وساطة إماراتية بين روسيا وأوكرانيا، أثمرت عن “أكبر عملية تبادل أسرى بين الجانبين” في خضم حرب شرسة منذ غزو موسكو لكييف، فكيف نجحت الوساطة؟ وما تفاصيل العملية؟

عدد الأسرى بعملية التبادل

في التفاصيل، أعلنت كل من روسيا وأوكرانيا، تبادل أكثر من 230 أسير حرب من كل طرف، في أول عملية تبادل رسمية بينهما منذ نحو 5 أشهر، والأولى في العام الجديد 2024.

وزارة الدفاع الروسية قالت في بيان على “تليجرام”، إنه “إثر عملية تفاوض معقدة، تمت استعادة 248 عسكرياً روسياً من الأراضي التي يسيطر عليها نظام كييف”.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من جانبه قال التالي: “أكثر من 200 من جنودنا ومدنيينا عادوا من الأسر لدى الروس”.

أسرى حرب أوكرانيون بعد عملية تبادل في موقع غير معروف بأوكرانيا. 3 كانون الثاني/ يناير 2024 – (رويترز)

في السياق، أكد مفوض حقوق الإنسان الأوكراني دميترو لوبينيتس، استعادة 230 جنديًا أوكرانياً بالضبط خلال “التبادل التاسع والأربعين” بين كييف وموسكو منذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022.

مركز التنسيق الأوكراني المسؤول عن أسرى الحرب، وصف التبادل الذي جاء بوساطة إماراتية، بأنه “الأكبر من حيث عدد المدافعين (الأوكرانيين) الذين أُعيدوا إلى وطنهم”.

في المجمل، ومنذ 24 شباط/ فبراير 2022، “عاد 2828 أوكرانياً إلى كييف، بحسب مفوض حقوق الإنسان الأوكراني، دميترو لوبينيتس. 

كيف نجحت الوساطة الإماراتية؟ 

وزارة الخارجية الإماراتية، قالت، إن “نجاح جهود الوساطة جاء انعكاساً لعلاقات الصداقة الوطيدة التي تجمع دولة الإمارات بكل من روسيا وأوكرانيا، والتي دعمتها اتصالات منتظمة على أعلى المستويات نتج عنها أحد أكبر عمليات تبادل الأسرى بين الجانبين منذ بداية الحرب”.

الخارجية الإماراتية أعربت  عن تقديرها لحكومتي روسيا وأوكرانيا على تعاونهما واستجابتهما لجهود الوساطة الإماراتية لإنجاح عملية تبادل الأسرى؛ “رغم التحديات التي تفرضها ظروف الحرب الحالية”.

وأكدت الوزارة، على التزام دولة الإمارات بمواصلة الجهود الهادفة إلى إيجاد “حل سلمي للنزاع في أوكرانيا”، مشددة على موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار وخفض التصعيد، وسعيها لدعم جميع المبادرات التي من شأنها التخفيف من التداعيات الإنسانية الناجمة عن الأزمة.

كييف وموسكو أكدّتا، أن التبادل حدث بوساطة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي بحسب موسكو “شريك مهم لروسيا في العديد من الملفات الإنسانية والاقتصادية وفي قضايا الطاقة”.

الجدير بالذكر، أن آخر عملية تبادل للأسرى تعود إلى شهر آب/ أغسطس الماضي، وحينها قال مفوض حقوق الإنسان، إن أوكرانيا تمكنت من استعادة نحو 2600 من مواطنيها الذين تم أسرهم منذ بدء الهجوم الروسي على كييف.

وتأتي عملية التبادل التي أُعلن عنها، أمس الأربعاء، في خضم تصاعد أعمال العنف بين روسيا وأوكرانيا في الأيام الأخيرة، مع ضربات من الجانبين خلفت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، في وقت لا يزال آلاف من أسرى الحرب لدى الجانبين.

ما شكل الحرب في 2024؟

مع اقتراب الغزو الروسي لأوكرانيا من عامه الثاني، كانت شبكة “BBC” البريطانية، حددت 5 أشياء قد تؤثر على الحرب في أوكرانيا في عام 2024، وهي “المال والسلاح والعنصر البشري والإجهاد الأوكراني ونهاية اللعبة”.

فيما يخص “المال”، فإنه وبحسب تقرير الشبكة البريطانية، تحتاج المساعدات الأميركية المقدمة لأوكرانيا إلى التصويت من خلال الكونغرس، وترتبط بالمناقشة بين الجمهوريين والديمقراطيين حول النفقات الأخرى، أما في الاتحاد الأوروبي، فترتبط أيضا حزمة مالية بقيمة 50 مليار دولار، بمفاوضات متوترة مع دولة المجر، إحدى دول الاتحاد، وبقية الدول الأعضاء، فالمجر انحازت فعليا إلى جانب روسيا في غزوها لأوكرانيا، على عكس بقية دول الاتحاد الأوروبي، وتريد وقف المساعدات لكييف تماما

أما بشأن “السلاح”، فإن التأخير في تقديم المساعدات الخارجية يؤدي إلى تباطؤ قدرة أوكرانيا على تزويد جيشها بالأسلحة، الأمر الذي يتسبب في قلق كييف المتزايد وثقة موسكو المتزايدة، وفقا لتقرير “BBC“.

جندي من مشاة البحرية الأوكرانية يحضر تدريبا على الطيران بطائرة بدون طيار FPV، في منطقة دنيبروبتروفسك، أوكرانيا في 15 أيار/ مايو 2023 – (رويترز).

وأفاد الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، أنه لن يحقق هدفه المتمثل في تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفع 155 ملم بحلول آذار/ مارس 2024، فيما أشار الجيش الأوكراني، إلى إنه يتعين عليه إدارة استخدام القذائف بوتيرة أقل.

في السياق، ووفقا لتقرير شبكة “BBC” الذي تابعه “الحل نت”، فإن عدم توفر الذخيرة بالكمية المطلوبة، قد يدفع بالأوكرانيين إلى التخلي عن مواقعهم ومزيد من الأراضي، في وقت تسيطر روسيا حاليا على نحو 17 بالمئة من الأراضي الأوكرانية.

هذا وتقدر أوكرانيا، أن الحرب كلفت اقتصادها 150 مليار دولار، وتخطط لإنفاق 43.2 مليار دولار على الجيش في عام 2024، بينما تقدر الميزانية العسكرية الروسية بنحو 112 مليار دولار أميركي.

الملايين خارج أوكرانيا وروسيا

فيما يتعلق بالأمر الثالث، وهو “العنصر البشري”، فإن توفير عدد كاف من الجنود يشكل تحديا لكلا الجانبين، فقبل شباط/ فبراير 2022، كان عدد سكان أوكرانيا حوالي 44 مليون نسمة، بينما تشير التقديرات إلى أن 6 ملايين أوكراني غادروا البلاد، على الرغم من أنه يعتقد أن العديد منهم قد عادوا، ونزح مئات الآلاف داخليا بسبب الاحتلال الروسي والهجمات المستمرة، وقُتل آلاف المدنيين.

وسيكون تجنيد وتدريب قوات جديدة تحديا كبيرا، وبموجب الأحكام العرفية، منعت أوكرانيا الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما من مغادرة البلاد، وفقا لتقرير “BBC”.

وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف، قال مؤخرا، إن كييف قد تحتاج إلى أن تطلب من الرجال الأوكرانيين الذين يعيشون في الخارج الحضور للخدمة العسكرية، في وقت يُعتقد أن مئات الآلاف من الرجال الأوكرانيين في سن القتال يعيشون في الخارج.، وقالت إستونيا بالفعل إنها ستساعد كييف في تجنيد المواطنين الأوكرانيين المناسبين للجيش، والذين يعيشون حاليا في إستونيا.

