مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، بات الاقتصاد التركي يواجه خطرا كبيرا في المستقبل القريب، حيث تتراجع قيمة الليرة التركية بشكل مستمر، وهو ما يؤثر على الحياة المعيشية للأفراد والتعاملات التجارية في الأسواق. وبحسب تقارير محلّلي “مورغان ستانلي”، فإن الليرة التركية قد تتراجع إلى 26 ليرة لكل دولار واحد في وقت قريب، وقد تصل إلى 28 ليرة لكل دولار بحلول نهاية العام الجاري، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الوضع.

من المعروف أن سياسة الرئيس التركي أردوغان المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة هي السبب الرئيسي وراء هذا التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية. وإذا استمرت هذه السياسة دون تغيير، فإن النتائج ستكون كارثية على الاقتصاد التركي وعلى حياة المواطنين.

في المقابل، ألقت حالة عدم استقرار قيمة الليرة التركية وانخفاضها أمام الدولار الأميركي، بظلالها على الحياة المعيشية والعمال والتعاملات التجارية في أسواق مدينة إدلب، وأدت إلى تراجع حركة البيع والشراء في معظم المحال، خصوصا بعد استبدال العملة التركية بالسورية في شمال غرب البلاد بعد وصول سعر الصرف إلى حدود 3500 ليرة سورية للدولار الواحد في حزيران/يونيو 2020.

معضلة السياسة النقدية لأردوغان

ما يتداوله الجميع أن على القادة السياسيين في تركيا اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الوضع، وخاصةً فيما يتعلق بسياسة الفائدة، وذلك لمنع حدوث أي تدهور في الاقتصاد التركي. ويجب أن يكون الجميع على استعداد لما قد يحدث في المستقبل، وأن يتعلموا كيفية التعامل مع هذا الوضع المتدهور، والذي قد يؤدي إلى حدوث إضرابات واحتجاجات في المستقبل القريب، إلا أن فوز أردوغان يشير إلى استمرار السياسية التي ينتهجها منذ عامين.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعرض عملة ورقية من الليرة التركية القديمة - "فرانس برس"
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعرض عملة ورقية من الليرة التركية القديمة – “فرانس برس”

الرئيس التركي تبنّى نهجا غير تقليدي من أجل الحدّ من ارتفاع معدلات التضخم، وذلك من خلال معدلات الفائدة المنخفضة. وقد ترك ذلك النهج الأسواق خاضعة لمزيج لا يمكن التنبؤ به من اللوائح والتدخلات الخاصة، مع اتخاذ تدابير جديدة بشكل غير رسمي وبصورة متكررة، بحسب صحيفة “بلومبيرغ” الأميركية.

بعد يومين من إعلان النتيجة النهائية للانتخابات التركية والتي فاز فيها أردوغان بفارق ضئيل عن منافسه كمال كليجدار أوغلو، هبطت الليرة إلى مستوى قياسي جديد، بعد أن لامست لفترة وجيزة مستوى 20.4295 مقابل الدولار، متجاوزة أدنى مستوى تم تسجيله الأسبوع الماضي عند 20.0913 مقابل الدولار.

ذلك النهج الذي يصرّ عليه أردوغان اضُطر معه مستثمرون أجانب إلى التخارج من السوق التركية. وعبّر عن ذلك انخفاض إجمالي الحيازات الأجنبية من الأسهم والسندات التركية بنحو 85 بالمئة، أو ما يقرب من 130 مليار دولار منذ العام 2013.

من دون تغيير في إطار السياسة الكلية لإعطاء الأولوية للتضخم واعتماد سياسات صديقة للسوق، يبقى الاقتصاد التركي معرّضا لمزيد من الحساسية للصدمات العالمية.

أثر السياسات “غير التقليدية”

المحلل الاقتصادي التركي ناغي بكير، بحسب موقع “سكاي نيوز”، يرى أن هناك نظرة سلبية لمستقبل الليرة التركية على المدى المنظور ما لم يحدث تغييرٌ في السياسات التركية.

صراف يعد الأوراق النقدية بالليرة التركية في مكتب صرافة في إسطنبول - إنترنت
صراف يعد الأوراق النقدية بالليرة التركية في مكتب صرافة في إسطنبول – إنترنت

هذه الرؤية ناتجة بحسب بكير، كون احتياطيات العملات الأجنبية المحدودة وأسعار الفائدة الحالية فإن الضغط على الليرة ثقيل، وهذه التطورات تعكس اعتقاد المشاركين في السوق بأن السياسات التقليدية، التي وعدت بها المعارضة السياسية، هي الطريقة الوحيدة لإخراج الاقتصاد التركي من أزمة محتملة.

التضخم في تركيا قد وصل إلى أعلى مستوى له في نحو ربع قرن تقريبا، قبل أن تتباطأ المعدلات دون مستوى الـ 44 بالمئة، طبقاً لبيانات شهر نيسان/أبريل الفائت.

بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن “المعهد التركي للإحصاء”، فإن التضخم في تركيا قد بلغ 50.5 بالمئة على أساس في شهر آذار/مارس الفائت، بعدما ارتفع إلى 85.5 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر 2022. ويأتي ذلك في وقت يتعهد فيه الرئيس التركي بخفض المعدلات إلى خانة الآحاد، مع رفع نسبة النمو إلى 5.5 بالمئة بحلول العام 2024.

الحكومة التركية بقيادة الرئيس أردوغان تسعى إلى تطبيق استراتيجية عامة تهدف إلى تخفيض معدل الفائدة، وذلك بغض النظر عن النماذج الاقتصادية العالمية. ويرى أردوغان أن هذه الخطوة ستشجع الإنتاج وتعزز النمو الاقتصادي، على الرغم من وجود بعض العقبات أثناء التطبيق.

لكن من المهم الإشارة إلى أن هذه السياسة ستؤدي إلى تدهور الاقتصاد التركي في المستقبل. ومع ذلك، فإن الرئيس التركي مصرٌّ على تطبيق هذه السياسة، وسيتم اختيار إدارة الاقتصاد الجديدة بناء على تلك التّوجهات وبما يتوافق مع سياسة خفض الفائدة.

أثر تتريك العملة على السوريين في الشمال

الحياة المعيشية للسوريين في شمال سوريا باتت تتأثر بشكل كبير بتراجع قيمة الليرة التركية، حيث يتم التعامل بشكل رئيسي بالدولار الأميركي والليرة التركية في تلك المناطق. وبسبب تراجع قيمة الليرة التركية، فإن الأسعار ترتفع بشكل كبير فيما يخص المواد الأساسية مثل الغذاء والملابس والوقود، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين ويجعل الحياة أكثر صعوبة.

الأوراق النقدية بالليرة التركية في أحد البنوك في بلدة سرمدا بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا - فرانس برس
الأوراق النقدية بالليرة التركية في أحد البنوك في بلدة سرمدا بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا – فرانس برس

الكثير من السوريين في شمال سوريا يعتمدون على العمل في القطاع الزراعي والصناعي، وتراجع قيمة الليرة التركية يؤثر بشكل كبير على هذه القطاعات ويجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للعمال. وقد أدى ذلك إلى تراجع حركة البيع والشراء في المنطقة، وتوقفت العديد من المشاريع الاقتصادية بسبب الصعوبات التي يواجهها الأشخاص في تمويلها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تراجع قيمة الليرة التركية يؤثر على العلاقات التجارية بين تركيا وسوريا، ويجعل الصادرات والواردات أكثر صعوبة. ويؤثر ذلك بشكل كبير على الاقتصاد المحلي ويجعل الأمور أكثر تعقيدا، فكل انخفاض لقيمة الليرة، يترافق مع ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل عام، نظرا لأن حركة الاستيراد تكون من خارج سوريا عبر تركيا، وأي تغير بسعر الليرة مقابل الدولار يؤثر بشكل سريع على السوق المحلية.

بعض التجار يلجأ إلى رفع أسعار موادهم وتثبيتها بالدولار، بينما يحاول آخرون التريّث بشراء البضائع لحين استقرار قيمة الليرة التركية وحركة السوق. خصوصا أن الليرة التركية تجاوزت خلال الفترة الماضية 22 ليرة لكل دولار واحد في الشمال السوري، في قيمة غير مسبوقة منذ اعتماد الليرة الجديدة في تركيا عام 2005.

هذا التأثير على المواطنين كان سببه حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة”، العاملتين في شمال غربي سوريا، حين اتخذتا قرارا غير مدروس بفرض الليرة التركية كعملة للتداول في حزيران/يونيو 2020، تحت ذريعة أنها أكثر استقرارا من الليرة السورية، إلى جانب تداول الدولار الأميركي في التعاملات التجارية الخارجية.

تأثير تراجع قيمة الليرة التركية على السوريين في شمال سوريا وحتى في تركيا يبدو أنه سيوجه المشهد نحو الإضراب على التداول بالعملة المحلية لأنقرة، خصوصا أن الشعبين يعانون من ظروف صعبة وعدم توفير الدعم اللازم لهم، وذلك لتخفيف الأعباء التي يواجهونها وتحسين جودة حياتهم، في ظل إصرار الرئيس التركي على سياسته غير التقليدية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات