تتوسع رقعة الصراع الروسي الأوكراني بعيدا عن الجغرافية الغربية، فمن السودان إلى مالي وسواهما من دول القارة الإفريقية التي تشهد حالة من الهشاشة الأمنية وعدم الاستقرار على عدة مستويات. وفي الشرق الأوسط، يبدو أن سوريا كان لها نصيب في هذا الصراع، في إطار جهود كييف لإجبار موسكو على إعادة توجيه أصولها العسكرية من أوكرانيا لتعزيز دفاعاتها في سوريا. وهو ما يظهر معارضة كييف النشطة لجهود روسيا لتوسيع نفوذها في المناطق الاستراتيجية حول العالم.
إلى جانب ذلك، تعمل أوكرانيا على مواجهة عملية تجنيد روسيا مرتزقة للقتال في أوكرانيا. حيث تقول كييف إن موسكو تقوم بتدريب مقاتلين سوريين بالقرب من حلب، ليتم منحهم جوازات سفر روسية قبل التحاقهم بالعمليات العسكرية ضد أوكرانيا. وهذا الاتهام الأوكراني لروسيا تعززه تقارير تناولت الجهود الروسية في هذا المجال، سواء من المحفظة السورية أو سواها. وآخرها إعلان الهند تسريح موسكو عددا من الهنود الذين تم استدراجهم ووعدوهم بأموال ووظائف، لكنهم أرسلوا إلى مناطق القتال في الأقاليم الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا.
عطفا على ذلك، ذكرت صحيفة “كييف بوست” أن قوات خاصة تابعة لمديرية المخابرات العامة التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية من مجموعة “خيميك” هاجمت، صباح الأحد 15 أيلول/سبتمبر الجاري، قاعدة روسية في مطار كويرس العسكري جنوب شرقي حلب، حيث يتم تصنيع طائرات مسيّرة هجومية، إضافة لإنتاج “عبوات ناسفة مموهة” تم تخزين رؤوسها الحربية في الموقع.
مع الأنباء المتداولة عن تسليم إيران صواريخ باليستية لروسيا، تتزايد احتمالات قيام كييف بعملياتها الخاصة في المنطقة لتقويض مصالح كل من طهران وموسكو. وستكون سوريا المسرح الأكثر احتمالا لهذه المواجهة إن حدثت.
ونشرت الصحيفة مقطع حصري حصلت عليه والذي صوره ضابط استخبارات، يظهر علم حزب الاتحاد الديمقراطي خلف ساتر ترابي على مسافة من مرآب يستخدم كقاعدة روسية، وبعد فترة وجيزة، يحدث انفجار في المنشأة الروسية، يليه تفجير ذخيرة. لكن لم يتمكن موقع “كييف بوست” من التحقق بشكل مستقل من مكان أو توقيت الهجوم، على الرغم من أنه يبدو أنه وقع في منطقة صحراوية وفي وضح النهار.
وبحسب مصادر “كييف بوست” في الخدمة الخاصة، نفذت مجموعة “خيميك” ضربة معقدة أخرى ضد القوات الروسية في سوريا في أواخر تموز/يوليو 2024. وهذه المرة، كان هدف الهجوم هو المعدات العسكرية الروسية في مطار كويرس الواقع شرقي حلب.
وقبلها، في حزيران/يونيو الماضي، نشرت الصحيفة الأوكرانية ذاتها، لقطات حصرية لقوات خاصة أوكرانية تهاجم نقاط تفتيش روسية ومعاقل ودوريات راجلة وأرتال من المعدات العسكرية في مرتفعات الجولان في سوريا. حيث أقامت موسكو أكثر من 10 نقاط مراقبة على طول المنطقة الحدودية بين الأراضي السورية، تتولى جمع معلومات استخباراتية عن الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل ضد الميلشيات الإيرانية في سوريا، والتي تشبه أسلحة غربية تم توريدها لأوكرانيا، وفقا لرئيس تحرير صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، ماوريتسيو موليناري. وتاليا، قد تؤدي هجمات كييف إلى تعطيل جهود جمع المعلومات الاستخباراتية الروسية، مما يعيق قدرتها على تحليل هذه الأسلحة في أوكرانيا والتكيف معها.
أوكرانيا تسعى لإضعاف روسيا
في أوائل عام 2023، وضعت وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية خططا لمهاجمة قوات روسية وقوات “فاغنر” الروسية في سوريا، عبر تدريب ضباط أوكرانيين لضرب أهداف روسية بواسطة طائرات مسيّرة، وفقا لما أوردته صحيفة “واشنطن بوست” نقلا عن وثيقة استخباراتية أميركية مسربة. لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أوقف تنفيذ هذه العمليات، رغم توفير الساحة السورية خيارات “الإنكار” لأوكرانيا.
وكان رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية الجنرال كيريلو بودانوف، قد أكد في وقت سابق من هذا العام التقارير التي تفيد بأن بلاده تقاتل المرتزقة الروس في إفريقيا. وأضاف بالقول: “نقوم بمثل هذه العمليات التي تهدف إلى الحد من الإمكانات العسكرية الروسية، في أي مكان يكون فيه ذلك ممكنا”.
إيرينا تسوكرمان، وهي خبيرة استراتيجية أميركية ومحامية أمن قومي أيضا، قالت لـ”الحل نت”، إن أوكرانيا تعمل على عولمة وتوسيع قواتها وعملياتها الخاصة، بهدف إضعاف روسيا على جبهات عسكرية متعددة، دون حصرها في أوكرانيا أو روسيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الجبهات الأخرى تساعد روسيا على تأمين الموارد التي تحتاجها لمواصلة القتال في أوكرانيا من حيث الدعم العسكري والسياسي.
تضيف تسوكرمان، “تعد سوريا جبهة واضحة للعمليات لأنها ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا، حيث توفر الوصول إلى بقية منطقة الشرق الأوسط، وتدمج بعض قدراتها مع المقاتلين المدعومين من إيران، وتتمتع بحماية حكومة دمشق، وتعزز مواقعها في مواجهة الولايات المتحدة”. وإلى جانب ذلك، شكّل تحرك القوات الروسية إلى هضبة الجولان تطورا جديدا وتصعيدا يظهر أنه رغم خسائرها العسكرية في أوكرانيا، فإن روسيا تهدف إلى توسيع وتعزيز وجودها في سوريا، التي يُنظر إليها على أنها مفيدة بشكل خاص بالنسبة لحلفاء محتملين مثل إسرائيل، التي تشعر بالقلق إزاء ما يسمى بـ “محور المقاومة” المتنامي، الذي لا يشمل وكلاء الميلشيات الإيرانية فحسب، بل قوات تنظيم (داعش) الإرهابي أيضا، وفق تسوكرمان.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن خلال جلسة لمجلس “الدوما” في أيلول/سبتمبر 2015، انخراط القوات الجوية الروسية في سوريا دون التورط بعمليات برية. ونظرا لصعوبة تغيير القوة الجوية وحدها لموازين الصراع بشكل حاسم، لجأ بوتين إلى مجموعة “فاغنر” لقيادة العمليات البرية الضرورية في سوريا.
لاحقا، دخلت قوات “فاغنر” المجال الاقتصادي، بعد منحها 25 بالمئة من إنتاج حقول الغاز والنفط ومناجم الفوسفات في المناطق التي كانت تحررها أو تحميها. مما علّمها إمكانية الاستفادة اقتصاديا من الدول التي تشهد صراعات داخلية، عبر عقد صفقات مع قيادتها المحلية الفاسدة. وهي تجربة أفادها للتفاوض على عقود استثمار طويلة الأجل مع قادة ميلشيات إفريقية، وفق تقارير صحفية.
وفي القارة السمراء، نمت استثماراتها لتشمل الذهب وألماس، إلى جانب النفط والغاز والفوسفات. كما شهدت أنشطتها في سوريا مزيدا من النمو نتيجة للقواعد البحرية والجوية الروسية. حيث أصبحت سوريا قاعدة لوجستية متقدمة لأنشطتها العالمية.
سوريا.. ساحة مرشحة لصراع الطرفين
مؤخرا، أشارت بعض المصادر الإعلامية إلى دعم أوكراني لهجوم تم تنفيذه من قبل متمردو الطوارق شمالي مالي، قريبا من حدودها مع الجزائر. أسفر الهجوم عن مقتل قرابة 84 عنصر من مرتزقة “فاغنر”، الموجودين إلى جانب قوات روسية دعما للحكم العسكري للبلاد، بعد انقلابي 2020-2021.
ادعاء موسكو بأن كييف تتعاون مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) هو محاولة روسية لربط حربها على أوكرانيا بالساحة السورية، مما يسمح لها بمواصلة استهداف منطقة إدلب، رغم تفاهماتها مع أنقرة. وهذا بالتالي يقوض النفوذ التركي هناك.
وفي تقرير سابق، تم إبراز الجهود الأوكرانية لضرب مصالح ومخالب روسيا العدائية في السودان. وقد أشار التقرير لمساعدة جنود أوكرانيين لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح لبرهان على الفرار من الخرطوم عندما أحاطت قوات “الدعم السريع” المدعومة من موسكو بمقره. إلى جانب تغيير قوات خاصة أوكرانية بقيادة ضابط مخابرات يعرف باسم “تيمور” لطبيعة الصراع، عبر توفير مسيّرات تتيح رؤية مباشرة للأهداف وشن غارات ليلية ضد قوات “الدعم السريع”.
ومع الأنباء المتداولة عن تسليم إيران صواريخ باليستية إلى روسيا، تتزايد احتمالات قيام كييف بعملياتها الخاصة في المنطقة لتقويض مصالح كل من طهران وموسكو، بحسب “مركز صوفان”. وستكون سوريا المسرح الأكثر احتمالا للاستخبارات الأوكرانية والعمليات الخاصة ضد المنشآت والأفراد الإيرانيين والروس هناك.
وفي سياق متصل، قالت تسوكرمان، إن توغل القوات الروسية قريبا من مرتفعات الجولان، كشف لإسرائيل أن علاقاتها مع روسيا في سوريا بعيدة كل البعد عن التعاون ضد الأهداف الإيرانية. ولهذا السبب، تجد أوكرانيا نفسها مدعومة ضمنيا من قبل إسرائيل في قرارها بتعطيل النشاط العسكري الروسي في سوريا، وربما مع بعض التنسيق اللوجستي أو الاستخباراتي. كما أن تركيا قد تنظر إلى هذه الهجمات باعتبارها تطورا إيجابيا لمصالحها، رغم تعاونها مع روسيا على جبهات أخرى، حيث تستفيد أنقرة من رؤية ضعف السيطرة العسكرية الروسية في سوريا.
فيما ينوه المحلل العسكري، الرائد يوسف الحمود، خلال حديثه “للحل نت” إلى أن ادعاء موسكو بتعاون كييف مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، هو محاولة روسية لربط حربها على أوكرانيا بالساحة السورية، بما يتيح لها مواصلة استهدافها لمنطقة إدلب، رغم تفاهماتها مع أنقرة. وهو ما يؤدي بالتالي لقضم النفوذ التركي في هذه المنطقة.
وكانت موسكو قد ادعت مؤخرا بأن كييف تعمل على تدريب مقاتلي “هيئة تحرير الشام” على تقنيات جديدة لإنتاج الطائرات المسيّرة بغية استخدامها ضد القوات الروسية المتواجدة في سوريا.
افتراءات بسبب التقدم الأوكراني ضد روسيا
استنادا إلى مصدر سوري مطلع، اتهمت صحيفة “ريا نوفوستي” الروسية كييف بالتنسيق مع واشنطن، بالعمل على تدريب مقاتلي “هيئة تحرير الشام” على تقنيات جديدة لإنتاج الطائرات المسيّرة.
ووفقا للمصدر ذاته “أجرى ضباط من الخدمات الخاصة الأوكرانية زيارة إلى إدلب للتنسيق والتخطيط لضربات ضد القوات الروسية بعد العمل على التقنيات الجديدة”.
في المقابل، نفى القيادي العسكري في “الهيئة” المصنفة على قوائم الإرهاب بأميركا، أبو مسلم الشامي، ما تم تداوله وزارة الخارجية الروسية وبعض وسائل الإعلام الروسية، حول تفاوض “الهيئة” مع أوكرانيا لإطلاق سراح معتقلين معادين لروسيا وإرسالهم للقتال في أوكرانيا مقابل تزويد “الهيئة” بـ 75 طائرة مسيّرة وعدد من المدربين للتنسيق لهجمات عسكرية.
وخلال حديثه “للحل نت”، قال الباحث والمحلل السياسي، محمد نذير سالم، إن الادعاء الروسي حتى الآن هو من وسائل إعلامية أكثر منه اتهام رسمي. وفي ظل نفي “هيئة تحرير الشام” هذا التعاون، وعدم تأكيده من قبل كييف، يمكن استبعاد مثل هذا التعاون، لا سيما إن كان بشكل مباشر.
يضيف سالم، سابقا حدث نوع من التنسيق عبر تركيا، وربما مع الاستخبارات الغربية عموما. خلاله تم نقل عدد من المقاتلين من ذوي الأصول الروسية والقوقازية من إدلب إلى جبهات أوكرانيا. وبالتأكيد تم التعاون حينها مع “الهيئة” التي تعمل على تعزيز وتوسيع “الاعتمادية” عليها لدى مختلف الدول. حيث تقدم عبر هذه الأعمال مبادرات تعبر بها عن “حسن السلوك والقدرة على عقد الصفقات”.
وكان موقع “المونيتور” الأميركي، قد أشار سابقا إلى وصول مقاتلين شيشانيين من “أجناد القوقاز” إلى أوكرانيا قادمين من إدلب. مشيرا إلى سببين وراء هذه العودة، أولهما الهرب من حملة القمع التي تمارسها “الهيئة” بحقهم. وثانيهما، الانتقام من روسيا وقوات حليف بوتين، الرئيس الشيشاني رمضان قديروف.
وعليه، ظهر قائد جماعة “أجناد القوقاز”، أورستيم آزيف، المعروف بعبد الحكيم الشيشاني، إلى جانب مقاتلين شيشانيين على جبهات مدينة باخموت شرق أوكرانيا، وعبر تسجيل مصور نشره جهاز المخابرات الأوكرانية سابقا أورد التسجيل، إن “المتطوعين الشيشان هم جزء من الفيلق الدولي، وهم يواصلون الدفاع عن أوكرانيا في النقاط الساخنة في الجبهة، ومن بين المتطوعين ‘عبد الحكيم’ بطل شعب إيشكيريا الشيشانية الذي تقاتل فرقته ضد الروس”.
لكن ادعاءات روسيا بالتعاون الأوكراني المزعوم مع “هيئة تحرير الشام” هي إسقاط لترتيبات موسكو الخاصة مع الفصائل الميلشياوية والمنظمات الإرهابية حول العالم مقابل متطوعين لعملياتها، سواء في إفريقيا أو أوكرانيا، بحسب تسوكرمان، مضيفة “في أحسن الأحوال، فإنهم منافقون لأن روسيا توصلت إلى ترتيبات “مفيدة للغاية” مع جماعة حزب الله اللبنانية والموالية لإيران في سوريا، وفي أسوأها، لا يعدو كونه أكثر من مجرد افتراء لتشويه سمعة العمليات الأوكرانية المتصاعدة من خلال ربطها بعلاقات محفوفة بالمخاطر مع الجماعات الإرهابية”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.