في تقرير جديد صدر اليوم الأربعاء، تحدثت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن انتهاكات مزدوجة للقوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية تجاه اللاجئين السوريين، لمنعهم من الوصول إلى أوروبا، وإعادتهم قسرا من لبنان إلى سوريا، من دون التفكير في مصيرهم.

 التقرير الصادر في 90 صفحة، بعنوان “لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان”، يوثق سبب سعي اللاجئين السوريين في “لبنان اليائس” إلى المغادرة ومحاولة الوصول إلى أوروبا، وكيفية اعتراض الجيش اللبناني لهم وطردهم فورا إلى سوريا.

بينما قام خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى بإعادة السوريين الذين وصلت قواربهم إلى قبرص من لبنان، دون اعتبار لـ وضعهم كلاجئين أو خطر طردهم إلى سوريا، إذ طرد الجيش اللبناني العديد من الذين أعادتهم قبرص إلى لبنان إلى سوريا على الفور.

طرد جماعي

وثّقت “هيومن رايتس ووتش” حالات الأشخاص الذين أُعيدوا بين آب/أغسطس 2021 وأيلول/سبتمبر 2023، لكنّ لبنان أكد لـ “هيومن رايتس ووتش” أنه طرد السوريين الذين أعادتهم قبرص في نيسان/أبريل الفائت، وأعلن عن عمليات إرجاع جديدة في آب/أغسطس المنصرم.

لاجئون سوريون في لبنان - انترنت
لاجئون سوريون في لبنان – انترنت

 بحسب التقرير فقد طردت السلطات القبرصية المئات من طالبي اللجوء السوريين بشكل جماعي دون السماح لهم بالوصول إلى إجراءات اللجوء، وأجبرتهم على ركوب سفنٍ سافرت بهم مباشرة إلى لبنان. قال الأشخاص المُبعدون إن عناصر الجيش اللبناني سلّموهم مباشرة إلى جنود سوريين ومسلحين مجهولين داخل سوريا.

وبمجرد وصولهم إلى سوريا، تعرض اللاجئون المبعدون ليس فقط للاحتجاز من قبل الجيش السوري، بل للابتزاز من قبل مسلحين مقابل دفع المال لتهريبهم إلى لبنان مجددا.

قالت الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في “هيومن رايتس ووتش” نادية هاردمان، إن لبنان ينتهك الحظر الأساسي على إعادة اللاجئين إلى حيث يواجهون الاضطهاد، عبر منع اللاجئين السوريين من المغادرة لطلب الحماية في بلد آخر، ثم إعادتهم قسرا إلى سوريا، بينما يساعد الاتحاد الأوروبي في دفع التكلفة. وتنتهك قبرص هذا الحظر أيضا من خلال دفع اللاجئين إلى لبنان حيث قد يتعرضون للإعادة إلى الخطر في سوريا.

قدّم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى مختلف السلطات الأمنية اللبنانية تمويلا يصل إلى 16.7 مليون يورو بين 2020 و2023 لتنفيذ مشاريع إدارة الحدود التي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز قدرة لبنان على الحدّ من الهجرة غير الشرعية. في أيار/مايو 2024، خصص حزمة أوسع بقيمة مليار يورو للبنان حتى 2027، بما في ذلك أموالٍ لتزويد “القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية الأخرى بالمعدات والتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب”.

اعتراض القوارب

يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد السكان في العالم، بما في ذلك 1.5 مليون لاجئ سوري، في الوقت الذي يعاني فيه من أزمات متعددة ومتراكمة أدت إلى ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة لكل من يعيش هناك.

لاجئون سوريون يستعدون للعودة إلى بلادهم انطلاقا من وادي حميد على مشارف بلدة عرسال. الحدودية اللبنانية-السورية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022. © رويترز.
لاجئون سوريون يستعدون للعودة إلى بلادهم انطلاقا من وادي حميد على مشارف بلدة عرسال. الحدودية اللبنانية-السورية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022. © رويترز.

 تساهم هذه الأوضاع في الظروف التي تدفع العديد من اللاجئين السوريين إلى المغادرة إلى أوروبا، نظرا لعدم وجود مسارات هجرة قانونية وخوفا من الاضطهاد في سوريا، إذ قال العديد من الذين قابلتهم “هيومن رايتس ووتش”، إن رحلات العبور غير النظامية بالقوارب هي السبيل الوحيد المتاح لهم لحياة آمنة وطبيعية.

في إحدى الحالات، أنقذ الجيش اللبناني في عملية إنقاذ مشتركة مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” 200 راكب من قارب غارق وأعادتهم إلى مرفأ طرابلس اللبناني في الأول من كانون الثاني/يناير 2023 يناير، ثم طرد الجيش بعد ذلك هؤلاء السوريين بإجراءات موجزة عبر معبر “وادي خالد” في شمال لبنان.

وبحسب تقرير “رايتس ووتش”، قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إنهم ناشدوا مرارا عناصر الجيش اللبناني والأمم المتحدة عدم إعادتهم إلى لبنان خشية طردهم إلى سوريا.

وصف الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات الذين تمكنت قواربهم من الوصول إلى المياه القبرصية استخدام سفن خفر السواحل القبرصية مناورات خطيرة لاعتراض القوارب، إذ اعترض خفر السواحل أيضا أحد القوارب ثم تركوه يجنح طوال الليل دون تقديم الطعام أو أي مساعدة أخرى للأشخاص الذين كانوا على متنه.

إضافة إلى ذلك، قامت عناصر من الشرطة القبرصية بتقييد معصمي صبي (15 عاما) غير مصحوب بذويه ووضعوه على متن سفينة قبرصية أعادته مباشرة إلى مرفأ بيروت. ثم قام الجيش على الفور بترحيل الطفل مع مجموعة من السوريين الآخرين عبر “معبر المصنع” الحدودي مع سوريا.

انتهاكات للاتفاقيات

تشكّل عمليات الطرد بإجراءات موجزة هذه انتهاكا لالتزامات لبنان كطرف في “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب” وبموجب مبدأ القانون الدولي العرفي بعدم الإعادة القسرية للأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد. احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم وفصلهم عن أسرهم وغير ذلك من الانتهاكات ينتهك التزامات لبنان في مجال حقوق الطفل.

خفر السواحل القبرصي يوقف مركبا للاجئين سوريين - شبكة سي تي في الكندية
خفر السواحل القبرصي يوقف مركبا للاجئين سوريين – شبكة سي تي في الكندية

تعتبر عمليات الصد في قبرص عمليات طرد جماعي محظورة بموجب “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، وتنتهك حظر الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية.

تؤكد “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين” المكلّفة بتوفير الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية للاجئين، أن سوريا غير آمنة للعودة القسرية وأنها لا تسهّل ولا تُشجع العودة الطوعية.

وجدت “هيومن رايتس ووتش” أن الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء فيه، قدموا تمويلات كبيرة لإدارة الحدود اللبنانية دون ضمانات حقيقية لضمان عدم استخدام أموال الاتحاد الأوروبي من قبل جهات مسؤولة عن الانتهاكات أو المساهمة في إدامة الانتهاكات.

وختم التقرير بمطالبة هاردمان الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين أن ينشئوا على الفور آليات مباشرة ومستقلة لمراقبة الامتثال لحقوق الإنسان في عمليات مراقبة الحدود اللبنانية، بدلا من الاستعانة بجهات خارجية لارتكاب الانتهاكات، لطالما كافأ الاتحاد الأوروبي لبنان على منع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا بمشاريع إدارة الهجرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة