على وقع اندلاع الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” قبل نحو أسبوعين، بعد ضربات نوعية وجهتها إسرائيل صوب البنية التحتية العسكرية للحزب اللبناني المدعوم من إيران، وقادته، ووصلت حد استهداف زعيم الحزب حسن نصرالله وآخرين معه من القادة المؤسسين في الصف الأول والثاني، ومن ثم توجيه إيران مئات الصواريخ تجاه إسرائيل، والتي لم يكن لها أي أثر واقعي، وتوعد تل أبيب برد “دقيق ومباغت”، بدأ وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي عدة جولات إقليمية، وذلك لإيصال رسائل لدول المنطقة بعضها معلن والبعض الآخر خفي.
وبعد الزيارة التي بدأت من لبنان مرورا بسوريا، ومن ثم إجراء مشاورات في نيويورك والدوحة، وتاليا التوجه نحو السعودية وبغداد، وأخيرا هناك زيارة مرجحة للقاهرة. واللافت أن عراقجي كشف من العاصمة العُمانية، مسقط، اليوم الاثنين، أن المباحثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، التي كانت تجري بوساطة عُمانية، متوقفة حاليا بسبب غياب “الأرضية” المناسبة لها في ظل تصاعد التوتر الإقليمي.
جولات عراقجي.. مسعى لإيجاد “البدائل”
ولهذا يبدو أن الوزير الإيراني يسعى نحو إيجاد بدائل سياسية وإقليمية تحمي طهران ووكلائها من مغبة الاستراتيجية التي تتبناها إسرائيل في حربها ضد ما عرف بـ”جبهات الإسناد”، وتشن في الجبهة اللبنانية حربا “دقيقة ومحددة الأهداف”، لتقويض نفوذ “حزب الله” نهائيا وتحييده عن الصراع، وأي صراع، بشكل يجعله لا يشكل في المستقبل تهديدا لأمن إسرائيل في الناحية الشمالية.
بل إن طهران التي سبق أن التزمت بـ”الصبر الاستراتيجي” وممانعتها الرد على الهجمات الإسرائيلية التي وصلت إلى استهداف رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، وقد تكشف مؤخرا أن إسقاط طائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ربما تكون ضمن بنك أهداف إسرائيل، وقد نجحت في تنفيذ هجوم سيبراني جديد كما حدث مع أجهزة “البيجر” اللاسلكية بيد أفراد ومقاتلي “حزب الله”، أمام مأزق كبير.
وهذا المأزق الإيراني يتجاوز وقوفها في ساحة المعركة تتكبد الضربات الواحدة تلو الأخرى، كما أنها في معركة غير متكافئة، ولا تميل نحو المقاربة العسكرية حتى لا تتسع خسائرها بقدر اتساع الحرب، ومنها تقويض نفوذ وكلائها وأهمهم الحزب بلبنان والذي بات سلاحه محل مراجعة شاملة بداية من الحكومة والدولة، مرورا بالأحزاب المعارضة، وحتى القوى الإقليمية والدولية التي لم تعد ترى في سلاح “حزب الله” المتفلت وغير الشرعي سوى تهديد للاستقرار الإقليمي، وخرق للسيادة اللبنانية، ومن ثم، يتعين حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء وجود الميلشيا بدعوى “المقاومة” وغيرها من السرديات.
وبالعودة إلى زيارة عراقجي لعُمان، فقد لفت للصحافيين إلى أن “مسار المفاوضات مع واشنطن متوقف الآن بسبب الظروف المحددة في المنطقة. حاليا لا نرى أي أرضية لهذه المباحثات إلى حين أن نتمكن من تجاوز الأزمة الراهنة. عندها سنقرر ما إذا كنا سنواصل العمل وكيف”. كما والتقى عراقجي، محمد عبد السلام، ممثل جماعة “الحوثي” اليمنية.
رفضت قوى عديدة الرسائل الـ”تحذيرية” التي وجهتها طهران لدول المنطقة وتحديدا الخليج، بخصوص ما إذا قامت إسرائيل باستخدام مجالها الجوي في الاستهدافات التي تنفذها.
مصدر سياسي مصري لـ”الحل نت”
وبالتالي هذا يؤشر أيضا إلى أن إيران باتت تبحث عن وساطة دول المنطقة ذات الثقل والتأثير الكبيرين والمنخرطين في الأزمة من الناحية التفاوضية، مثل مصر والرياض وعُمان، وتضع كامل أوراق الضغط لإيجاد تهدئة ما لعدم الوقوع في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وتداعياتها الخطيرة المتمثلة في الحرب الإقليمية.
ضد نزع سلاح “حزب الله”
وبحسب مصدر سياسي مصري، فإن طهران تبحث بإلحاح شديد عن صيغة توافقية مع الجانب الإسرائيلي، للتهدئة في لبنان، بحيث أن لا يتم نزع السلاح من “حزب الله” الموالي لها، بصورة كاملة، وذلك وسط ما يدور من أحاديث أو جهود دولية تدور حول وضع الجيش اللبناني مكان الحزب الموالي “للحرس الثوري” الإيراني في الجنوب ونزع السلطة منه، تحديدا جنوب نهر الليطاني والخط الأزرق.
ويشير المصدر المطلع لـ”الحل نت”، إلى أن طهران تسارع هناك وهناك، للبحث عن وسطاء في معركتها “الوجودية”، لافتا إلى أن القاهرة شددت على رغبتها في وقف التصعيد بالمنطقة، وقد أبلغت الطرف الإيراني “رسائل مباشرة بأن الإقليم على حافة صراع طويل الأمد” مطالبا بوقف “الجبهات المفتوحة، لا سيما اليمن التي تتسبب في إشعال الأزمات بالمنطقة والعالم، وتفاقم من الأعباء الأمنية والجيواستراتيجية والاقتصادية”، كما أن “البحث عن صيغة للتهدئة يبدأ أولا وقبل أي شيء عند نقطة فك الارتباط بين جبهات الإسناد وغزة”.
وتابع: “بالنسبة لسلاح حزب الله فهو وقبل كل شيء يخضع لنقاش سياسي داخلي وينبغي للدولة اللبنانية أن تفرض رؤيتها التي تحمي مقدراتها من أي عبث خارجي، وبما يجعل قرار السلم أو الحرب في حوزتها ويحقق لها السيادة والاستقرار. كما يتعين النظر إلى أن لبنان في ظل الفراغ السياسي والرئاسي الذي تعاني منه في فترات متفاوتة سوف يجعلها دوما تحت طائلة القوى الخارجية والتبعية السياسية، فضلا عن الاستقطاب السياسي والطائفي. وفي ما يتعلق بوجود حزب الله الميداني والعسكري بالجنوب، فينبغي الامتثال للقرار 1701، وأن تتولى قوات اليونيفيل والشركاء الإقليميين والدوليين إنفاذ هذا القرار وضمان سريانه والقبول به، وأن تكون هذه القوى مع الجيش اللبناني، هي التي تتموضع في النقاط التي سينسحب منها الحزب”.
ورفضت قوى عديدة الرسائل الـ”تحذيرية” التي وجهتها طهران لدول المنطقة وتحديدا الخليج، بخصوص ما إذا قامت إسرائيل باستخدام مجالها الجوي في الاستهدافات التي تنفذها، وفق المصدر ذاته، مشددا على أن “لهجة التصعيد لم تعد مقبولة”، وقد حذر من “احتمالات اندلاع صراع أو احتراب أهلي في لبنان في حال الاستمرار بالتصعيد وعدم القبول بالحلول والواقعية السياسية”.
ولهذا جاء حديث رئيس حزب القوات سمير جعجع، يوم السبت الماضي، في ختام مؤتمر الحوار الوطني “دفاعا عن لبنان” وسيادته الذي دعا إليه حزب القوات.
وقال جعجع إن قوى خارجية سيطرت على قرار الحرب في لبنان، وبالتالي “يجب استعادة الدولة اللبنانية في هذه المرحلة بالتحديد”، مردفا بالقول إن لا استقرار في البلاد دون بناء الدولة، مؤكدا أنه يجب وضع خارطة طريق واضحة للحالة السياسية في لبنان، وبيّن أنه يجب وقف النار قبل أي شيء آخر في البلاد.
“الحفاظ على أوراق الضغط”
وتنوي إيران أن تدفع دول المنطقة للوساطة بشأن إحداث تهدئة مع الجانب الإسرائيلي، وعدم الانسياق لأبعد من هذه الحرب الدائرة، فطهران لا تريد أن يُستنزف “حزب الله” أكثر من ذلك، وبما يفقده الهيمنة التامة على القرار اللبناني، وإنهاء دوره أو نفوذه وفقدان كامل الامتيازات التي راكمها على مدار أكثر من عقدين.
ولا تريد طهران بالمقابل الخوض في حرب مباشرة مع إسرائيل، نظرا لعدم تناسب مقدراتها العسكرية، فضلا عن أن ذلك سيكلفها نتائج كبيرة من الناحية العسكرية وتدمير إمكاناتها اللوجستية، بجانب إنهاك اقتصادها المنهار بالأساس، وكذا إضعاف مشروعها النووي. مع الأخذ في الحسبان أنها باتت تخسر بالفعل العديد من أوراق الضغط مع انكشاف ضعف وكلائها وإمكانية التسلل لمكامن قوتهم الاستخبارية والأمنية، خاصة بعد الضربات النوعية التي طالت وكلائها، سواء “حماس” في قطاع غزة أو “حزب الله” في لبنان، أو مناطق نفوذها وقادتها من “الحرس الثوري” في سوريا.
وبداية تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، استهدفت إيران عبر مئات الصواريخ عمق إسرائيل، ردا على مقتل حسن نصر الله، والجنرال في “الحرس الثوري”، عباس نيلفروشان، في ضربة إسرائيلية على بيروت نهاية الشهر الماضي، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في غارة إسرائيلية بطهران في تموز/يوليو الفائت.
وقال عراقجي، في تصريح مقتضب لدى هبوط طائرته في مطار بغداد، الأحد، إن زيارته لبغداد تأتي بهدف التشاور مع الحكومة العراقية، لإبعاد المنطقة عن أي شبح أو كارثة حربية.
وأشار عراقجي إلى أن “المنطقة تعيش حالة من الحذر، وثمة احتمال لتصعيد الصراعات التي قد تتوسع وتتسبب في حرب شاملة”. وقال عراقجي أيضا، خلال زيارته لبغداد إن بلاده بذلت “جهودا كبيرة”، في الأيام الأخيرة لاحتواء حرب شاملة في المنطقة، مشددا على أنها “ليس لديها خطوط حمراء في الدفاع عن شعبها ومصالحها”.
ويأتي حديث عراقجي، وسط ترقب إيران ردا إسرائيليا، في ظل مخاوف وتحذيرات من استهداف المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية، الأمر الذي قد يتسبّب في تصعيد كبير وخطير بالمنطقة.
المؤشرات لا توحي بأن هيمنة “حزب الله” على لبنان ستنحل بهذه السهولة، فصحيح أنه تلقى ضربات قاصمة، إلا أن إيران يبدو أنها ما تزال تتشبث بقوة بالحزب، ولن تدعه ينهار في لبنان، أو إعطاء السلطة لطرف آخر.
في الأثناء، تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن توجّه عراقجي خلال الأيام المقبلة إلى القاهرة برسالة مكتوبة من الرئيس مسعود بزشكيان، بشأن إجراءات التهدئة في المنطقة، حسبما نقلت وكالة “نور نيوز”، التابعة لمجلس الأمن القومي الإيراني، عن مصدر في الخارجية العراقية، قبل أن تنقل وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، الأحد، عن مصادر إعلامية، أن عراقجي سيزور مصر قريبا.
وحسب وسائل الإعلام تلك، فإن عراقجي سيلتقي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس جهاز المخابرات، عباس كامل، ونظیره المصري، بدر عبد العاطي، خلال زیارته إلى القاهرة، في حين لم يصدر أي تأكيد من القاهرة بشأن زيارة عراقجي.
ماذا لو لم يطبق القرار 1701؟
في مقابل ذلك، تمسّك مجلس الوزراء اللبناني في جلسته الأخيرة، برئاسة رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، بثلاثية وقف إطلاق النار في الجنوب، ونشر الجيش بمؤازرة القوات الدولية “اليونيفيل”، وتطبيق القرار الدولي “1701”، ما يُشكل إسنادا للموقف الفرنسي في مجلس الأمن الدولي، الذي ينعقد أسبوعيا بناءً على طلب باريس، التي تُصر على أن يأخذ هذا الموقف طريقه إلى حيّز التنفيذ، لوقف الحرب المشتعلة على الجبهة الجنوبية، وفق ما نقلته “الشرق الأوسط”.
ويأتي تمسك الحكومة بوقف النار استجابة لرغبة باريس، وبالتنسيق بين رئيسها ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي تمنى على وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب لدى استقباله له، بأن يبادر إلى مراسلة مجلس الأمن الدولي، وإيداعه نسخة عن القرار الذي أجمع عليه مجلس الوزراء بضرورة وقف إطلاق النار، وهذا ما حصل، ليكون لدى باريس وثيقة رسمية تتسلح بها في سعيها المتواصل لوقف الحرب في جنوب لبنان.
ويبدي بري ارتياحه للأجواء التي سادت الاتصال الذي تلقاه من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويقول إنه على تفاهم معه “على بياض”؛ نظرا لاهتمام باريس المتواصل، الذي تجلَّى في استضافتها مؤتمر أصدقاء لبنان، والذي ينعقد في 24 الشهر الحالي، وفق “الشرق الأوسط”.
وعلمت “الشرق الأوسط” أن الحكومة لم تربط موافقتها على وقف النار في الجنوب بوقفه في غزة، وهذا يتلاقى مع بيان ثلاثية “لقاء عين التينة”، الذي لم يأتِ على ذكر الربط بين الجبهتين، إضافة إلى أن رئيس مجلس الشورى في إيران، محمد باقر قاليباف، تجنّب في زيارته الخاطفة لبيروت، التي التقى فيها بري وميقاتي، التطرّق إلى الربط بينهما، مكتفيا بتأكيد دعم طهران للقرارات التي تتخذها الحكومة، وكأنه بموقفه أراد أن يطوي صفحة السّجال الذي أحدثه وزير الخارجية عباس عراقجي على خلفية التلازم بين الجنوب وغزة.
ودعا رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بعد لقائه نبيه بري في عين التينة: استمرار “العمل للوصول إلى اسم توافقي يجمع اللبنانيين”، وقال إن “اجتماعنا اليوم يؤسس لخطوات عملية في هذا الاتجاه”.
ولأجل كل ذلك، فإن المؤشرات لا توحي بأن هيمنة “حزب الله” على لبنان ستنحل بهذه السهولة، فصحيح أنه تلقى ضربات قاصمة، ولا سيما بعد مقتل حسن نصرالله، إلا أن إيران يبدو أنها ما تزال تتشبث بقوة بالحزب، ولن تدعه ينهار في لبنان، أو إعطاء السلطة لطرف آخر.
ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول الغربية لإيجاد رئيس للبنان، خاصة وأن الظروف الحالية مواتية “ربما” لذلك، إلا أن هذا الأمر لن يكون سهلا، كما لن يحدث ما دام “حزب الله” يقاتل حتى اللحظة الجانب الإسرائيلي ويتوعد بالمزيد.
وبالتالي، في حال فشل جهود الدول الغربية والإقليمية بإبعاد “حزب الله” عن الجنوب وتطبيق القرار الأممي رقم 1701، فإن الوضع المأزوم سيتخذ مسارا أسوأ، أي أن إسرائيل ستواصل “بشكل أكبر” قتالها ضد وكلاء وميلشيا إيران، وقد تمتد هذه الحرب إلى داخل سوريا، سواء في مناطق نفوذ إيران بالعاصمة، دمشق، أو في المناطق الأخرى، وهو ما سيجر المنطقة بأكملها لسيناريوهات أصعب وأصعب، ذلك لأن إيران أيضا لن تقبل بـ”قص جناحيها” أو انحسار تواجد وكلائها وميلشياتها في المنطقة بعدما جعلتهم حراس لمصالحها لسنوات طويلة.
- الأسد تحت الضغط مع تحقيق المعارضة مكاسب ميدانية: التنحي على الأبواب!
- إغلاق طرقات وفصل أحياء عن دمشق.. ماذا يجري جنوب العاصمة؟
- تبدلات واتهامات في مواقف موسكو وواشنطن تجاه سوريا.. وهذا موقف مصر
- الأمم المتحدة و”المرصد” يحذران من استغلال “داعش” للتصعيد بسوريا
- تهكم كبير يطال الجيش السوري والتلفزيون الرسمي: ما القصة؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.