بشار الأسد الحلقة الضعيفة في المحور الشيعي.. حليف مشكوك فيه؟

بشار الأسد الحلقة الضعيفة في المحور الشيعي.. حليف مشكوك فيه؟

خلال الأسبوع الفائت، كبدت إسرائيل “حزب الله” اللبناني الحليف الأبرز للرئيس السوري، بشار الأسد، العشرات من الخسائر، كان أبرزها إبراهيم عقيل العضو في المجلس الجهادي للحزب – وهو أعلى هيئة عسكرية – ومؤسس قوة “الرضوان”، والذي أيضا كان له نشاط عسكري كبير في سوريا بعد دخول “حزب الله” على خط الصراع المسلح بين النظام والمعارضة إثر اندلاع الاحتجاجات السورية. 

خسائر “حزب الله” وإيران من خلفه وحتى حركة “حماس” التي خسرت معظم قادتها وسيطرتها على عزة منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، كان غالبا تشيح الأصابع والأعين بعدها مباشرة إلى الأسد الذي إما كانت إدارته تلتزم الصمت أو تصدر بيانات معومة لا تريد بها ربط نفسها بما تسميه إيران “محور المقاومة”. 

لطالما اعتُبر الرئيس السوري بشار الأسد لاعباً رئيسياً في ما يسمى ”المحور الشيعي“، وهو تحالف يضم إيران وحزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية والعراقية وجماعة “الحوثي” اليمنية. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الأسد قد يكون الحلقة الأضعف في هذا التحالف، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمواجهة مع إسرائيل.  

هذا التحليل يتعمق في الأسباب الكامنة وراء إحجام الأسد عن الدخول في صراع مع إسرائيل، على الرغم من التوترات المتزايدة في المنطقة. خصوصا أن هناك تساؤلات ملحة حول موقف بشار الأسد من إسرائيل، ولماذا حليف إيران و”حزب الله” متردد في مواجهة تل أبيب، أو يحاول جاهدا التهرب من المواجهة الكبرى؟ 

موقف سوريا التاريخي تجاه إسرائيل 

لفهم أهمية موقف الأسد الحالي، من الضروري مراجعة علاقة سوريا التاريخية مع إسرائيل: 

1. 1948-1967: انخرطت سوريا، إلى جانب دول عربية أخرى، في صراعات متعددة مع دولة إسرائيل التي كانت حديثة النشأة. 

2. حرب الأيام الستة عام 1967: استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان من سوريا، وهي منطقة لا تزال محل نزاع حتى يومنا هذا. 

3. حرب يوم الغفران عام 1973: شنت سوريا بالتحالف مع مصر هجوماً مفاجئاً على إسرائيل لكنها فشلت في نهاية المطاف في استعادة مرتفعات الجولان. 

4. حرب لبنان 1982: اشتبكت القوات السورية مع القوات الإسرائيلية في لبنان. 

5. عام 2000: مواجهات غير مباشرة متقطعة، بما في ذلك غارات جوية إسرائيلية على الأراضي السورية. 

6. بعد عام 2003: لم تشتبك دمشق عسكريا مع إسرائيل، بل قصفت إسرائيل العديد من المواقع السورية والتي غالبا ما ترتبط بإيران والتي اشتدت حدتها بعد عام 2011. 

وبالنظر إلى هذا التاريخ ولا سيما بعد تولي بشار الأسد مقاليد السلطة، يمثل موقف سوريا السلبي الحالي تحولاً كبيراً في مقاربتها للصراع الإسرائيلي. 

الحاكم المنهك من إيران 

تركت الحرب السورية التي استمرت أكثر من عقدًا من الزمن، والتي بدأت في أعقاب الاحتجاجات عام 2011، أثرًا لا يمحى على القدرات العسكرية للبلاد وحسابات الأسد الاستراتيجية. 

تشرح الدكتورة أميرة سعد، أستاذة الدراسات الشرق أوسطية لـ”الحل نت”: ”خرج الجيش السوري من الحرب مستنزفًا بشدة. وفي حين أنه استعاد السيطرة على جزء كبير من البلاد، إلا أنه بعيد كل البعد عن القوة التي كان عليها قبل عام 2011. ويعلم الأسد أن الاشتباك مع إسرائيل الآن سيكون انتحارًا“. 

يشير تحليلنا للتقارير الاستخباراتية إلى أن البنية التحتية العسكرية السورية لا تزال متضررة بشكل كبير. وتشمل النتائج الرئيسية ما يلي: 

– انخفاض تقديري بنسبة 40% في عدد الطائرات العاملة مقارنة بمستويات ما قبل الحرب. 

– استنزاف حاد في عدد الأفراد العسكريين ذوي الخبرة، حيث تعمل العديد من الوحدات بنسبة 60-70% من قوامها قبل الحرب. 

– الاعتماد المستمر على الدعم الروسي والإيراني للأسلحة المتطورة والتدريبات الروسية والإيرانية. 

تساهم هذه العوامل في إحجام الأسد عن المخاطرة بمواجهة مع الجيش الإسرائيلي المتفوق تكنولوجيًا. 

بقاء النظام كتوجه رئيسي 

تشدد مصادر متعددة مقربة من الحكومة السورية، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، على أن تركيز الأسد الأساسي لا يزال منصباً على توطيد حكمه داخل سوريا. 

يقول دبلوماسي سوري سابق انشق في عام 2013 لـ”الحل نت”: ”بالنسبة للأسد، فإن بقاء النظام يتفوق على جميع الاعتبارات الأخرى”. ويضيف “لقد أنفق موارد هائلة ورأس مال سياسي هائل لمجرد البقاء في السلطة. إن فتح جبهة جديدة مع إسرائيل سيعرض كل ما حارب من أجل الحفاظ عليه للخطر“. 

هذا المنظور تدعمه سياسات الأسد الداخلية منذ استعادته السيطرة على جزء كبير من سوريا: 

– إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها النظام. 

– جهود تطبيع العلاقات مع الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن والإمارات العربية المتحدة. 

– قمع المصادر المحتملة للمعارضة الداخلية. 

– الإدارة الحذرة للعلاقات مع روسيا وإيران للحفاظ على الدعم دون التخلي عن الكثير من السيطرة. 

وهنا تشير هذه الإجراءات إلى تركيز القائد على الاستقرار الداخلي بدلاً من المواجهة الخارجية. 

“حماس”: النزاعات العالقة والتحالفات المتغيرة 

على عكس التصور الشائع عن وجود جبهة موحدة معادية لإسرائيل، تكشف التحليلات عن وجود توترات كبيرة بين بشار الأسد وحركة “حماس”، وهي الجماعة الفلسطينية التي تسيطر على غزة. 

يقدّم الدكتور خليل جهشان، المدير التنفيذي لـ “المركز العربي”، السياق: ”ينسى الكثيرون أن قيادة حماس دعمت علنًا المعارضة السورية خلال السنوات الأولى من الحرب. وقد اعتُبر ذلك خيانة من قبل الأسد، ولم تندمل الجراح بشكل كامل”. 

نقاط الخلاف الرئيسية تشمل: 

– دعم حماس لجماعات المعارضة السورية بين عامي 2011 و2013 

– الخلافات حول دور جماعة “الإخوان المسلمين”، التي يعتبرها الأسد تهديداً له. 

– التنافس على الموارد الإيرانية والاهتمام الإيراني داخل ”محور المقاومة“. 

وفي حين كانت هناك محاولات للمصالحة، تشير مصادرنا إلى أن الثقة لا تزال منخفضة وبعيدة حاليا. ويقول مسؤول في الجيش السوري، متحدثًا بشكل غير رسمي، إن الإدارة العامة في المخابرات السورية قالت بعد اندلاع معركة “طوفان الأقصى” خلال اجتماع دوري: ”نحن لسنا على وشك التضحية بأمننا من أجل جماعة أدارت ظهرها لنا عندما كنا نقاتل من أجل البقاء“. 

تساعد هذه العلاقة المعقدة في تفسير سبب عدم اندفاع الأسد للدفاع عن “حماس” في نزاعاتها مع إسرائيل، على الرغم من الدعم الخطابي للقضية الفلسطينية. 

الحسابات الجيوسياسية: تكلفة الصراع 

ينبع إحجام الأسد عن الاشتباك مع إسرائيل عسكريًا أيضًا من تقييم رصين للتكاليف والفوائد المحتملة. 

يقول الدكتور جورج سركيس، المحاضر في الجامعة اللبنانية الدولية: ”لدى الأسد كل شيء ليخسره وقليل من المكاسب من الحرب مع إسرائيل. فهو ينظر إليه بالفعل على أنه منبوذ في الغرب، ومن شأن الصراع أن يعزز هذا الوضع، وربما يستدعي المزيد من التدخل الدولي“. 

يحدد تحليلنا العديد من العوامل التي تحدد حسابات الأسد للتكاليف والفوائد: 

– خطر خسارة الأراضي التي استعادها مؤخرًا لصالح الجماعات المتمردة على حكمه إذا تم تحويل الموارد العسكرية. 

– احتمال أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى إلحاق المزيد من الضرر بالبنية التحتية الحيوية. 

– تهديد المكاسب الدبلوماسية الأخيرة مع الدول العربية الحذرة من المواجهة مع إسرائيل. 

– عدم اليقين بشأن مستوى الدعم الذي قد تتلقاه سوريا من إيران وروسيا في صراع طويل الأمد. 

كما تدعم البيانات الاقتصادية هذا النهج الحذر. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة تقدر بـ60 % منذ عام 2011، وتواجه البلاد نقصاً حاداً في السلع الأساسية. وعليه فإنه لا يمكن للأسد ببساطة أن يتحمل اقتصاد الحرب في الوقت الحالي. 

المحور الشيعي: دور سوريا 

في حين أن سوريا لا تزال اسمياً جزءاً من ”المحور الشيعي“ الذي تقوده إيران، إلا أن الحقائق تشير إلى أن دورها والتزامها بهذا التحالف قد تطور. 

بشار الأسد الذي زار موسكو مؤخرا، وزيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، إلى دمشق في منتصف أيلول/سبتمبر الجاري، يبدو أن دمشق باتت صوريا ضمن “محور المقاومة” عسكريا ولن تنخرط ضمن مشاريع إيران العسكرية، ومن خلال تحليل التحركات الدبلوماسية الأخيرة، فإن: 

– زيادة الجهود السورية لموازنة العلاقات مع إيران وروسيا. 

– التردد في الاصطفاف الكامل مع موقف إيران الأكثر صدامية تجاه إسرائيل. 

– محاولات لإعادة بناء العلاقات مع دول الخليج العربية التي تنظر إلى إيران بعين الريبة والشك. 

تشرح الدكتورة سنام فاكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط لـ”الحل نت”: ”يلعب الأسد لعبة توازن دقيقة. فهو يحتاج إلى دعم إيران، لكنه يدرك أيضاً أن تقاربه الشديد مع إيران قد يعيق إعادة تأهيله في العالم العربي وخارجه“. 

ويتجلى هذا التوازن في نهج سوريا تجاه إسرائيل. ففي الوقت الذي يسمح فيه الأسد لإيران بتأسيس وجود عسكري في سوريا، وافق الأسد أيضاً على الضربات الجوية الإسرائيلية التي تهدف إلى الحد من هذا الوجود، شريطة ألا تهدد نظامه مباشرة. 

هل يدخل الأسد في حرب مع إسرائيل؟ 

يشير تحليلنا إلى العديد من التداعيات الرئيسية على الديناميكيات الإقليمية والسيناريوهات المستقبلية المحتملة: 

1. باستثناء حدوث تغييرات كبيرة في المشهد الإقليمي، تبقى المواجهة العسكرية المباشرة بين سوريا وإسرائيل غير محتملة على المدى القريب. 

2. قد يؤدي إحجام الأسد عن الالتزام الكامل بالمواجهة مع إسرائيل إلى توترات مع إيران و”حزب الله”، مما قد يؤدي إلى إضعاف التحالف. 

3. يمكن لنهج الأسد البراغماتي أن يخلق فرصاً للدبلوماسية عبر القنوات الخلفية، مما قد يؤدي إلى خفض التوترات الإقليمية، ويبدو أن هذا ما يسعى له الأسد في الوقت الحالي ليكون خيار الدول الغربية لفتح باب الحديث معه. 

4. من المتوقع أن يعطي الأسد الأولوية للانتعاش الاقتصادي والاستقرار السياسي على المغامرات العسكرية الخارجية. 

5. من المرجح أن يشجع موقف الأسد السلبي إسرائيل على مواصلة سياسة الضربات المستهدفة في سوريا عندما ترى تهديدات لأمنها. 

في النهاية، يبدو أن بشار الأسد لديه صورة معقدة للحسابات الاستراتيجية فيما يتعلق بإسرائيل. فبعيداً عن كونه شريكاً موثوقاً في مواجهة ”المحور الشيعي“ مع إسرائيل، يظهر الأسد كشريك براغماتي يركز في المقام الأول على أمن النظام والاستقرار الداخلي. 

فالآثار العالقة للحرب الأهلية السورية، والخلافات العالقة مع “حماس”، والحسابات الجيوسياسية الدقيقة، والتوازن الدقيق داخل المحور الشيعي، كلها عوامل تساهم في إحجام بشار الأسد عن المخاطرة في الصراع مع إسرائيل. ويمثل هذا الموقف تحولاً كبيراً عن موقف سوريا التاريخي وله آثار مهمة على الديناميكيات الإقليمية. 

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول في العمق

جديداستمع تسجيلات سابقة