في السنوات الأخيرة، ثمة أمر لافت في العراق يرتبط بالأعمال الفنية الدرامية، إذ غالبا ما يقوم الوسط النخبوي من فنانين وأدباء وكتاب بدعم عمل ما والترويج له بشكل غير اعتيادي، حتى وإن كان العمل غير جيد أو ليس بالمستوى، وهنا فحوى المقالة، هو عن أسباب هذا الدعم والترويج. 

تبرير الوسط النخبوي 

الدعم من الوسط النخبوي للأعمال الدرامية، تجاوز الحدود، لدرجة أن جل الآراء النخبوية متشابهة، كلها تشيد بالعمل، وهذا ما ينعكس على الجمهور، إذ يتخذ قراره بحماس واندفاع لمشاهدة العمل الذي يتم الحديث عنه، لثقته بما يقوله النقاد كما يفترض، ثم يصاب بالصدمة حين يشاهد المسلسل. 

هذا ما حدث بالضبط مع مسلسل “الجنة والنار” الذي جرى عرض الجزء الأول منه مؤخرا، وصناعه في صدد عرض الجزء الثاني منه بدءا من هذه الليلة. هذا العمل تم الترويج له من قبل النخبويين بشكل غير مسبوق، لم يشهده أي عمل آخر، ولم تجد من ينتقده أو يحلّله بحياد دون تلميع مفرط، باستثناء من هم على عدد الأصابع.

واقعيا، العمل مختلف عن الأعمال الدرامية الأخرى، وهذا لا يمكن أن يتم نكرانه، لكن المسلسل أيضا ليس بقدر الإشادة الكبيرة التي نالته من النخبة، فمن شاهده من الجمهور المتلقي، وجد ملاحظات عديدة عليه، لم يتطرق لها أهل النخبة في تدويناتهم ومقالاتهم عنه، وهنا كانت صدمتهم بهذا الوسط؛ لأنه حفّزهم على متابعة عمل كانوا يعتقدونه أنه “تحفة فنية”، لكنه كان عملا عاديا، فيه إيجابياته، ولكن أيضا فيه سلبياته العديدة، التي لم يتم التطرق إليها.

طبعا لم يكن “الجنة والنار” وحده من نال هذه الإشادة الكبيرة من النخبويين، فقبله أعمال أخرى نالت ذات الأمر، مثل “العائلة إكس” و”بغداد الجديدة” وغيرهما، لكن “الجنة والنار” كانت حالته أكثر من بقية الأعمال، وهنا يبرر البعض من النخبة، أن هذا الدعم يقدّمونه على حساب التغاضي عن النقد الذي ينفع في تقويم الأعمال، هو من أجل تجديد الدراما وواقعها في العراق، ولذا يتم التركيز على الإيجابيات فقط.

الشلليّة والمصالح الشخصية

في هذا الصدد، علّق المدون العراقي محمد رياض عبر جداريته في “فيسبوك” حول جزئية دعم الدراما، متسائلا: “هو شنو يعني خل ندعم الدراما المحلية؟”، ليضيف: “هذا مصطلح غريب وما بي معنى”، لافتا إلى أنه كمتلقي ليس من واجبه دعم الدراما المحلية، بل الدراما هي من يتوجب عليها الارتقاء لحجم المنافسة وتجر المتلقي وتجذبه نحو رؤيتها.

ما لا يدركه الوسط النخبوي أو قد يدركه ولا يهتم له، أن الدعم والإشادة المفرطتين دون نقد حقيقي بناء بهدف تجديد واقع الدراما، ينعكس سلبا أحيانا، فيتم تقديس العمل ومهاجمة كل من ينتقده، وهذا ما حصل بالفعل مع “الجنة والنار”، إذ ما أن ينتقده شخص ما، إلا وهوجم بشراسة، حتى من قبل بعض المشاركين في العمل، وهذا سببه التلميع من قبل الوسط النخبوي، الذي هنا شارك في الهدم بدل البناء. 

وبحسب فليب، فإن هناك دوافع شخصية، سواء كانت مادية أو تسعى إلى بناء علاقات مؤثرة، ففي بعض الحالات يمتد الأمر إلى حد التغاضي عن الجوانب السلبية لتلك الأعمال، وذلك بهدف تحقيق الشهرة والانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك تعود وتؤكد بأن الشكل الأكثر انتشارا هو “الشلة”، إذ تتضافر جهود مجموعة من الأفراد للترويج لبعضهم البعض، بغض النظر عن جودة العمل الذي يتم تقديمه.

في النهاية، الإشادة بالعمل الفني ليست مثلبة، لكن أن تكون بقدر العمل وقيمته، والمجاملة مطلوبة أحيانا شريطة أن لا تتجاوز الحدود وتصل إلى التلميع المفرط على حساب عقل المتلقي، فالأخير بات يعي جيدا الأعمال الجيدة من عدمها حين يتابعها، ويحكم عليها بعقلانية، ويفصّل سلبياتها وإيجابياتها، وهذا من المفترض أن يكون دور الناقد أيضا، لا أن يكون طبّالا لأجل مكتسبات خاصة أو ما شابه ذلك. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات