تقول حكمة عن العرب “الملك عقيم”، هي العبارة التي قالها هارون الرشيد لولده المأمون: “يا بني الملك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك” أي لقطعت رأسك. وهي ظاهرة متعلقة بالصراع على السلطة والرغبة في الاستحواذ على النفوذ، وترتبط بشكل رئيسي هذه الظاهرة “الملك عقيم” بالأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية أو النُّظم غير الشرعية.
فقد يحاول أحد أفراد الأسرة الحاكمة السيطرة الكاملة على مقاليد القوة والهيمنة مما يخلق صراعا داخليا يتمثل إما في القتل السياسي أو حرمان أحد أفراد الأسرة الحاكمة من المناصب القيادية.
وعلى مدى ما يقرب من عام ظهرت خلافات سياسية داخلية بين أشخاص من داخل أسرة زعيم جماعة “أنصار الله”، عبد الملك الحوثي، وتنوعت أشكال الخلافات بين القتل أو الاختطاف أو الاعتداء بالضرب والتناحر فيما بينهم. واليوم نشهد مستوىً جديداً من الاستحواذ على السلطة متمثلاً في الاستبعاد السياسي!!!
استبعاد يحيى الحوثي
رئيس حكومة الانقلاب “الحوثية”، أحمد الرهوي، أعلن أسماء أعضاء حكومته الجديدة، خلال لقائه مهدي المشاط، رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للانقلاب. واللافت أنه تمت الإطاحة بـ يحيى الحوثي، من وزارة التربية، وأبقت على عبدالكريم الحوثي، على الداخلية في تشكيلة الحكومة الجديدة.
مصادر مقرّبة من “الحوثيين” كشفت عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الميليشيا للإطاحة بـ يحيى الحوثي، الأخ الأكبر لزعيم الجماعة اليمنية من منصبة كوزير للتربية في حكومة الانقلابيين بصنعاء، حيث قالت المصادر لموقع “المشهد اليمني”، إن “الحوثيين” قاموا بتوقيف يحيى الحوثي قبل أكثر من شهرين في مطلع تموز/يوليو الماضي مع قيادات تربوية أخرى وتم اتهام الحوثي بأنه الركن الأول في محاولة الانقلاب على زعيم الجماعة بعد فشله في إدارة الدولة وتبعيته الفجة لإيران والمحور الشيعي في المنطقة العربية.
وفي تطور مثير يكشف عن تعقيدات المشهد اليمني، كشفت مصادر مطلعة عن اللعبة التي تمارسها جماعة “الحوثي”. فقد أماطت هذه المصادر اللثام عن استراتيجية إعلامية غامضة تنتهجها الجماعة، حيث تعمدت التكتّم على هوية شخصية مفصلية في هيكلها القيادي.
وفي مفارقة تثير الكثير من التساؤلات، أغفلت الميليشيا ذكر اسم “الركن الأول” يحيى الحوثي في تصريحاتها الإعلامية. وفي المقابل، أسهبت الجماعة في ذكر أسماء ما وصفتهم بـ “الأركان” من الثاني حتى الخامس. لكن المفاجأة الكبرى تكمن في الادعاء بأن هؤلاء من “مجندي المخابرات الأميركية” بينهم وكيل وزارة التربية لقطاع المناهج أحمد حسين النونو.
في هذا الصدد علّق الناشط اليمني إبراهيم عبد القادر، لـ”الحل نت” قائلا: إن “هذا التغيير الأخير ليس سوى إثبات وجود، ومحاولة للفت أنظار العالم لها، كما أنه ليس تغييراً بمعناه العلمي والسياسي، بل مجرد استحواذ الأسرة الهاشمية على مقاليد الحُكم، لـ تسيير شؤون شعب الحوثي”.
كما أنها بحسب عبد القادر، حكومة منزوعة الصلاحيات والقرارات، ولا يمتلك الواحد فيها الحد الأدنى من الحرية، بل هي حكومة ديكورات فقط، القرار الأول والأخير هو لمن يرقد في الظل والكهف – عبد الملك الحوثي – وهو من يقرر ويختار، كونه المصطفى وكلامه منزّه ومقدس، ولا ينطق عن الهوى، تماما كما هو الحال مع “نصر الله” في لبنان، وميليشيات “الحوثي” تطبق ذلك بحذافيره.
وبالعودة لـ يحيى الحوثي، يشير عبد القادر إلى أنه شخص غير مؤهل للوظيفة الحكومية، فضلا عن منصب وزير، ولهذا كان مؤهله الوحيد هو أنه “شقيق السيد” وحسب، وكل من عمل معه يعرف كم أنه همجي في التعامل والإدارة، ولعل أبرز ما عمله أثناء عمله كوزير هو نهب “صندوق المعلمين”، وجرائم كثيرة بحق المعلمين والطلبة، فلا رواتب للمدرسين ولا احترام لدور المعلم، بالإضافة إلى تفخيخ المناهج وتحريفها، وفقا لرؤية “السيد”.
إزاحة يحيى الحوثي يكشف عن سوء الرجل، وكيف أنه كان عبئاً على جماعته وشقيقه “السيد”، حيث إن الشكاوى عليه كانت متراكمة في مكتب رئاسة الجمهورية، التي كانت تحيلها دائما إلى “مكتب عبد الملك” مباشرة.
يحيى الحوثي كان مجرد صفة مفرغة من المهام، وكان حسن الصعدي، المعين حديثا وزيرا للتربية، هو من يدير الوزارة تنظيميا وفعليا، وكان يحيى مجرد توقيع لتنفيذ مشروع أخيه قائد الجماعة، الذي كان الصعدي مشرفا مباشرا عليه.
بنظر عبد القادر، لا أحد يتوقع شيء من جماعة “الحوثي”، وهي حكومة فقط للضوء والترند وحسب، حتى الشعب لا يأمل منها شيء، بعد ثمان سنوات من النهب والتدمير والفوضى، والجميع استقبل هذا التغيير بالسخرية والشماتة، لأنه لا يوجد حكومة بالعالم يتم تعيينها بدون شعب، لأنها في الواقع لا تلزم نفسها بحقوق أو واجبات.
دوائر الخفاء في اليمن
لاحقا، في مشهد درامي يكشف عن صراعات السلطة والمال في صنعاء، تكشفت فصول قصة مثيرة تجمع بين عناصر الخيانة والطمع والانتقام. فقد أماطت مصادر مطلعة لموقع “المنتصف اليمني”، الستار عن حادثة اعتقال مفاجئة هزت أركان الحكومة غير المعترف بها في العاصمة اليمنية.
بطل هذه الدراما السياسية هو محمد شرف أمير الدين المطهر، وزير الصناعة والتجارة السابق، الذي وجد نفسه فجأة خلف القضبان قبل أسبوع واحد من إقالته. والسبب؟ رفضه الانصياع لمطالب قيادات “حوثية” نافذة بتسليم أموال “صفقات مشبوهة”. هذا الموقف كلّفه حريته ومنصبه، في رسالة واضحة لكل من يفكر في تحدي سلطة النخبة الحاكمة.
وكأن المشهد لم يكن دراميًا بما فيه الكفاية، جاء إعلان تشكيل حكومة جديدة ليضيف فصلاً جديدًا من التعقيد. فقد تم تعيين قيادي آخر ليحلّ محل المطهر في منصب وزير الصناعة، في خطوة تؤكد وجود تصفيات حسابات عميقة داخل أروقة السلطة.
الأكاديمي اليمني عبد الباقي شمسان، أستاذ الاجتماع السياسي، في تعليقه لـ”الحل نت”، ذهب إلى أن جماعة “الحوثي” لا تحكم من دائرة واحدة وإنما من عدة دوائر على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي.
فعلى المستوى المحلي، هناك صراع داخلي من داخل جماعة “الحوثي” نفسها أو من داخل الأُسر التي تدّعي أنه أُسراً هاشمية، وبالتالي لها الحق في حكم اليمن.
وجود الصراع ليس جديداً على جماعة “الحوثي” فيما بينها، نظراً لوجود المنافع والمكاسب السياسية التي تشعل الصراع على المناصب بين هذه الأُسر الكبيرة رغم أن الذي يسيطر أو الحاكم الفعلي في هذه الجماعة هي أُسرة بدر الدين الحوثي.
ويضيف شمسان، كل الكوارث التي تقوم بها أُسر “الحوثي” في اليمن لا تتحملها وحدها، وإنما أيضا يتحملها من في الواجهة الذين يعملوا على تغيير كل ما هو يمني وتغيير الهوية اليمنية وتغيير في الذاكرة الوطنية، فكل شيء في اليمن يتحول بشكل تدريجي نحو ولاية الفقيه أو عودة النظام الملكي الذي ثار عليه الشعب اليمني 1962.
وفي إطار هذا الهدف لا يوجد أي عائق يعوق الجماعة عن عزل أو استبعاد كل من لا يساهم في تحقيق حلم ولاية الفقيه. بمعنى أن الحكم داخل هذه الجماعة الانقلابية يتم وقفاً لاستراتيجية معينة وليست من خلال الوزراء أو من خلال القيادات العسكرية التي تنتمي لها، فهناك مجموعة من الدوائر صانعة القرار وتوجد بينهم دائرة غير معلن عنها نهائياً، هي التي التحكم و تخطط وتدير الأمور من أجل العودة إلى الإمامية.
وتابع شمسان، بأنه على المستوى الإقليمي هناك تنسيق بين أطراف الجماعة في لبنان واليمن وكل هؤلاء على مستوى السياسات وعلى مستوى الفعل بتنسيقٍ مع المحور في العراق و سوريا مع إيران التي تحرّك الجميع في منطقة، وبالتالي استبعاد بعض الأشخاص من داخل الأسرة يخدم الدوائر غير المعلنة التي تتحرك في الخفاء بما يتوافق مع الاستراتيجية “الحوثية”.
حكومة طائفية
ضمَّت حكومة صنعاء الجديدة غير المعترف بها التي أُعلنت عنها الاثنين الماضي، 22 وزيرًا معظمهم من قيادات الجماعة من السلالة الإمامية، والبقية استخدموا دعاية بأن الحكومة من جميع المناطق اليمنية.
كما شهدت إسناد الوزارات الإرادية لمقربين من زعيم جماعة “الحوثي”، وكذلك وزارت الفكر والقضاء، والدفاع والداخلية، فيما تم توزيع بقية الوزارات على الموالين.
مع الأسف، تواجه الحكومة الحالية تحديات كبيرة فيما يتعلق بالفساد والطائفية. على الرغم من وعود القادة بمكافحة هذه الآفات، يبدو أن الواقع مختلفٌ تمامًا.
وفقًا لمحللين محليين موثوقين، تشكّل الحكومة الحالية نموذجًا للحكم الفاسد والمنحاز. بدلاً من العمل على تعزيز المساواة والوحدة الوطنية، إلا أنها تسعى لتكريس الانقسامات المذهبية والعنصرية في المجتمع.
الأكاديمي اليمني عبد الباقي شمسان، أكد أن جماعة “الحوثي” في اليمن وجودها يخدم الطائفية والعنصرية في المنطقة العربية، فبعد أن كان الصراع بين السُّنة والشيعة أو غيرهم من الطوائف موجوداً في العراق فقط، أصبحنا اليوم نرى جماعة جزء أصيل من دافعها الاقتتال مع هذه الطوائف والتناحر فيما بينهم، لأن هذه الطائفية تخدم أهداف إيران في المنطقة.
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.