انضمام ستّ دول جديدة إلى “البريكس”، بما فيها دول عربية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، يثير عدة تساؤلات حول مدى تأثير هذه الكتلة على التبادل والتعاون الاقتصادي المنشود. ويبدو أن انضمام هذه الدول يأتي في سياق المصالح الاقتصادية، بحسب التعقيبات الرسمية التي صدرت عن الرياض وأبوظبي والقاهرة، بشأن دعوة مجموعة “البريكس” لهم ليصبحوا أعضاء كاملي العضوية في المجموعة اعتبارا من الأول من كانون الثاني/يناير 2024.

هذا وتسعى الصين وروسيا، إلى جانب حليفتهما إيران، منذ فترة طويلة إلى إنشاء كتلة دولية جديدة، من أجل تقديم نفسيهما كأحد الأطراف الدولية، ومنافسة القوى الغربية التي تملك أقوى تحالف متجانس سياسيا واقتصاديا، وهي “مجموعة السبع”. وهو ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علانية خلال مشاركته في قمة “البريكس” قبل يومين، عبر تقنية الفيديو.

كذلك يسعى هؤلاء عبر توسيع هذا التكتل لفرض أطماعهم وهيمنتهم على العالم قدر الإمكان، إلا أن ذلك أمرٌ مشكوكٌ في تحقيقه، نظرا لأن هذا التحالف في الأساس غير متجانس سياسيا، ويُعتبر العديد منهم شركاء استراتيجيين للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.

مصالح مصر في “بريكس”

يوم أمس الخميس، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا، أن إيران والسعودية والإمارات والأرجنتين ومصر وإثيوبيا دعيت لتصبح أعضاء كاملي العضوية في مجموعة “البريكس” المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وذلك اعتبارا من كانون الثاني/يناير المقبل.

قمة “بريكس”- “أ.ف.ب”

هذا وسبق وأعربت 22 دولة رسميا عن رغبتها في الانضمام إلى الكتلة، في حين قدم العديد منها أيضا استفسارات غير رسمية، حسبما قال الدبلوماسي الجنوب إفريقي، أنيل سوكلال، الشهر الماضي. وتمثل الـ”بريكس” ربع الاقتصاد العالمي وأكثر من ثلاثة مليارات نسمة، وفق “سي إن إن“.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال في بيان رسمي يوم أمس الخميس، وفقا لما نشره المتحدث باسم الرئاسة المصرية، “أثمّن إعلان تجمع بريكس عن دعوة مصر للانضمام لعضويته اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2024، ونعتز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها جميعا علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة، وكذا مع الدول المدعوة للانضمام لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي فيما بيننا، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية”.

الخبير الاقتصادي، الدكتور رشاد عبده، قال في هذا الصدد لموقع “الحل نت”، إن مصر ستستفيد اقتصاديا من الانضمام لهذه المجموعة “بريكس”، من جذب الاستثمارات والتكنولوجيا وبناء بعض البُنى التحتية، كما أن المجموعة لديها “بنك التنمية والاحتياطي الفيدرالي” الذي يحل مشاكل الدول الأعضاء على المدى القصير. على الرغم من أن “بريكس” واضح أنها تتعامل من ناحية سياسة ذات أهداف وأجندات معينة، وتحاول أن تسرع من التنوع الاقتصادي والتنمية، وأنشأت “بنك التنمية الجديد”، لكن لم توضع الأموال فيه بعد، وهو ما يشير إلى عدم وجود هذا الضخ المالي أصلا ولا الرغبة في وضع مبالغ ضخمة من أي دولة من “بريكس”.

أي أن هذا قد يمنح القاهرة فرصا للحصول على تمويلات ميسّرة لمشروعاتها التنموية، وجذب بعض الاستثمارات من دول الأعضاء، خاصة وأن مصر المستورد الرئيسي للسلع الأساسية، والغزو الروسي لأوكرانيا تسبب بالكثير من المشاكل الاقتصادية لديها، وأهمها تراجع قيمة الجنيه المصري، بالتالي قد يشكل هذا التحالف فرصة للتعامل بالعملات الأجنبية، وهذا ما ترنو إليه القاهرة من انضمامها لـ”البريكس”، أي تحسين مستوى الجنيه المصري.

تقرير لموقع “الحرة” يضيف في هذا الإطار، أنه يمكن للسفن والبواخر التابعة للدول الأعضاء في الـ “بريكس”، والذين يمرون عبر “قناة السويس” دفع الرسوم بالجنيه المصري، خاصة وأن القناة التي تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط منذ عام 1869، وتؤمّن عبور 10 بالمئة من حركة التجارة البحرية الدولية.

عائدات “قناة السويس” تشكل مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي في مصر، وسجلت القناة أعلى عائدات سنوية خلال العام المالي 2022/23 بلغت 9.4 مليارات دولار بارتفاع قدره نحو 35 بالمئة عن العام السابق. بمعنى المصالح الاقتصادية في هذا التكتل حاضرةً من أي شيء آخر، في التوافقات السياسية.

التخلي عن الدولار “أمرٌ مضر”

في السياق ذاته، علّق الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، على هذا الإعلان بتدوينة على موقع أكس “تويتر سابقا”، “نقدر موافقة قادة مجموعة البريكس على ضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه المجموعة المهمة. ونتطلع إلى العمل معا من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم”.

بينما قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان في كلمة نقلتها “قناة الإخبارية” السعودية الحكومية خلال مشاركته من جنوب إفريقيا “المملكة تعتبر أكبر شريك تجاري لمجموعة بريكس.. ونؤكد على ضرورة مواجهة التحديات التي تعيق التنمية المستدامة واحترام سيادة الدول واستقلالها”.

بالعودة إلى الخبير الاقتصادي، رشاد عبده، فهو يرى أن السعودية والإمارات قد تستفيدان من الانضمام لـ”البريكس” من خلال محاولة تصدير منتجاتها النفطية وزيادة وارداتها الاقتصادية من منطلق المصالح الوطنية. لكن إذا تم ذلك بعملة غير الدولار، فقد لا يكون ذلك ممكنا، على أي عملة سيعتمدون مثلا، حيث ستسعى كل دولة إلى تصدير عملتها المحلية للعمل بها، وسيكون هذا حتما محط خلاف.

كما لن يتمكنوا من إصدار عملة جديدة فيما بينهم، على اعتبار أن هناك دولا أخرى خارج “البريكس” تشتري النفط بالدولار من دول الخليج وبالتالي لن يكون هناك تصدير بعملات بعض دول أعضاء الـ “بريكس” وبعضها الآخر بالدولار، نظرا لتفاوت القيمة بين العملات.

بالنسبة لمقترح بعض أعضاء الـ “بريكس” بإصدار عملة موحدة، فإن هذا يتطلب الكثير من الإجراءات، وفى مقدمتها إلغاء العملات المحلية، ونظرا لأن أعضاء المجموعة ليس جميعهم يمتلكون اقتصادات قوية، فإن هذا غير ممكن ومستبعد، فلن يضحي أحد بعملته المحلية في سبيل تبادل تجاري محدود.

كما وقال الخبير السعودي في التجارة الدولية، الدكتور فواز العلمي، إن انضمام السعودية لمجموعة “بريكس” سيكون بصفتها مراقبا أو شريكا للحوار، لأن “بريكس” ليست منظمة رسمية بشكل كبير، وإنما مجموعة فقط، وفيما يتعلق بمنافسة الدولار فقد أشار إلى أن السعودية تعتمد الدولار الأميركي، و”بريكس” لا تستطيع منافسة الدولار الذي تجري بواسطته 80 بالمئة من التبادلات التجارية، ويشكل 59 بالمئة، الاحتياطيات الأجنبية، كما يسيطر على 90 بالمئة من نظام التحويلات المالية التي تتم ضمن شبكة “سويفت”، فيما تقدر حصة اليوان الصيني من الاحتياطيات الأجنبية بنحو 2.7 بالمئة، وفق قناة “العربية“.

الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن “أهم”

بالنظر إلى رغبة روسيا والصين في التواجد في المنطقة العربية، خاصة عبر الدول الكبرى التي لها حضور قوي في المنطقة، فإن قبولها بعضوية كل من السعودية والإمارات ومصر يُعد دليلا على ذلك، وبالتالي الرغبة في حضور أكبر تحت غطاء “البريكس”، إلا أن هذه الدول لن تكون راغبة ومطيعة في خدمة مصالح وأجندات روسيا والصين، والتصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في الرياض وأبو ظبي والقاهرة، والتي تركزت حول التعاون الاقتصادي، تؤكد ذلك.

كما تُعتبر هذه الدول من الشركاء الاستراتيجيين لواشنطن، وتشير التحركات الأميركية الأخيرة في المنطقة إلى تعزيز هذه العلاقات، وبالتالي لن تنجر لا السعودية ولا الإمارات ولا مصر وراء المشاريع العدائية التي تسعى إليها الصين وروسيا إلى جانب إيران في التوسع بالمنطقة، ولن يتوجهوا إلى خيارات قد تهز علاقاتهم مع واشنطن، وسيتجنّبون خيارات وقوع أية منهم تحت وطأة العقوبات الغربية التي ستكون لها تداعيات كبيرة على عدة أصعدة، نظرا لأن الدول العربية لن تتّخذ أي حالة عداء تجاه القوى الغربية.

كما يرى الخبير الاقتصادي أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك توافق سياسي بين دول أعضاء الـ “بركس”، بل هناك اختلافات في الرؤى، لكن بعض المصالح الاقتصادية قد جمعتهم في هذه المجموعة. وهو أمر غير واضح في الأصل ما إذا كان الانضمام سيتم بالفعل خلال العام المقبل أم ماذا، إذ إن المحددات السياسية والمتغيرات المتسارعة ستحدد ذلك.

خاصة وأن هناك العديد من المشاكل والملفات العالقة بين دول أعضاء الـ “بريكس” نفسهم، مثلا مشكلة “سد النهضة” بين مصر وإثيوبيا، وأزمة حدودية وعسكرية بين الهند والصين، فضلا عن عدم تحقيق الاتفاقية السعودية الإيرانية وحتى العلاقات بين مصر وإيران لا زالت في طور المباحثات وليس هناك أيّ نتائج إيجابية ملموسة تذكر.

قد تنسق السعودية مع مجموعة “البريكس” اقتصاديا لتحقيق رؤية المملكة للعام 3030، وهي وحتى الإمارات ومصر لا تحتاج إلى تطوير المزيد من العلاقات مع دول “البريكس”، التي بالأساس تجمعهم علاقات جيدة وفق رؤيتهم الوطنية، خاصة في الجانب الاقتصادي، واتخاذ مواقف محايدة من الغزو الروسي لأوكرانيا والعديد من الصراعات، الأمر الذي يُثبت أن كلّا من السعودية والإمارات ومصر لن تنجر وراء أهداف وسياسات روسيا والصين وحتى إيران، التي هي أصل الشر في المنطقة.

“بريكس” ليست منظمة اقتصادية بحتة، بل هي مجموعة ذات أهداف سياسية، تجمع رابطة من الدول غير الراضية على النظام أحادي القطب، في إشارة إلى الصين وروسيا وإيران، والدول الخليجية وحتى مصر لا يتدخلون في هذه المجالات، وهم يقفون على الحياد تجاه بعض النزاعات القائمة، وبالتالي لن يكون هناك شراكة رئيسية بين الدول العربية المنضمة جديدا للتحالف وأعضائه السابقين في ظل وجود كل ذلك.

في العموم، وجود العديد من الخلافات والأزمات السياسية بين دول أعضاء الـ “بريكس” لن يؤدي إلى إفراز تحالف قوي، لا سياسيا ولا اقتصاديا، بل من الممكن أن يتفتت هذا التحالف مع الزمن، نتيجة استعصاء العديد من المشاكل والملفات الإقليمية فيما بينهم، وهو ما سيترتب عليه العديد من التداعيات السلبية على اقتصاد دول “بريكس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة