وسط المتغيرات والتفاعلات الإقليمية والدولية الأخيرة، لا تنفك الصين وروسيا عن تحركاتهما في سبيل تحقيق مخططاتهم وأطماعهم العدائية وفرض نفوذهما في العديد من البلدان بالعالم، فضلا عن السعي في تشكيل قوة أو نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، حيث تعتقد الدولتان أنها ستحقق التوازن في ميزان القوى العالمي، وتجّلى ذلك في محاولتهما توسيع مجموعة “البريكس”، حتى تتمكن من منافسة “مجموعة السبع”.

كما أن غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ، عن القمة المقبلة لرؤساء دول وحكومات “مجموعة العشرين” (جي 20)، والتي من المفترض أن تنعقد يومي السبت والأحد المقبلين في الـ 9-10 من أيلول/سبتمبر الجاري، يعكس مؤشرات عدة، لعل أبرزها ضعف القيادة العالمية لمنتدى “مجموعة العشرين”، وسط جهود حثيثة لتعزيز مجموعة “البريكس”، لجعلها كتلة موازية لهذه المجموعات.

من هنا لا بد من طرح بعض التساؤلات حول رؤية واشنطن لمخططات روسيا والصين وتحركاتهما الأخيرة مع العديد من الدول، ومدى قوة تحالف روسيا مع الصين في مواجهة أميركا وحلفائها الأوروبيين، وفيما إذا ستكون هناك ثقة كاملة بين روسيا والصين لتصبحا تحالفا يمكن أن يواجه المحور الغربي، وكيف سيتم مواجهة هذه التحركات الروسية الصينية من قِبل الطرف الغربي.

تحركات الصين أخطر من روسيا

مؤخرا، تمت دعوة إيران والسعودية والإمارات والأرجنتين ومصر وإثيوبيا للانضمام إلى مجموعة “البريكس” المكوّنة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، اعتبارا من كانون الثاني/يناير المقبل.

US President Joe Biden arrives for the G20 leaders’ summit in Nusa Dua, on the Indonesian resort island of Bali on November 15, 2022. (Photo by KEVIN LAMARQUE / POOL / AFP)

انضمام بعض هذه الدول إلى مجموعة “البريكس”، يأتي بحسب تحليلات المحللين، في إطار الرغبة في التوسع التجاري والاقتصادي ولو بشكل طفيف، فيما تخطط روسيا والصين لمشاريع أخرى، أبرزها المواجهة مع أميركا، وبناء قوة موازية للمحور الغربي.

غير أن هذا الفرط في التمني ليس جيدا، فمن دون نتائج حقيقية، لا يمكن الاعتماد على أيٍّ من هذه التوقعات، إذ يرى محللون أن ما تسعى إليه بكين وموسكو ليس سوى ضربا من ضروب الخيال، خاصة وأن هناك العديد من دول “البريكس” لتي لها علاقات استراتيجية مع واشنطن، إضافة إلى الخلافات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية الكبيرة بين دول المجموعة.

الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، يرى في هذا الصدد، أن واشنطن غير مهتمّة كثيرا بتحركات روسيا، وإنما جُلّ اهتمامها منصبٌ نحو التحركات الصينية، فمثلا كل التحركات الأميركية في العالم، من الاقتصادية إلى السياسية والاجتماعية كلها لمواجهة التوسعات والأطماع الصينية.

إضافة إلى ذلك، فإن الجانب الأميركي وحلفاءه الأوروبيين بدعمهم لأوكرانيا تسببوا بخسارة كبيرة للجانب الروسي، فالجيش الروسي فَقَد نحو نصف قوته من حيث الأسلحة والجنود، ولم يأتِ هذا العمل إلا لصد السلوكيات العدائية لروسيا، وخاصة بعد غزو جارتها الغربية أوكرانيا، وفق ما يضيفه شحادة لموقع “الحل نت”.

بمعنى، أن واشنطن لا تعير الجانب الروسي أي اهتمام، فالأخير بات منهك وضعيف وغير قادر على فعل أي شيء، وبالتالي تركيزها بات ينصبُّ نحو الصين، وإن بدت التصريحات الأميركية وكأنها تركّز على الحرب في أوكرانيا. وتوجه واشنطن لقارة آسيا يأتي في سياق وضع حدٍّ للمخاطر والتحركات الصينية هناك، حسبما يقدّره شحادة.

لهذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صادرات التكنولوجيا الأميركية والغربية بشكل عام إلى الصين، فضلا عن تحوّل الصين من شريك ومنافس تجاري إلى خصم للدول الأوروبية، وهو ما أكده انسحاب إيطاليا من مشروع “الحزام والطريق”. وكذلك تغير الاستراتيجية الألمانية الجديدة تجاه بكين، حيث أعلنت الخارجية الألمانية مؤخرا، أن الصين ليست سوى مجرد خصم، وفق ما أوضحه شحادة.

وصفت الحكومة الألمانية رسميا الصين لأول مرة عبر ما يُعرف بالاستراتيجية الألمانية تجاه الصين، “خصم نظامي وتمثل الخطر الأول على ألمانيا فيما يتعلق بالسرقة العلمية”، مؤكدة على ضرورة تقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين.

مطلع آب/أغسطس الماضي، وصفت الحكومة الألمانية رسميا الصين لأول مرة عبر ما يُعرف بالاستراتيجية الألمانية تجاه الصين، خصم نظامي، وتمثل الخطر الأول على ألمانيا فيما يتعلق بالسرقة العلمية، مؤكدة على ضرورة تقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين، في خطوة تمثّل اعترافا رسميا بأن العلاقة بين الصين وألمانيا، والاتحاد الأوروبي، قد تغيرت.

تحالفات وتفاعلات هشة

في سياق موازٍ، قالت وزارة الخارجية الصينية، اليوم الإثنين، إن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، هو من سيحضر قمة “مجموعة العشرين” المزمع عقدها في نيودلهي مطلع الأسبوع المقبل. فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إنه يشعر بـ”خيبة أمل” جراء ذلك.

تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، نقل عن مسؤول غربي يشارك في الاستعدادات للقمة العالمية في الهند، قوله إن الأخبار التي تفيد بأن الرئيس شي، سيغيب عن الحدث لا تعني سوى شيء واحد “لقد كانوا يعملون على إفساد عملنا المشترك طوال العام”.

غياب الرئيس الصيني، ليست سوى محاولة لهز مكانة “مجموعة العشرين” باعتبارها منتدى القيادة العالمية البارز، وبعض المراقبين الهنود يرون أن بكين تريد إفساد الحدث الهندي في وقت تشهد العلاقة بين البلدين احتكاكا ثنائيا بشأن الحدود المتنازع عليها.

Russian President Vladimir Putin (L) and Chinese President Xi Jinping arrive to pose for a photograph during their meeting in Beijing, on February 4, 2022. (Photo by Alexei Druzhinin / Sputnik / AFP)

بحسب الصحيفة البريطانية، يتناقض غياب الرئيس شي، المقرر بشكل صارخ مع مشاركته التي خطفت الأضواء في قمة مجموعة “البريكس” للدول النامية الأسبوع الماضي في جنوب إفريقيا. ومما لا شك فيه أن هذا التحرك الصيني لإضعاف قوة المحور الغربي، بطريقة أو بأخرى.

المحلل السياسي، يرى أن كل هذه المحاولات لا تأتي إلا في إطار العبثية، فمثلا مجموعة “البريكس” هي مجموعة من الدول التي لا تملك أرضية مشتركة، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا عسكريا ولا حتى اجتماعيا. بمعنى أن أغلب دول “البريكس” لها ارتباطات أو علاقات استراتيجية مع واشنطن، وبالتالي الصين لم تضع لغة الحوار لتكون “البريكس” قوة موازية للغرب، وهذا دليل على ضعف التكتلات التي تشكّلها بكين وموسكو.

شحادة استدرك ذلك بالقول، إن عدد سكان دول “البريكس” يشكل 40 بالمئة من سكان العالم ويشكل اقتصادها حوالي 30 بالمئة، وهذه المقارنة غير مجدية. على سبيل المثال، يجب على المرء أن ينظر إلى النوع الاقتصادي لكل بلد. مثلا، يشكل الخليج نحو 75 بالمئة من استثماراته في أميركا، ونحو 12 بالمئة في أوروبا، ونحو 1 بالمئة فقط في آسيا. وحتى لو حاولت الصين فتح بنوك جديدة في السعودية والتعامل مع السعودية باليوان الصيني، فإن استثمارات دول العالم كلها تثق بالسوق الأميركي وتضع أموالها في أميركا ولم تسحب أي من هذه الأموال ولن تقدم أي خطوة كهذه.

كما أن “بريكس” ليست منظمة اقتصادية بحتة، بل هي مجموعة ذات أهداف سياسية، تجمع رابطة من الدول غير الراضية على النظام أحادي القطب، في إشارة إلى الصين وروسيا وإيران، والدول الخليجية وحتى مصر لا يتدخلون في هذه المجالات، وهم يقفون على الحياد تجاه بعض النزاعات القائمة، وبالتالي لن يكون هناك شراكة رئيسية بين الدول العربية المنضمة جديدا للتحالف وأعضائه السابقين في ظل وجود كل ذلك.

سُبل الموجهة

يبدو واضحا أن الصين وروسيا تريدان إخراج أميركا وأوروبا من المشهد العالمي، والانفراد بزعامة العالم، لكلّ واحد منهم طرف ما من الكرة الأرضية، إلا أنها ليست سوى أحلام، فالحسابات مختلفة تماما، وفق شحادة.

إضافة إلى ذلك، فإن الشكل المحتمل لخريطة التحالفات هو أنها ستتخذ مسارات مختلفة، أولا التركيز على أنماط جديدة، مثل إعادة تشكيل التحالف الأميركي الياباني الهندي الأسترالي، أو إحياء فكرة التحالف الجماعي، والعمل على تطوير تحالفات إقليمية، كما يحدث الآن في الشرق الأوسط، وفق تحليل لـ”إندبندنت عربية“.

السياسة الأميركية في الوقت الحاضر تتحرك في اتجاهات كثيرة للحفاظ على مكانتها مع العمل في اتجاه محدد لبناء تحالفات عدة لا تتوقف عند مواجهة مجموعة الـ “بريكس” الراهنة، أو غيرها من التحالفات المحتملة.

هناك أيضا مخططات ضمن التحالفات الكبرى، سواء ضمن “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) أو عبر “الاتحاد الأوروبي”. واللافت للنظر التركيز على التحالفات النشطة والمتخصصة، منها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، والتي سترتبط ببناء منظومة علاقات إقليمية ودولية متنوعة، التي تعمل عليها واشنطن مع حلفائها.

السياسة الأميركية في الوقت الحاضر تتحرك في اتجاهات كثيرة للحفاظ على مكانتها مع العمل في اتجاه محدد لبناء تحالفات عدة لا تتوقف عند مواجهة مجموعة الـ “بريكس” الراهنة، أو غيرها من التحالفات المحتملة، وهو ما يعني أن الإدارة الأميركية لن تقف في مساحة واحدة تنتظر ما سيتم أو يجري من سياسات في مواجهة كل من روسيا والصين، بل بدأت بتبنّي مقاربات مرحلية وبناء خرائط سياسية وجيوسياسية جديدة ستتكشّف خلال الفترة المقبلة.

كما ستسعى مع حلفائها إلى تعزيز وجود الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم “كواد” الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، ويلتزم من خلاله الشركاء الأربعة جعل منطقة الهند والمحيط الهادئ مفتوحة وحرة، وكذلك تحالف “أوكوس” الأمني الذي يضم أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، ويسعى إلى حماية مصالح هذه الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وموازنة النفوذ الصيني هناك، والتعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، في مواجهة التحديات العالمية وعلى رأسها ما يرتبط بأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لا سيما التهديدات الصاروخية المتطورة لكوريا الشمالية، وأخيرا الحوار الثلاثي بين الهند وأستراليا وإندونيسيا والحوار الثلاثي بين الهند وفرنسا وأستراليا.

البيت الأبيض-“إنترنت”

بالتالي فإن العداء للولايات المتحدة كما تراه الصين وروسيا عبر تحركاتهما، لن يكون سوى حرب مكلفة وغير مجدية، لأن فكرة بناء تحالف سياسي وعسكري واستراتيجي ثنائي بين الصين وروسيا في مواجهة المحور الغربي سيكون مصيره الفشل، فالثقة بين الطرفين ليست بالحجم الذي يمكن أن يثمر عنه أي تحالف قوي وثابت، وهو ما سيكلّف بكين وموسكو أثمانا باهظة. وطالما أن التحركات الصينية والروسية لم ترتقِ إلى مستوى كبير وخطير، فإن أميركا تحاول تعزيز دور حلفائها ودعم الدول التي هي في مواجهة مع روسيا مثل أوكرانيا، وكذلك دعم الدول التي تتعرض للتهديدات الصينية مثل تايوان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة