شهدت حركات الإسلام السياسي في العالم العربي عدة تحولات جذرية من النشأة لغاية أحداث “الربيع العربي”، التي شكلت انطلاقة جديدة لهذه الحركات صلب بلدانها، لكن دون أن نغفل طبعاً عن خصوصية كل بلد. فمثلاً في بلدان المغرب العربي، شهدت ثلاث بلدان بروزاً لهذه الحركات مثل تونس والمغرب وليبيا.
ويمكن للقارئ أن يستجلي نشاط هذه الحركات في كل من تونس والمغرب، لكن في ليبيا، حتى اليوم، لا يمكن بناء صورة عن خصوصية هذه الجماعات فيها. وقد قدمنا في تقارير سابقة على “الحل نت“، بعض ملامح حركات الإسلام السياسي في تونس، واليوم سنقدم قراءة للجماعة الإسلاموية في المغرب الأقصى، وتاريخ نشأتها، وعلاقتها بالسلطة الحاكمة.
المغرب.. الأحزاب الإسلاموية بعد الاستقلال
يعد حزب “العدالة والتنمية” أول حزب إسلامي تأسس بالمغرب وذلك سنة 1967، على إثر الانشقاق الحاصل داخل الحركة الشعبية الذي قاده زعيم الحزب آنذاك ورئيس البرلمان المغربي الدكتور عبد الكريم الخطيب، بسبب امتناعه عن مساندة الملك يوم إعلانه حالة الاستثناء، وهو ما حز في الفاعلين داخل القصر وأدى إلى التضييق على الخطيب، مما دفعه للانسحاب من الساحة السياسية.
ويقدم “حزب العدالة والتنمية” المغربي نفسه على أنه: “حزب سياسي وطني يسعى، على أساس المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى المساهمة في بناء دولة حديثة، ديمقراطية، مزدهرة متكافلة. المغرب يفتخر بأصالته التاريخية ويساهم بشكل إيجابي في مسيرة الحضارة الإنسانية”.
وفي عام 1992، تم إحياء الحزب بقيادة الدكتور عبد الكريم الخطيب وفق ثلاثة شروط: الإسلام، والاعتراف بالملكية الدستورية، ونبذ العنف.
وفي عام 1997، شارك الحزب في الانتخابات التشريعية، وحصل على 14 مقعداً في البرلمان، رغم أنه ترشح في 24 دائرة من أصل 325، وجلها تتبع منطقة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب.
وقد دخل أعضاء الحزب في صراعات عدة، ولعل أشهرها معركتهم ضد المخطط الذي طرحته الحكومة لإدماج المرأة في التنمية، إلى حد الخروج في مسيرة المليونين بمنطقة الدار البيضاء كما وتجمع أتباعهم في 12 آذار/ مارس 2002 تنديداً بهذه الخطة وبأنه لا مكان للنساء في مجال الرجال، مما أجبر الحكومة في ذلك الوقت إلى سحب خطتها، وبأمر من الملك محمد السادس، وتم تشكيل اللجنة الوطنية من العلماء والقضاة والمفكرين التي قامت بإعداد مدونة الأسرة.
منعطف تاريخي للحزب الإسلاموي
وتعد سنة 2002 منعطفاً تاريخياً للحزب على إثر فوزه في الانتخابات التشريعية 2002 بـ42 مقعداً في البرلمان، مما جعله القوة المعارضة الأولى بالبلاد. لكن الأحداث الإرهابية التي حدثت بالدار البيضاء يوم 16 أيار/ مايو 2003 قد هزت المكانة السياسية للحزب، خاصة بعد الاتهامات التي وجهت له من منافسيه وخصومه السياسيين، الذين حملوه المسؤولية المعنوية الأخلاقية عما حدث، باعتبار أن منفذي هذه العمليات ينتمون إلى التيارات السلفية المتطرفة الداعمة للحزب.
ورغم إدانة الحزب للعمل الإرهابي، إلا أنه تم منعه من المشاركة في مسيرة منددة بالإرهاب بل وقد تم تقديم مطلب من الأحزاب المناهضة له لحله وقد وضع هذا الطلب على أجندة لقاء المجلس الحكومي، وقد تم رفض هذا الطلب من الملك محمد السادس خوفاً من تصعيد سلبي يمكن أن يقوم به أتباع هذا الحزب الذي أصبح له قاعدة شعبية هامة في المغرب وللحيلولة أيضاً دون استمرار هذا الاحتقان السياسي.
جماعات الإسلام السياسي توظف كل الوسائل فقط لحماية مصالحها والحصول على امتيازات يدعم حضورها في السلطة وللأسف دائماً ما يوظفون الدين كوسيلة للتعبئة والحشد.
لكن في المقابل وبسبب الضغوط الخارجية انحسر نشاط الحزب، غير أن شعبيته بقت كما هي على مستوى النشاطات المحلية، وقد بقيت هذه الاستكانة لغاية سنة 2011 والتي مثلت ما يمكن أن نعبر عنه بالقول “العودة بقوة”، فقد ساعدت أحداث “الربيع العربي” في إحياء الإسلام السياسي في المغرب، خاصة مع صعود نظيراتها في كل من مصر وتونس، وليبيا، حيث تحصل الحزب على المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب سنة 2011، وبالتالي تمكن يوم 3 كانون الثاني/ يناير 2012 من تشكيل الحكومة والتي ضمت 31 وزيراً منهم 11 من “حزب العدالة والتنمية” المغربي، بينهم سيدة هي السيدة بسيمة الحقاوي، وكأن الأمر بمثابة إعلان عن تغيير سياسة الحزب الإقصائية تجاه المرأة.
ولم يكن “حزب العدالة والتنمية” المغربي هو الجماعة الإسلاموية الوحيدة في المغرب وإنما يوجد أيضاً “جماعة العدل والإحسان” وهي تعد من أكبر التنظيمات الإسلامية بالمغرب أسسها الشيخ عبد السلام ياسين سنة 1987، وقد كان مرشدها العام لغاية وفاته سنة 2012، وهي جماعة صوفية ولكنها تختلف عن باقي الطرق الصوفية بمعارضتها السياسية.
ولذلك هي تنأى بنفسها عن المشاركة الفعلية في الحياة السياسية خوفاً من تأثيرها على منهجها الدعوي، ويمكن هذا الحذر هو الذي جعل هذه الجماعة بعيدة عن مستوى كل الشبهات في العملية الإرهابية الحاصلة في الدار البيضاء سنة 2003 بعكس حزب “العدالة والتنمية” المغربي الآنف ذكره.
بعد أحداث “الربيع العربي”
كباقي الدول تأثرت النظم السياسية بالمغرب بأحداث “الربيع العربي”، وتم تشكيل “حركة 20 فبراير” كحركة احتجاجية مطالبة السلطة الحاكمة بالقيام بإصلاحات، وقد ضمت هذه الحركة العديد من الفصائل السياسية من بينها جماعة “العدل والإحسان” المغربية، التي انسحبت لاحقاً على اعتبار أن هذه الحركة حادت عن الأهداف الرئيسة التي أساسها الإصلاح، وأصبحت تتكلم وفقا لأيديولوجيا معينة هم يرفضونها، كما أنها تصنع “خصوماً وهميين” على حد تعبير أحد أعضاء الجماعة، والذي يؤكد أن هدفهم هو الإصلاح.
وعلى إثر الحراك الاحتجاجي آنذاك قام النظام الحاكم بتعديل الدستور ليؤكد فيه على تفعيل الملكية الدستورية، وكذلك تقليص بعضاً من صلاحيات الملك، وهذا ما رفضته جماعة “العدل والإحسان” على اعتبار أن الدستور في ذاك الوقت غير ديمقراطي، “ولا يتناسب مع المغرب المرغوب فيه لأنه لا ينبع من إرادة الشعب، وإنما جاء فقط لإحتواء غضبه، كما تساءلت عن المساحة الفعلية لصلاحيات الملك”، وهذا الموقف دفع بالكثير من المختصين والباحثين في المجال السياسي لرصد بعض التوقعات والسيناريوهات المتوقعة لخطوات جماعة “العدل والإحسان” والتي من بينها:
هل ستفتح الجماعة باباً للحوار والمصالحة مع القصر والتماهي معه في الجانب السياسي؟ أم أنها ستبقى على موقفها المعرض والرافض للمشاركة السياسية؟
لكن الأهم للخبراء وقتها هل يمكن للجماعة أن تبني تحالفات سياسية مع أطراف بعينها والمقصود هنا من تم تهميشهم من قبل السلطة الحاكمة سواء كانوا ينتمون لنفس التوجهات الدينية والفكرية كحزب “العدالة والتنمية” المغربي، أو التيارات الحزبية والسياسية الأخرى، وبالتالي فتح باب السياسة التشاركية على غرار تجربة مصر وتونس.
لكن كل هذه التوقعات تم تفنيدها من قبل جماعة “العدل والإحسان” خاصة في ظل إصرارها على اتخاذ موقف المعارضة، وعدم تفعيل مشاركتها في الحياة السياسية للمغرب والالتزام بمنهجها الدعوي.
في المقابل نجد أن حزب “العدالة والتنمية” الإسلاموي لم يكن له نفس سياسة الجماعة السالف ذكرها، فقد اختار هذا الحزب تقديم تنازلات والاصطفاف مع النظام الحاكم في مقابل الحصول على امتيازات سياسية تخول له تصدر المشهد السياسي بالمغرب، وهذا عقب تداول تصريحات لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، التابع للحزب بأنه “موظف لدى الملك” وهذا ما اعتبره المختصين في الشأن السياسي دخول الحزب في جلباب القصر الحاكم آنذاك، بل وقد هاجم الحزب جماعة “العدل والإحسان” محذراً إياهم بما أسموه “اللعب بالنار”، كما دعوهم للانضمام لهم في مسيرة المغرب الإصلاحية، والحقيقة هي دعوة للكف عن معارضة القصر.
وهذا ما يدل على أن جماعات الإسلام السياسي توظف كل الوسائل فقط لحماية مصالحها والحصول على امتيازات يدعم حضورها في السلطة وللأسف دائماً ما يوظفون الدين كوسيلة للتعبئة والحشد، والأنكى يستحضرونه دائماً في خطاباتهم لتبرير توجهاتهم، وهذا ما لاحظناه بوضوح، فعلى الرغم من أن هذا الحزب يسلّم للملك بـ”إمارة المؤمنين”، فإنه ظل ما بين عامي 2011 و2016 متشبثاً في خطاباته بالمرجعية الإسلامية واعتبارها الأساس القيمي والأخلاقي للمجتمع المغربي.
ويمكن القول إن هذا النهج الخطابي الذي اعتمده الحزب هو السبب في اكتسابه للقاعدة الشعبية، خاصة وأن المجتمع المغربي مازال أغلبه متشبه بالمنظومة الدينية، وهذا ما مهد له الفوز بدورتين متتاليتين في الانتخابات البرلمانية، لكن رغم الفوز، اعتبر المغاربة أن أنهم عاشوا أسوأ عشرية في ظل حكومات حزب “العدالة والتنمية” الإسلاموي، فلا إصلاحات تنموية أو اقتصادية بل على العكس تمام تدهورت أوضاع المواطنين وتفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وكثرت الاحتجاجات وتقريباً نفس الملامح المشتركة بين الدول التي سيرتها حكومات الإسلام السياسي باختلاف طبيعة الحكم والسياسة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.