مع التطورات العسكرية في جنوب لبنان، منذ صادق مجلس الوزراء في إسرائيل “الكابينيت” على المرحلة الثانية في المواجهة ضد “حزب الله”، فإن العملية العسكرية “محددة الهدفة والدقة” التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي مع الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، تؤشر إلى عدة أهداف استراتيجية لن تتخلى عنها تل أبيب.
وتتمثل هذه الأهداف في تصفية وإنهاء البنى التحتية العسكرية للحزب المدعوم من إيران، والبحث عن الأنفاق وكافة الجيوب التي يتم استغلالها لتهديد الجبهة الشمالية في إسرائيل، وقطع الطريق عليه بخصوص الإمدادات التي يحتمي بها لوجيستيا وأمنيا من خلال الشريان الحدودي، وعزل قوات الحزب عن حيازة المنطقة لصالحه، وتحويل المدنيين في المنطقة لضحايا مصالحه ومغامراته السياسية.
وكان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، قد كتب على موقع التواصل الاجتماعي “إكس/ تويتر” سابقا: “الجيش لا يريد المساس بكم، ومن أجل سلامتكم عليكم إخلاء بيوتكم فورا”، وقال إن “كل من يتواجد بالقرب من عناصر حزب الله ومنشآته ووسائله القتالية يعرض حياته للخطر”. وتابع: “أي بيت يستخدمه حزب الله لحاجاته العسكرية من المتوقع استهدافه”.
إن تطبيق القرار الأممي 1701 محفوف بتعقيدات جمة. وبالتالي، فإن الأرض السياسية حبلى بالمتغيرات في ظل المشهد العاصف وجموح الوضع العسكري وسيولته، وقد باشرت إيران بإطلاق 102 صاروخ تجاه إسرائيل الذي ما زال بحاجة لان تتكشف تداعياته وما إذا كانت له تبعات أو سيكون مجرد ملء فراغ لحالة اللا موقف الإيراني والتعمية عن تخاذلها الذي تتهم به.
كما فرض الجيش الإسرائيلي منطقة عازلة بالنار في منطقة جنوب الليطاني بجنوب لبنان، تمنع عبور الناس من شمالها، وبحسب وسائل الإعلام، فقد أرغم أيضا ما تبقى من السكان على النزوح إلى مسافة تبعد 60 كيلومترا عن المنطقة الحدودية، في أوسع عملية إخلاء من نوعها تتزامن مع تضارب حول التوغل البري الذي قالت إسرائيل إنها بدأته، بينما نفى “حزب الله” و”الجيش اللبناني” وقوات “اليونيفيل” أي توغل داخل الأراضي اللبنانية.
لبنان.. استراتيجية إسرائيل تجاه “حزب الله”
استراتيجية الجيش الإسرائيلي تبدو واضحة باتجاه تصفية قوى طهران ووكلائها العسكرية والأمنية، خاصة في المناطق التي تشكل ارتكازات رئيسية يمكن من خلالها أن تكون ضمن مهددات الأمن الإسرائيلي، ولهذا تزامنت مع العملية “المحدودة” المعلن عنها في قرى جنوب لبنان، استهدافات في دمشق، كما سبقها بفترة وجيزة استهداف طاول معبر مطربا الحدودي المتاخم للحدود السورية اللبنانية، وذلك لتعطيل نقل “الأسلحة من سوريا لحزب الله” وفق ما ذكر الجيش الإسرائيلي.
وبحسب مصدر سياسي لبناني، فإن التصعيد الأمني الخطير الذي تشهده لبنان منذ مقتل زعيم “حزب الله” حسن نصرالله، هي “كرة النار واللهب” التي ستدرج لتحقق مآلات خطيرة ومعقدة، وستمتد تأثيراتها من لبنان وعلى المستوى السياسي المحلي إلى ما هو إقليمي، لافتا لـ”الحل نت”، إلى أن “القرار الإسرائيلي لم يعد يلجأ إلى خيار التفاوض إنما فرض أمر واقع ميداني من خلال العملية البرية المحدودة في القرى الجنوبية، ومن ثم، بحث خيارات الوضع في الجنوب، والمطلوب تحقيقه لاستعادة ليس فقط مرحلة ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، إنما إنهاء عسكرة الجنوب”.
ويشير المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن “المطلوب هو أن لا تكون هناك قوة ردع تمارسها إيران عبر وكلائها في جنوب لبنان، بما يفرض على الجيش اللبناني أن يعيد انتشاره وتموضعه في المناطق التي يتم إخلاء قوات حزب الله وأسلحته منها، وذلك مع قوات اليونيفيل، وسيكون من الضروري أن تحظى هذه التفاهمات بضمانات من قوى إقليمية ودولية، لا سيما دول الخماسي المعنية بلبنان (مصر وقطر والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة)”.
وأكد على أن “خطط إسرائيل لن تنتهي عند جنوب لبنان إنما “ستواصل ضربها أذرع إيران وكسرها في عدة مناطق بسوريا. وهي مرحلة يمكن تسميتها باستعادة السيادة والدولة مقابل هيمنة الحزب في السابق”.
“قرار 1701” هو المطلوب
باختصار، يبدو أن قرار 1701 الأممي هو المطلوب أن يمضي إلى حيز التنفيذ، لكن وفق مقاربة عملية تأخذ بعين الاعتبار المستجدات والوضع الراهن، السياسي والميداني، خاصة مع الموقف الإسرائيلي المتشدد والذي يلمح إلى تجاوز القرار 1701 إلى نزع سلاح “حزب الله” تماما وفق قرار 1559.
وهنا، يبدو ضروريا وملحا طرح التساؤل عن إمكانية العبور من مرحلة الحزب والهيمنة السياسية والأمنية والعسكرية التي تسببت في شغور رئاسي، ناهيك عن فوضى وسيولة أمنية، ووقوع البلاد في حالة حرب، الأمر الذي يستدعي جهود إقليمية ودولية لدعم دور الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة، بالتوازي مع تفكيك بنى الحزب العسكرية، وإنهاء سرديات “المقاومة” التي تشرعن امتلاك سلاح غير شرعي ومتفلت، وحل الأزمة الاقتصادية.
وهذه الجهود يتعين أن تعنى بإمداده بالسلاح وتوفير النفقات والاقتصاديات اللازمة في ظل نقص المعدات والموارد، فهو يأتي بالمرتبة 118 بحسب تقرير مؤسسة “غلوبال فايرباور” للتصنيف العالمي لجيوش العالم، العام الحالي.
كما أن الجيش اللبناني بحاجة إلى أفق سياسي بإنهاء الشغور الرئاسي، ومنحه السيادة اللبنانية عبر مؤسساتها وهياكلها الأمنية والحكومية الامتياز الذي يجعلها تتفوق على “حزب الله” من ناحية ترسيخ قاعدة وطنية تنبذ الخطاب الطائفي الولائي.
ورغم ذلك، فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، ما زال يشد عصب الجهود الدبلوماسية بحثا عن مخرج عاجل، كما حاول في نيويورك مؤخرا، والوصول إلى اتفاق إطلاق النار لمدة 21 يوما، وقال، يوم الاثنين الماضي، إن لبنان بصدد الامتثال للقرار الأممي 1701 وأن يحل الجيش اللبناني منطقة جنوب نهر الليطاني. وقال: “نقبل كل الهبات، وأكدنا على أن تتسلم الأمم المتحدة المساعدات حتى تقوم بتوزيعها على كل اللبنانيين”.
وقال: “أكد لي الرئيس بري أنه فور وقف إطلاق النار ستتم دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس توافقي، وليس رئيسا تحديا لأحد”.
هجوم إيراني
يقول المصدر اللبناني إن سياق القرار الذي كتب النهاية في حرب 2006، ربما لا يكون “الجملة الصحيحة التامة والمفيدة” في إنهاء الوضع الراهن، موضحا أن “موازين القوى مختلفة تماما، بل إن السياق الإقليمي والدولي ليس كما في السابق، حتى الداخل الإسرائيلي ليس هو نفسه، بالتالي، فإن الأهداف الاستراتيجية المطلوبة والملحة من الجانب الإسرائيلي لا تعنى بتحديد وضع مؤقت أو تعيين قواعد اشتباك جديدة، إنما الانتهاء تماما من التهديد الإيراني وممثليه الإقليميين والذين فتحوا جبهات إسناد بعد الهجوم على إسرائيل وهددوا أمنها بشكل مباغت أقلق الأطراف الدولية والولايات المتحدة”.
ويمكن القول إن القبول بعزل سلاح “حزب الله” وليس حتى تحييده، سوف يجعل مسار إنهاء الأزمة وتأميم جبهة الصراع مع إسرائيل، عملية معقدة، ومرتهن بالموقف الإيراني ومدى قبوله أن يخسر حليفه الاستراتيجي مناطق تمركزه بعمقها الجيوسياسي، كما أن خسارة الحزب مواقعه وتفريغه من حمولته الأمنية والعسكرية ناهيك عن رهاناته السياسية التي يحقق بها مصالحه كما في ترسيم الحدود البحرية أو بعد ذلك البرية، لن يكون بالأمر الهين كذلك، وبالتالي فإن تطبيق القرار الأممي 1701 أو غيره محفوف بتعقيدات جمة، ولن يكون بصيغته المباشرة إنما ستتفاعل الأطراف المنخرطة في الصراع لتأمين مصالحها ومن دون فقدات أوراقها التفاوضية الرابحة.
بالتالي، فإن الأرض السياسية حبلى بالمتغيرات في ظل المشهد العاصف وجموح الوضع العسكري وسيولته، وقد باشرت إيران بإطلاق 102 صاروخ تجاه إسرائيل الذي ما زال بحاجة لان تتكشف تداعياته وما إذا كانت له تبعات أو سيكون مجرد ملء فراغ لحالة اللا موقف الإيراني والتعمية عن تخاذلها الذي تتهم به.
كما نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن مسؤول كبير في البيت الأبيض تأكيده على أن لدى بلاده معلومات بخصوص اعتزام طهران تنفيذ هجمات بصواريخ باليستية على تل أبيب. مؤكدا دعم واشنطن للأخيرة للدفاع عن نفسها.
وقال مسؤولون أميركيون لشبكة “أن بي سي نيوز” إن الهجوم الإيراني قد يتضمن قوة نيرانية أكبر مما كانت عليه في نيسان/أبريل، وإن إيران قد تحاول إطلاق العديد من الصواريخ في وقت واحد من أجل التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية. ولم يستبعدوا تدخل الجماعات والفصائل المسلحة الموالية لإيران، وقد يشمل ذلك إطلاق صواريخ من اليمن.
وبالتالي، فإن كل هذه المؤشرات والمتغيرات تضع مآلات الوضع في جنوب لبنان بين إسرائيل و”حزب الله” داخل متغيرات ليس من السهل حسمها بشكل نهائي.
- العملية البرية بجنوب لبنان.. هل نزع سلاح “حزب الله” يقابله رد إيران كبير؟
- كيف تساند أميركا التوغل البري الإسرائيلي في لبنان؟
- “تل أبيب تعلن واليونيفيل تنفي”.. هل توغلت إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية؟
- إسرائيل تبدأ اجتياح بري لجنوب لبنان
- الأزمة اللبنانية تلقي بظلالها على الاقتصاد السوري.. ما التأثيرات؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.