على الرغم من المحاولات العديدة غير المجدية حتى الآن لروسيا والصين في إنشاء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، حيث تعتقد الدولتان أنه سيوازن ميزان القوى العالمي، في الوقت الذي تسعيان فيه إلى فرض نفوذهما على نطاق واسع، يبدو أن بكين تحاول مجددا في ذلك من خلال منظمة الـ “بريكس”، حيث تطرح إمكانية توسعة المنظمة بحيث يمكنها منافسة “مجموعة السبع”، في خطوة يمكن أن تمثل منافسة حقيقة للقوى الغربية.

فالصين تحثّ كتلة الـ “بريكس” للأسواق الناشئة، لتصبح منافسا لـ “مجموعة السبع”، التي تضم الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا وبريطانيا، فقد بحث قادة كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا خلال لقائهم في قمةٍ عقدت أمس الثلاثاء وتستمر لليوم الأربعاء، في مدينة جوهانسبيرغ، توسيع المنظمة مع سعي بعض الأعضاء إلى جعلها ثقلا موازنا للغرب.

على هذا الأساس، انطلقت فعاليات قمة مجموعة دول الـ “بريكس” في عاصمة جنوب إفريقيا جوهانسبرج، في أول اجتماع لقادة المجموعة منذ 2019، حيث يتصدر جدول الأعمال توسيع عضوية المنظمة وتقليل الاعتماد على الدولار.

مساعي الـ “بريكس” تقليل الاعتماد على الدولار

من المقرر أن تناقش كتلة الـ “بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا التوسع لضم أعضاء جدد إلى التكتل، وتشير تقديرات “بلومبرغ” الأميركية إلى أن المجموعة الموسعة ستمثل حوالي نصف الناتج العالمي بحلول عام 2040، أي ضعف حصة مجموعة السبع.

من اجتماع قادة دول “بريكس”/ إنترنت + وكالات

إذ تتوقع الـ “بريكس” أن يساعد ثقلها في تقليل الاعتماد على العملة الأميركية، حيث بحث القادة المجتمعون سبل تعزيز المدفوعات بعملات الأعضاء، كجزء من طموح أوسع لتحدي القيادة الجيوسياسية للولايات المتحدة الأميركية، وصولا على المدى الطويل إلى إطلاق عملة مشتركة لتحدي الدولار، وهو ما يراه مختصون أمرا بعيد المنال بسبب تعقيدات سياسية واقتصادية تحيط دول المجموعة ذاتها.

القمة انعقدت بمشاركة قادة العديد من الدول وكبار المسؤولين، مثل رئيس الصين شي جين بينج، ونظيره البرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس ملاوي لازاروس تشاكوير، بالإضافة إلى رئيس جنوب إفريقيا، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ورئيس وزراء الكونغو الديمقراطية جان ميشيل سما لوكوندي، ورئيس الوزراء الكاميروني جوزيف ديون نجوتي.

التطلعات التي تحيط باجتماع قادة منظمة الـ “بريكس” في جوهانسبرغ كبيرة وكثيرة، ولكن ينقصها التمويل والمرجعية والسوق الموحدة، فأكبر التطلعات يقضي بأن تكون هذه المنظمة “ركيزة اقتصادية لنظام عالمي جديد”. لكن في الحقيقة، أن دول هذه المنظمة لو كانت سوقا موحدة، على غرار “الاتحاد الأوروبي”، لكان بوسعها التطلع لذلك.

صعوبة التخلي عن الدولار تواجه تطلعات الـ “بريكس”

فبينما تعمل دول الـ “بريكس” على تقليل اعتمادها على الدولار والتوجه نحو العملة المحلية في التبادلات التجارية، إلا أن الكثير من التحديات تحول دون ذلك، فتباين القوة الاقتصادية ما بين دول المنظمة، وتفاوت العوامل التي تؤثر في استقرار العملة والتضخم، جعلا من التوصل إلى معيار مرجعي بحيث يمكنه أن يجمع ويقسم ويرسي القيمة على أساس ثابت مثل الدولار أو الذهب، أمرا في غاية الصعوبة، وذلك في الوقت الذي لا تزال فيه الحركية الاقتصادية المحلية لكل دولة مرتبطة بالأسواق الدولية الأخرى، وتعتمد عليها بشكل أساسي.

قادة دول “مجموعة السبع”/ إنترنت (AFP)

وفقا لذلك، يرى الخبير الاقتصادي محمد فضلي، أن عملية توسعة المنظمة سيزيد من متاعب مشكلات المنظمة، بدل أن يساعدها في تعزيز وضعها الاقتصادي عالميا، وذلك بالنظر إلى غياب الروابط والأهداف المشتركة بين الدول الأعضاء، بل بالإضافة إلى ذلك فإن أهم الدول الأعضاء والتي تمثل ركيزة أساسية للمنظمة تتقاطع بشكل كبير اقتصاديا وسياسيا فيما بينها.

بالتالي، بحسب فضلي، أن “مجموعة السبع”، أو الدول الغربية فيما بينها كانت قد قطعت شوطا طويلا وكبيرا في هذا المجال، من خلال توحيد المخاطر والأهداف الاقتصادية، بحيث ربطت مستقبلها السياسي في ذلك منذ عقود طويلة، وهو ما دفعها لأن تستمر على هذا النحو كقطب عالمي أوحد لا يمكن منافسته، بسبب الهيكلية الاقتصادية والسياسية العالمية التي استطاعت هذه القوى الغربية تأسيسها بشكل جماعي بعيدا عن النزعات المنفردة، بحيث لا يمكن لأي قوى صاعدة أن تمر للنظام الدولي من دون الحاجة للمنظومة الغربية.

لذلك، يقول فضلي في حديث مع موقع “الحل نت”، إذا ما نظرنا إلى الفترة القليلة السابقة وقمنا بتقييم مستوى الخلافات بين نيودلهي وبكين، بشأن التنامي الاقتصادي والجيوسياسي، وما يتعلق بشأن محاولات توسع الصين على حساب الهند، سنرى أن أهم وأكبر كتلتين اقتصاديتين وبشريتين، يخوضان صراعا جوهريا من تحت الطاولة، وأن هذا الخلاف يتقاطع بشكل واضح وكبير مع السياسيات العامة بين الدولتين، ما يجعل مستقبل الـ “بريكس” كقوة مستقرة أمرا مستبعدا.

الخبير في الشأن الاقتصادي، لفت إلى أن كل تلك المعوّقات وتصاحبها جزئيات ليست بالهينة أو التي يمكن تجاوزها، والتي منها اقتصادي وسياسي أيضا، حيث تعاني المنظمة من تصدعات حادة، بحيث لا تسعفها في بناء “سوق مشتركة”، وهذا ما يعني أنها ستبقى جزءا من السوق الدولية وبحاجة للسوق الدولية التي تهيمن عليه القوى الغربية متمثلة بمنظمة “التجارة العالمية” و”مجموعة السبع” المدعومتين بمؤسسات كبيرة مثل “ًصندوق النقد” الدولي.

الـ “بريكس” أمام قوة الغرب

بلغة الأرقام، فإن إجمالي الناتج المحلي لمنظمة الـ “بريكس” التي تسعى لأن تكون “ركيزة اقتصادية لنظام عالمي جديد”، قد بلغ 27 تريليون دولار، أي ما يمثل أكثر من 30 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية وحدها بلغ إجمالي ناتجها المحلي العام الماضي 20.94 تريليون دولار، ليكون بذلك أكبر اقتصاد في العالم، ويمثل بمفرده حوالي 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

رئيس جنوب إفريقيا يستقبل الرئيس الصيني قبل انعقاد قمة “بريكس”/ إنترنت + وكالات

علاوة على ذلك، فإن بنك “بريكس” الذي يمثل الدعامة الأساسية للتعاون بين دول المنظمة، وأن العمل بين أعضاء المنظمة يجري لأن يكون بديلا لـ “صندوق النقد” الدولي، يبلغ إجمالي احتياطاته 100 مليار دولار، بينما يبلغ إجمالي احتياطات “صندوق النقد” 2.4 تريليون كوحدة سحب خاصة، يتم تحديد قيمتها على أساس سلة من العملات الرئيسية، وهو ما يبين فقر “بنك بريكس” الذي تبرهنه استثمارات الصين في الدول الأخرى والتي تمول بطرق بعيدة عن الاستعانة باحتياطات البنك.

لذلك، فإنه طيلة السنوات الثمانية الماضية، قدّم “بنك بريكس” قروضا بقيمة 32.8 مليار دولار فقط، وهو جزء ضئيل من المبلغ الذي صرفه “صندوق النقد” الدولي، إلى جانب “البنك الدولي” خلال هذه الفترة، مع ذلك حتى الآن، فإن الانقسامات العميقة بين الأعضاء، أدت إلى الحد من قدرة المنظمة القائمة على الإجماع على زيادة نفوذها في مؤسسات مثل “صندوق النقد” الدولي، أو “البنك الدولي”، أو “مجلس الأمن” التابع لـ “الأمم المتحدة”.

بناء على ذلك، وعلى أقل تقدير في الوقت الحالي، يرى مختصون، أن مساعي الصين لن تتجاوز حدود المحاولات السابقة، التي كانت تسعى من خلالها إلى نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، لاسيما في ظل ارتباط اقتصادها بشكل وثيق بالسوق الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات