منذ ما يقرب من عام، و الليرة التركية تشهد انخفاضا وتخبّطا مستمرا بمعدلات قياسية حتى استقرت خلال الشهرين الماضيين. لكن مع بدء تداول الأسواق المالية في أعقاب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت يوم الأحد الماضي، وسط اتجاه الانتخابات إلى جولة الإعادة، تراجعت الليرة بشكل كبير مرة أخرى.

الليرة التركية تراجعت إلى نحو 19.7631 مقابل الدولار الواحد وهو أسوأ مستوى لها منذ أوائل شباط/فبراير الماضي. ولم يكن ذلك بعيدا عن مستوى 19.80 الذي سجلته العملة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في السادس من ذات الشهر، وفقا لـ”رويترز”.

الليرة تراجعت بعد الانتخابات

نحو ذلك، استقرت الليرة التركية قرب أدنى مستوى في شهرين للتداولات المبكرة، اليوم الأربعاء، وارتفعت تكلفة التأمين على الانكشاف على ديون البلاد بعد النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية. وجرى تداول الليرة عند 19.7631 مقابل الدولار اليوم الأربعاء، وفق العديد من المواقع.

أحد شوارع تركيا- “إنترنت”

على الرغم من أن حزبي كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومنافسه المعارض، كمال كليجدار أوغلو، يزعمان تصدر السباق الانتخابي الذي جرى قبل أيام، فإن مصادرا في الجانبين أكّدت بأن أيّا منهما لم يتخطَّ عتبة الخمسين بالمئة للفوز من الجولة الأولى.

بعد فرز حوالي 99 بالمئة من أصوات الناخبين، أعلن رئيس “الهيئة العليا للانتخابات” أحمد ينير، حصول أردوغان على 49.40 بالمئة من الأصوات، فيما حصل منافسه كليجدار أوغلو على 44.96 بالمئة، وفقا لمراسل قناة “الحرة”. أما المرشح الرئاسي سنان أوغان فقد حصل على 5.2 بالمئة.

فارق مقايضة التخلف عن السداد لأجل خمس سنوات، قفز لـ 105 نقاط أساس عن مستويات الجمعة إلى 597 نقطة أساس وفقا لـ”ستاندرد اند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس”، وهو الأعلى منذ شباط/فبراير 2022.

هذا وتراجعت الليرة خمسة بالمئة منذ بداية العام، كما أنها فقدت حوالي 95 بالمئة من قيمتها على مدار العقد ونصف العقد الماضيين. وخسرت الليرة التركية 44 بالمئة من قيمتها في عام 2021، و30 بالمئة في عام 2022.  وتراجعت عملة البلاد بشكل إجمالي بـ 76 بالمئة في الولاية الرئاسية الثانية لأردوغان، والتي شهدت عدة أزمات على مستوى العملة بسبب السياسات الاقتصادية غير التقليدية وتطورات جيوسياسية مثل حرب أوكرانيا والخلافات بين أنقرة وواشنطن، حسبما ذكرت “رويترز”.

من جانبهم، حذر المستثمرون من تغيرات متزايدة في سوق السندات، كما نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن المتخصص في الأسواق التركية بشركة “كيه أن جي سيكيوريتيز” كاغري كوتمان، “الكل الآن في وضع الانتظار، فلا أحد يعرف كيف سيكون رد فعل السوق”. وأضاف “إذا ظل أردوغان في السلطة فسنرى شهادات التأمين على الدين ترتفع علاوتها إلى 7.5 بالمئة وربما أكثر من ذلك”.

قبل التصويت في الانتخابات التركية، كانت الأسواق التركية عامة تشهد ارتفاعا، وشهدت سوق سندات الدين السيادي التركي عمليات بيع مكثفة يوم الإثنين الماضي مع توجه الانتخابات للجولة الثانية وللمرة الأولى في تاريخ تركيا، والمقرر في 28 أيار/مايو الجاري.

توقعات سلبية

في المقابل، تشير النتائج غير المحسومة بيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، والذهاب لجولة إعادة بين أردوغان ومنافسه كليجدار أوغلو، فقد تراجع مؤشر بورصة إسطنبول بنحو 6.4 بالمئة مع بدايات التعامل يوم الإثنين الماضي.

هذه نتائج طبيعية بالنسبة للبورصة وسعر الصرف، لأنهما يتأثران بشكل كبير وسريع بالأحداث السياسية، سلبا وإيجابا، ولكن تبقى التداعيات الاقتصادية متوسطة وطويلة المدى، رهينة نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وفق مراقبين.

في إطار الجهود الحكومية للحد من هذا التراجع، يقول تيموثي آش، من شركة “بلو باي أسيت مانجمنت” إن الحكومة التركية ستبذل كل ما تستطيع للحفاظ على عدم انخفاض سعر صرف الليرة حتى انتخابات الإعادة، لكنها ربما تضطر إلى مزيد من التدخل لفترة أطول. ويضيف “سيكون سعر صرف الليرة هو ساحة المعركة، وإذا فاز أردوغان في الجولة الثانية فسنعود مرة أخرى لأزمة ميزان المدفوعات، فنحن نعرف القصة، أردوغان لا يريد رفع سعر الفائدة، وهناك طلب كبير على الدولار في تركيا ولا يوجد احتياطي كاف”، حسبما نقله موقع “إندبندنت“.

هذا وأدى العجز الكبير في الحساب الجاري ونقص احتياطات العملة الأجنبية إلى معاناة المستوردين في توفير الدولار، كما أن المواطنين يسعون إلى شراء العملات الأجنبية تحوّطا من احتمال تدهور سعر صرف العملة المحلية، وهو ما يزيد الضغط على الليرة إلى جانب معدلات التضخم المرتفعة أيضا.

تيموثي، أشار إلى أنه إذا فاز كمال كليجدار أوغلو في الجولة الثانية فإن سعر صرف العملة المحلية سيتدهور أيضا ليصل ربما إلى 25 ليرة مقابل الدولار، وذلك بسبب الطلب على العملة الخضراء، بينما إذا فاز أردوغان فيتوقع أن يهوي سعر الصرف بسرعة ليصل إلى ما بين 25 و30 للدولار.

تقرير لوكالة “بلومبيرغ إيكونومكس” الأميركية، المتخصصة في قضايا المال والاقتصاد، يقول إن تدخلات “البنك المركزي التركي” لدعم الليرة منذ كانون الأول/ديسمبر عام 2021 وحتى نهاية نيسان/أبريل الماضي وصلت ما يقرب من 177 مليار دولار. وفي السوق لدعم الليرة بلغت في شهر نيسان/أبريل لوحده نحو 30 مليار دولار.

لا يبدو أن هناك أي تغيير في الأفق فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية لأردوغان حال بقائه في السلطة، حيث إن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تستمر، خاصة وأن حكومة “حزب العدالة والتنمية” لم تستطع تحقيق كل الأهداف التي كانت توعد وتلوّح بها من حيث تحسين اقتصاد البلاد، والسبب الرئيسي وراء ذلك سياسي أكثر من أن يكون اقتصاديا. وبالطبع هذا لا يعني أن أردوغان لم يرتكب أخطاء مماثلة في المجال الاقتصادي. لكن أخطاءه أو سياساته الخاطئة في المجال الاقتصادي ليست دافعا أساسيا.

تداعيات زلزال شباط

في سياق متّصل، قال بعض المحللين من بنك “يو بي أس” إنه في حال استمرار الحكومة في دعمها سعر صرف الليرة سيكون “البنك المركزي التركي” مضطرا إلى رفع سعر الفائدة، للحيلولة دون تحول الودائع بشكل هائل إلى دولارية فقط. وخفض “البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية”، توقعاته لاقتصادات البلدان التي يتواجد فيها إلى 2.2 بالمئة خلال 2023، مقارنة بتوقعات سابقة عند 2.3 بالمئة.

اسطنبول- “إنترنت”

“البنك الأوروبي” لفت إلى بدء تراجع التضخم بعد ارتفاع أسعار الطاقة في أعقاب الحرب في أوكرانيا، لكن لا يزال متوسط التضخم 14.3 بالمئة في مناطق نشاط البنك خلال آذار/مارس الماضي. “البنك الأوروبي” خفض توقعاته لنمو اقتصاد تركيا بسبب تأثير كارثة الزلزال، بنصف نقطة مئوية إلى 2.5 بالمئة عام 2023، بعد تسجيلها نموا بنسبة 5.6 بالمئة عام 2022 مدفوعا أساسا بسياسة نقدية وصفها البنك بأنها غير تقليدية، تشمل خفض الفائدة رغم ارتفاع التضخم إلى 85 بالمئة خلال عام واحد في تشرين الأول/أكتوبر قبل أن ينخفض مؤخرا إلى 50 بالمئة.

بحسب تقديرات البنك، تتجاوز أضرار الزلزال 100 مليار دولار، لكن جهود إعادة الإعمار ستدفع النمو عام 2024 ليبلغ 3 بالمئة. وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد في “البنك الأوروبي”، بياتا يافورشيك، إنه في السنوات الأخيرة، أعطت تركيا الأولوية للنمو على استقرار الاقتصاد الكلي. هناك حدّ للمدة التي يمكن فيها تجاهل القوانين الأساسية للاقتصاد، مضيفة أنه في الوقت الذي تتجه فيه تركيا نحو جولة ثانية لانتخاباتها الرئاسية، فإنه بغض النظر عمن سيفوز، تنتظر الحكومة المقبلة خيارات صعبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات