تحركات سعودية عديدة أُجريت في المنطقة خلال الآونة الأخيرة، لعل أبرزها عقد الاتفاق مع إيران. ويبدو جليا أن أولويات الرياض في هذه المرحلة تتمحور حول استقرار المنطقة ووقف الحروب المحيطة بها، وهي حاجة اقتصادية وأمنية مزدوجة. فلدى الرياض استراتيجية طموحة لتحقيق التوازن ووضع اقتصادي يتماشى مع استراتيجية ورؤية المملكة لعام 2030.

وسط تحولات إقليمية ودولية، يزور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إيران السبت، بهدف مناقشة سبل العلاقات بين البلدين، واحتمالات تطوير الاتفاقية التي حدثت في الأشهر الأخيرة بعد سبع سنوات من القطيعة. وتشير جميع التحليلات إلى أن هذه الزيارة قد تشكل فرصة لإعادة فتح السفارة السعودية في طهران، بعد إعادة فتح السفارة الإيرانية في الرياض في السادس من حزيران/يونيو الجاري.

بحسب وسائل إعلام إيرانية، تتوقع إيران أن يزور الوزير السعودي يوم غد السبت، وأن يتخذ إجراءات لفتح السفارة السعودية في طهران، وأن يلتقي الوزير السعودي بكبار المسؤولين الإيرانيين. وتحمل الزيارة عدة مؤشرات على خطوة التقارب بين البلدين بالنسبة لما يجري في الإقليم، ولا سيما الملف اليمني.

دلالات الزيارة السعودية

في السياق، قال الناطق باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي، إن إيران تتوقع زيارة الوزير السعودي السبت وأنه سيتخذ إجراءات لفتح سفارة السعودية في طهران، وفق ما كشفته وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء.

صورة أرشيفية للقاء بين الوزيرين- twitter/KSAMOFA

إيران كانت قد افتتحت سفارتها في السادس من الشهر الجاري بمقرها القديم بالحي الدبلوماسي بالرياض، وأعادت قنصليتها بجدة، في خطوة تأتي بعد نحو ثلاثة أشهر من اتفاق ثنائي على استئناف العلاقات.

وزارة الخارجية السعودية، قالت آنذاك، إن نائب وزير الخارجية وليد الخريجي بحث مع نظيره الإيراني للشؤون القنصلية علي رضا بيكدلي تكثيف اللقاءات التشاورية وسبل التعاون لتحقيق المزيد من الآفاق الإيجابية للعلاقات الثنائية، مضيفة في بيان على منصة “تويتر” أن زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني والوفد المرافق له جاءت لافتتاح السفارة الإيرانية في الرياض والقنصلية الإيرانية في جدة.

المختص بالشؤون الإقليمية والاستراتيجية المستشار زيد الأيوبي، يرى أنه على فرض صحة الأخبار التي صدرت عن الإعلام الإيراني بخصوص زيارة وزير الخارجية السعودية لطهران، فإن هذه الزيارة ليست مفاجئة بل هي طبيعية ومتوقعة خصوصا بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي أُعلن عنه في العاشر من آذار/مارس الماضي والذي يقضي بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإنهاء حالة التوتر بينهما برعاية بكين.

حسبما يؤكد الأيوبي لموقع “الحل نت”، فإن الاستراتيجية السعودية تجاه العلاقات مع دول الجوار ومنها إيران هي استراتيجية ثابتة وقائمة على احترام الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والتعاون مع باقي الدول لتحقيق السلم والاستقرار في المنطقة.

أما وفق وجهة نظر المحلل والباحث السياسي، سامح مهدي لموقع “الحل نت”، فتلك الدلالات تتمحور في سعي السعودية لتطوير العلاقات مع إيران بغية تحقيق ما ترنو إليه من استقرارٍ في المنطقة، ويُعتقد  أن يتم فتح السفارة السعودية في طهران عقب هذه الزيارة، لما يتم من خطوات سعودية حذرة تجاه التقارب مع إيران.

خاصة وأن الاستراتيجية السعودية ترتكز في الوقت الراهن على تحقيق التوازن في علاقاتها وإن كان مع خصوم سابقين، بغية تحقيق مصالح أمنية واقتصادية في الوقت ذاته مع عدة أطراف، ولا شك أن إحداث حالة التوازن هذه في العلاقة مع دول مثل إيران والصين ليس بالأمر الهين، إلا أن متطلبات المرحلة تتطلب ذلك، على حد تحليل مهدي.

من المُلاحظ أن السياسة السعودية قد غيّرت اتجاهها خلال الفترة الماضية، حيث بدأت في اتباع عدة أساليب واستخدام كل أنواع الدبلوماسية التي من شأنها أن تسهم في إحياء السلام وحلحلة مشاكل المنطقة وقضاياها، وكل ذلك يأتي في سياق تنفيذ رؤية المملكة لعام 2030 التي تحتاج إلى خلق ظروف سياسية داخلية وإقليمية وخارجية وإعادة العلاقات السياسية للمملكة مع المجتمع الدولي برمّته.

بالتالي فإن مسألة وصول السعودية لمرحلة إعادة فتح سفارتها في طهران بعد سنوات من العِداء وعلى الرغم من خطواتها الحذرة تجاه الأخيرة هو أمر وارد وممكن جدا في زيارة وزير الخارجية السعودي يوم غد لإيران، وهذه الخطوات ضرورية في مسار أي تقارب أو تطبيع بين بلدين، على حد تعبير مهدي.

طهران كانت قد عيّنت في الشهر الماضي، الدبلوماسي رفيع المستوى علي رضا عنايتي سفيرا جديدا في المملكة. ويشغل عنايتي حاليا منصب نائب وزير الخارجية بعدما كان سفيرا في الكويت خلال عهد الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني.

إلى جانب تبادل البلدين في نيسان/أبريل الماضي زيارة لوفدين فنّيين من أجل بحث مسألة إعادة فتح السفارات.

أهداف خطوات التقارب

السعودية وإيران كانتا قد اتفقتا في آذار/مارس على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية. واستكمالا للمساعي الرامية لعودة العلاقات، أعادت إيران فتح مقر سفارتها لدى السعودية في العاصمة الرياض في سياق تنفيذ الاتفاقيات الثنائية بين البلدين.

الأيوبي أشاد بالدور الإيجابي الكبير الذي يتمتع به الموقف السعودي تجاه العلاقات مع كل الدول الإقليمية حيث يعكس ذلك حكمة القيادة السعودية والتزامها بمسؤولياتها الكبيرة تجاه تحقيق السلام والازدهار في المنطقة برمتها.

السفارة الإيرانية في الرياض- “أرشيفية- رويترز”

كما يعتقد الأيوبي أن الاتفاق السعودي الإيراني سيعود بالإيجابية على المنطقة ويقطع الطريق على كل المشاريع الهادفة لتدمير المنطقة والسيطرة عليها.

هذا التقارب بين الخصمين لا بدّ له أن يحمل تداعيات على المنطقة. ومن المتوقع وفق التقديرات أن تقلّص طهران محاولاتها لزعزعة استقرار دول مجاورة. كالعراق الذي تمارس فيه إيران نفوذا كبيرا من خلال الميليشيات والأحزاب المرتبطة بها. كذلك، ربما يتم التوصل إلى اتفاق أو تسوية ما في اليمن، وهو ما تسعى إليه الرياض منذ فترة طويلة.

أما بالنسبة لتقارب طهران مع الرياض ومحاولاتها مع عدة دول أخرى مثل مصر، وتفاوضها مع الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا عبر سلطنة عُمان، ليست سوى رغبة لتخفيف الضغوط والحمولات الثقيلة عليها حتى لو بصورة مؤقتة وترتيب أوراقها مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” للخروج من مأزق الملف النووي وتحييد دول الخليج في الصراع الأخير وبناء تحالف خليجي إيراني برعاية الصين، لكن كل ذلك ليس نهائيا وحتميا بل سيتوقف على مدى جدّية إيران في إنهاء دورها الفوضوي بدعم الميليشيات بالمنطقة، وفق الباحث والمحلل السياسي.

أما في إطار التداعيات، يرى مهدي أنه سيكون هناك تداعيات إقليمية ودولية، لا سيما بعد سنوات من العِداء بين الرياض وطهران، والحرب بالوكالة. وهذا التقارب من شأنه أن يوفر فرصة لحماية أمن السعودية القومي من الفوضى التي تسببها الميليشيات الإيرانية وخاصة بعد الهجمات على منشآت “أرامكو” السعودية، إلى جانب توسّع هذه الميليشيات الذي بات يشكل مصدر قلقٍ لجميع دول الخليج والمنطقة.

لكن من جهة أخرى، يقول مهدي إن العلاقات بين السعودية وإيران ستبقى ضمن حدود معينة، مثلا على مستوى فتح السفارات والتخفيف من حدة بعض القضايا والمشاكل في المنطقة، بالنظر إلى العقوبات الغربية المفروضة على الأخيرة نتيجة عدم تعديل سلوكها العدائي، وبالتالي لا يمكن للرياض وحتى الصين إقامة علاقات تعاونية استراتيجية مع طهران، لأنها مرهونة برفع العقوبات الغربية.

بالإضافة إلى ذلك، تخشى كل من الرياض وبكين أن تؤثر العقوبات الغربية، خاصة الأميركية منها، عليهما إذا طوّرتا تعاونهما مع إيران، في وقت تسعى فيه المملكة إلى تطوير علاقات متقدمة مع واشنطن وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وقد لوحظ مؤخرا ذلك من خلال الشراكات بينهم في مجال التكنولوجيا وغيرها، طبقا لتوقعات مهدي.

أولوية الملف اليمني

إضافة إلى ذلك، لا شك أن التقارب سيحمل معه خسائر حتى الوصول إلى حالة توافق في العديد من الملفات، أبرزها الملف اليمني.

هذه الزيارة السعودية لإيران تعني بلا شك الكثير فيما يتعلق بالملف اليمني، لا سيما قضية إفراغ سفينة “صافر”، إذا ما ستتم بسلاسة دون معوّقات من جماعة “الحوثي” في اليمن كما حدث في الماضي.

ضمن هذا الإطار يرى مهدي بأن الزيارة السعودية لإيران تهدف إلى تحقيق نتائج إيجابية بشأن التهدئة المطلوبة في اليمن، حيث إن الوضع الإنساني المتفاقم والصعب بالبلاد يلحّ على السعودية وسياساتها بينما تسعى لإيجاد صيغة سياسية ودبلوماسية للحل النهائي التام والشامل.

هذا وقد سبق للرياض أن طرحت عدة مبادرات سياسية للوصول للسلم المطلوب. ويتعين النظر إلى أن ميليشيات “الحوثي” تسببت في وضع إنساني مأزوم على كافة المستويات وذلك من خلال تجنيد الأطفال وتسرّب المئات من التعليم فضلا عن تسلل الأفكار “الحوثية” المتطرفة للمناهج بما يؤهل لصعود جيل جديد موالي لإيران وأهدافها الأيديولوجية والسياسية الإقليمية، حسبما أردفه مهدي.

هنا تبدو تحركات السعودية الخارجية بعد الاتفاق الثلاثي برعاية الصين ضروريةً وإيجابية حيث تفتح قنوات دبلوماسية لحل الملفات العاجلة مع إيران بخلاف الشكل القديم الذي اتبعته إيران من خلال عسكرة سياساتها الخارجية، وفق ما يراه مهدي.

في إطار الملف اليمني، أعلنت “الأمم المتحدة”، يوم الإثنين الماضي، توفير التغطية التأمينية لتفريغ ناقلة النفط المتهالكة “صافر” قبالة اليمن في خطوة تتزامن مع قرب انتهاء فِرق فنية من فحص السفينة.

البرنامج وصف ذلك في بيان بأنه خطوة محورية لبدء عملية النقل من سفينة إلى سفينة، في إطار الجهود التي تقودها “الأمم المتحدة” بهدف الحيلولة دون تسرب 1.14 مليون برميل من الخام في البحر الأحمر.

ناقلة “صافر” في الساحل اليمني- “أرشيفية، إنترنت”

ناقلة “صافر” هي واحدة من أكبر سفن الشحن بالعالم، وتقل أكثر من مليون برميل من النفط الخام وترسو منذ أكثر من 30 عاما قبالة ميناء رأس عيسى، لكنها تحولت منذ الانقلاب “الحوثي” وبفعل رفض الميليشيات أي تدخلات لصيانتها إلى قنبلة تهدد الحياة البحرية والمجرى الملاحي. كما وعرقل “الحوثيون” طيلة الأعوام الماضية صيانة الناقلة التي تقل نحو 1.14 مليون برميل من النفط الخام قبل التوصل إلى اتفاق مع “الأمم المتحدة” مطلع العام الجاري لتفريغ الوقود، مما جعل الوقت ضيقا جدا ولا يقبل الانتظار أكثر.

إجمالا، التقارب السعودي الإيراني قد يحمل معه إيجابية في مسارات معينة ومحدودة ولكنها لن تُنهي الصراع القائم في المنطقة، إذ إن هذه التغييرات ربما تحمل تفاعلات وواقع جديد في المنطقة بين القوى الإقليمية الأخرى، بالتالي لا يمكن التوقع بأن العلاقات ستسير بسلاسة وأن تمّ الاتفاق على كل الملفات بهذه السهولة، وسط التناقضات الموجودة. وحل أزمة اليمن المستعصية منذ 9 سنوات هو الاختبار الرئيسي لهذا التقارب، فإن لم يشهد جدّية من قبل طهران فيما يخص ذلك فلن يُكتب لهذا التقارب النجاح والمضي قدما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات