاً عن غرض خبيث لجلب باكستان نحو منطقة مظلمة، بينما الأخير اكتفى بقوله إنه لا يمكن الاعتماد على التقارير الإخبارية وسط هذا الظرف الدقيق.

على أية حال لا نملك الجزم بشيء أو نفيه بصورة قاطعة؛ فقط نضع تلك التقارير داخل حدودها المعلوماتية وارتباطاتها بمسارات الأحداث وسيتكفل الوقت بفض الاشتباك قطعة وراء الأخرى. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة