ما تزال الجهود المصرية في إطار تفعيل دورها بالوساطة لإنقاذ مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار بحرب غزة، تجري على قدم وساق، حيث إن البيان الثلاثي لمصر وقطر والولايات المتحدة، يكشف عن محاولة حثيثة لوضع الأطراف كافة أمام لحظة أخرى بخلاف الوضع المتفاقم أمنياً وعسكرياً.
وقد جاء البيان في توقيت دقيق وحساس يتمثل في التصعيد الإسرائيلي بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية أثناء وجوده بإيران، وكذا اغتيال القيادي العسكري بـ”حزب الله” فؤاد شكر (الحاج محسن)، مع استمرار التصعيد في جنوب لبنان. وبقدر الأثر المدوي الذي يتسبب فيه خرق الطيران الإسرائيلي لجدار الصوت، يتبدى وضع العالم والمنطقة القلق في انتظار الرد الإيراني، وتداعيات ذلك على نقل الحرب من غزة للإقليم.
البيان الثلاثي بشأن حرب غزة
وحظى البيان الثلاثي بتأييد واسع، فالإمارات العربية المتحدة، التحقت بالدعوة المصرية القطرية الأميركية والتي تهدف لوقف إطلاق النار، وتحرير الرهائن والمعتقلين، وحثت الخارجية الإماراتية في بيان “الأطراف المعنية على الاستجابة إلى الدعوة لاستئناف مشاورات عاجلة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2024” مشددة على أن “الاتفاق المطروح حالياً سينهي معاناة سكان غزة والرهائن وعائلاتهم”. وجددت “أملها بعدم إضاعة مزيد من الوقت من قبل أي من الأطراف”. وثمّنت جهود الوساطة التي “تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الأوضاع المأسوية في قطاع غزة”.
ومن جهته، عبر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي، عن اصطفافه مع ما ورد في البيان المشترك الصادر عن رئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، وثمن في بيانه “الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات بين جميع الأطراف، والتي تقوم بها جمهورية مصر العربية، ودولة قطر، والولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى اتفاق وخفض التصعيد بالمنطقة”.
ولفت إلى أن دول “مجلس التعاون الخليجي” تدعم كافة الجهود الرامية لوقف الأزمة وإنقاذ الشعب الفلسطيني، إيماناً منها بأن تضافر الجهود وتوحيد المواقف هو السبيل الأمثل لوقف الأزمة، بما ينعكس إيجاباً على السلم والاستقرار الإقليمي والدولي”. وأكد على دعم دول المجلس لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لمبادرة السلام العربية وجميع القرارات الدولية ذات الصلة.
في ظل الأجواء المشحونة والتوترات الإقليمية، فإن القاهرة تتقدم في موقعها التفاوضي بهدف قطع الطريق على أي محاولات تلغي مسار التفاوض أو حتى تعطله، وحتى لا تكون عملية إدامة الصراع وسيلة لتهديد الإقليم ومشاغلته بحرب شاملة، لا يتحملها الاقتصاد والأوضاع الأمنية. وهذا الدور يبدو ضرورياً لجهة استعادة الثقة في مسار التفاوض، خاصة في ظل محاولات تسويق أن لا جدوى من التفاوض بعد مقتل هنية.
كما أن “حماس” باختيارها يحيى السنوار خلفاً له، ساعية في المقابل إلى مزيد من العسكرة على تنظيمها وتقديم أحد “الصقور” من الجناح العسكري “كتائب القسام”، وإزاحة المكتب السياسي الذي كان يقود المفاوضات ويتواصل مع الأطراف الخارجية.
السعي لإنجاح عملية التفاوض
وترتكز القاهرة في جهودها نحو الوساطة على أن تكون هناك ضمانات لإنجاح المفاوضات، وبدء عملية وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، الأمر الذي يتطلب وفق الرؤية المصرية أن يتم البدء بهدنة إنسانية، يتبادل فيها كل طرف استحقاقات الصفقة من تحرير الرهائن من قبضة “حماس” والإفراج عن المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ويضاف لذلك، تمرير المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع الذي يقع تحت وطأة معاناة إنسانية هائلة في ظل شح المواد الغذائية والطبية.
ومنذ أيار/ مايو الماضي، لم تتغير مقاربة القاهرة التي تسعى إلى التماس الشروط الواقعية وعدم إهدار أي فرصة سياسية لتحقيق التفاوض، وإنهاء الوضع القلق والمأزوم، حيث سبق لها وقالت إنها “دائماً تعمل على احتواء الأزمة في غزة، والتوصل إلى وقف إطلاق النار واستعادة الرهائن”.
محاولات الاستدراج لحرب شاملة يبدو مخيفاً في ظل سيطرة وكلاء إيران على ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر من قبل ميلشيا “الحوثي” بما سيجعل الحرب نتائجها كارثية، ليس على المستوى الأمني والعسكري فحسب، إنما كذلك على الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية.
فيما صرح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأن مصر “بذلت جهداً كبيراً مع الولايات المتحدة وقطر في هذا الصدد منذ أشهر، لكن للأسف لم تكلل هذه الجهود حتى الآن بالنجاح”، وتابع: “هذا لا يعني إطلاقاً التوقف عن تقديم العون للأطراف لتحقيق هذا الهدف لأنه حيوي لحماية الفلسطينيين”.
إذاً، يمكن القول إن الموقف الأخير لدول الوساطة والولايات المتحدة، هو بمثابة انعطافة جادة لكبح الأطراف التي تميل بشكل حاد نحو توتير الإقليم، ووضعه على الحافة، وذلك عبر زيادة وتيرة العنف وتنامي الممارسات العسكرية الانتقامية في إطار الرد والرد المضاد، بما يجعل عدوى الحرب قد تنتقل من غزة إلى جنوب لبنان، وتداعياته على المستوطنات في شمال إسرائيل، الأمر الذي سيرغم في هذه الحالة حتماً إسرائيل بأن توسع من صراعها، ويجعل “جبهات الإسناد” توسع الدائرة لحرب إقليمية شاملة، حيث ستكون نتائجها صفرية.
خطورة نشوب حرب شاملة
ومحاولات الاستدراج لحرب شاملة يبدو مخيفاً في ظل سيطرة وكلاء إيران على ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر من قبل ميلشيا “الحوثي” بما سيجعل الحرب نتائجها كارثية، ليس على المستوى الأمني والعسكري فحسب، إنما كذلك على الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية. فـ”الحوثي” لن يتوانى عن استهداف مصالح الغرب والولايات المتحدة تحديداً مصادر الطاقة التي تواجه نقصاً مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتراجع الغاز الروسي، بل سيطوق مصالح الإقليم، ومنها مصر حيث قناة السويس، فضلاً عن أمن الخليج.
ولهذا، تتجه القاهرة من خلال دورها بالوساطة إلى العقلنة لتفادي الرغبات الأيدولوجية باتجاه العسكرة وتفجير الوضع كما تعمل أطراف إقليمية وتغذي الدور التعبوي، لجعل تموضعها الميلشياوي بالإقليم أكثر متانة وله الشرعية. فمن دون هذا الوضع القلق غير المستقر والسيولة الأمنية، لن تكون هناك فراغات تملء مساحاتها الجغرافية والسياسية الميلشيات الولائية.
كما أن البيان يعزز من حضور الولايات المتحدة كشريك استراتيجي لدول المنطقة في مواجهة أطراف أخرى، لا سيما روسيا، ودعمها لإيران، والذي قد يكون على حساب أمن الإقليم لتحقيق فائدة ضيقة تتعلق بمصالح طهران من جهة، أو منابذة واشنطن من جهة أخرى.
بالتالي، فالبيان الثلاثي يبدو أنه يرسم أفقاً سياسياً مهماً في ظل المسار المعتم والملغم لا سيما مع انتظار الرد الإيراني وتداعياته، كما أن فرص نجاحه قائمة وترتهن بإرادات الأطراف المنخرطة في الصراع، ومدى استجابتها، وقد كشف موقع “أكسيوس” الأميركي عن وصول متوقع لعدد من مسؤولي الإدارة الأميركية إلى الشرق الأوسط في غضون أسبوع، بهدف الانخراط في مشاورات لإنجاح عملية المفاوضات والتوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار في غزة.
وبحسب الموقع الأميركي، فإن مسؤولين من الولايات المتحدة ومصر وقطر يتشاركون الجهود لصياغة مقاربة لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار، وبلورة رؤية تكون مخرجاً سياسياً ومساراً تفاوضياً لإنجاح الجولة المتوقعة من المفاوضات المزمع إجراؤها منتصف الشهر الجاري آب/ أغسطس، حيث من المرجح أن يكون ضمن الوفد الأميركي الذي سيزور المنطقة، مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز، والمستشار الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك.
دلالات تأخر الرد الإيراني
وعقّب البيت الأبيض على تلك الجهود، بأنه لن يجعل الفرصة تضيع بشأن عملية وجهود وقف إطلاق النار. بل إن ثمة ترجيحات عديدة، تشير إلى أن تأخر الرد الإيراني يأتي ضمن هذا السياق الذي تقوده الولايات المتحدة مع دول الوساطة، حيث إنها تهدئة، وربما تكون مؤقتة في مقابل التوصل لتفاهمات أو وضع تصور وبدائل في حال حدث رد إيراني يكون في إطار سقف محدود، لا يربك المفاوضات أو يباعد بينها وبين إتمام صفقة وقف إطلاق النار، وقد حذف التلفزيون الرسمي بطهران عبارة “الانتقام للضيف”.
كما أن إسرائيل أبدت استجابتها باستئناف المفاوضات، منتصف الشهر، بناء على دعوة القاهرة والدوحة وواشنطن. وجاء في بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “في أعقاب اقتراح الولايات المتحدة والوسطاء، سترسل إسرائيل وفداً من المفاوضين إلى المكان الذي سيتم الاتفاق عليه في 15 آب/ أغسطس للانتهاء من تفاصيل تنفيذ الاتفاق”.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، طالب الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى وضع حد فوري للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لشعب غزة وللرهائن وعائلاتهم. وطالب القادة الثلاثة، في بيان مشترك، بضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإبرام اتفاق بشأن الإفراج عن الرهائن والمعتقلين.
وذكر البيان المشترك: “لقد حان الوقت كي يتم بصورة فورية وضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لشعب غزة وكذا المعاناة المستمرة منذ أمد بعيد للرهائن وعائلاتهم. حان الوقت للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإبرام اتفاق بشأن الإفراج عن الرهائن والمعتقلين”. وعرج القادة، وفق البيان، على الجهود المكثفة التي بذلتها فرقهم على مدار عدة أشهر للتوصل إلى إطار اتفاق مطروح حالياً على الطاولة، والذي لا يتبقى سوى وضع التفاصيل المتعلقة بتنفيذه. ويستند هذا الاتفاق إلى المبادئ التي طرحها الرئيس بايدن في 31 أيار/ مايو، وتمت المصادقة عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2735.
وأكد البيان على ضرورة عدم إضاعة مزيد من الوقت، وألا تكون هناك ذرائع من قبل أي طرف لتأجيل آخر. وشدد القادة على ضرورة أن التوقيت قد حان “الآن للإفراج عن الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق”. فيما أعرب القادة عن استعدادهم كوسطاء، إذا اقتضت الضرورة، لطرح مقترح نهائي للتغلب على الثغرات وحل الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ وبما يلبي توقعات كافة الأطراف.
وطالب القادة طرفي الصراع استئناف المناقشات العاجلة، بين يومي 14و15 آب/ أغسطس المقبل، سواء في الدوحة أو القاهرة، لسد كافة الثغرات المتبقية، وبدء تنفيذ الاتفاق من دون أي تأجيلات جديدة. كما ثمّن منتدى عائلات المختطفين الإسرائيليين بالبيان الأميركي القطري المصري المشترك الداعي إلى مواصلة المفاوضات والتوصل إلى صفقة تبادل. ودعا البيان الصادر عن المنتدى الحكومة الإسرائيلية بـ “التحلي بروح القيادة” والاتفاق على آخر التفاصيل والتوصل إلى اتفاق.
- أزمة بين سوريا والأردن بسبب اختطاف مواطنين.. ما القصة؟
- زيارة السيسي لتركيا.. تهدئة لإدارة المصالح السياسية والإقليمية
- استهداف محافظ درعا للمرة الثانية في أقل من عام.. ما السبب؟
- المحتوى الهابط في العراق: لماذا التركيز على حبس الفاشينستات؟
- ترحيل جماعي إلى سوريا.. “رايتس ووتش” توثق انتهاكات مزدوجة بحق لاجئين سوريين
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.