وفي حين أن روسيا لديها جيش أكبر بكثير وعدد سكان أكبر يبلغ رسميا نحو 144 مليون نسمة، إلا أن خسائرها في ما يقرب من عامين من الحرب كانت هائلة، إذ تحدث الخبراء العسكريون والجنود أنفسهم عن القتال بأسلوب ما يعرف بـ “مفرمة اللحم”، كما فقدت روسيا أيضا العديد من أفضل قواتها العسكرية تدريبا، مثل نخبة المظليين وأطقم القوات الجوية، الذين يعد تدريبهم مكلفا ويستغرق سنوات عدة.

وفقا للتقديرات، فإن ما يصل إلى مليون روسي غادروا البلاد بعد غزو أوكرانيا، وإعلان التعبئة العامة، ولجأت السلطات الروسية إلى تجنيد السجناء والمهاجرين غير الشرعيين لدعم جيشها.

وفيما لم يتم الكشف بشكل كامل عن الخسائر العسكرية من قبل أي من الجانبين، إلا أنه من المقدر أن تكون على الأقل بعشرات الآلاف على الجانب الأوكراني، وعلى الجانب الروسي، فإن الجنود الذين تأكد مقتلهم، ناهز عددهم أكثر من 40 ألف شخص، بحسب “BBC”، بينمت رفعت الاستخبارات الأميركية مؤخرا السرية عن التقارير التي تشير، إلى أن الخسائر الروسية، سواء في القتلى أو الجرحى، قد تصل إلى 315 ألف شخص.

سيناريو نهاية الحرب

بشأن الأمر الرابع، وهو “الإجهاد الأوكراني”، فإنه أكثر ما يقلق كييف، وهو ما يعني تناقص التعاطف والدعم من جانب عامة الناس في البلدان التي تعتمد عليها كشركاء، وقد أسفرت الانتخابات الأخيرة في هولندا وسلوفاكيا بالفعل عن انخفاض الدعم، وأوقفت سلوفاكيا حزمة مساعدات كبيرة لأوكرانيا، في حين قد لا ترسل هولندا طائرات إف-16 التي وعدت بها منذ فترة طويلة.

وفي الولايات المتحدة، ومع الانتخابات المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، فإن عودة دونالد ترامب إلى “البيت الأبيض” قد تدفع لتغيير جدي في السياسة تجاه أوكرانيا وروسيا، خاصة وأن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، تظهر أن عدد الذين يعتقدون أن واشنطن تساعد أوكرانيا أكثر من اللازم، إذ ارتفع من 21 بالمئة إلى 41 بالمئة.

وفي الاتحاد الأوروبي، وتحديدا في 8 بلدان من أصل 27، كان عدد الأشخاص الذين يعارضون تقديم المساعدات لأوكرانيا أكبر من عدد الأشخاص الذين يؤيدون تقديمها، وفقا لتقرير الشبكة البريطانية.

وستواصل كل من أوكرانيا وروسيا طلب الدعم في الجنوب العالمي في العام الجديد. تقليدياً، كانت العديد من دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا صديقة لموسكو، في معارضة للولايات المتحدة، فمنذ بداية الغزو واسع النطاق، حاولت روسيا تعزيز مواقعها، في حين عملت أوكرانيا على اكتساب النفوذ.

أخيرا، وفيما يخص “نهاية اللعبة”، تقول أوكرانيا إن التحرير الكامل من الاحتلال الروسي والعودة إلى الحدود المعترف بها دوليا هو وحده الذي سينهي هذا الصراع، وتحذر من أن التسوية مع روسيا ستشجع على المزيد من الاستيلاء على الأراضي، ليس من جانب موسكو فحسب، بل من جانب آخرين في أجزاء أخرى من العالم، بحسب “BBC”. 

فيما تزعم روسيا أنها منخرطة في صراع أوسع مع الغرب وستقاتل طالما كان ذلك ضروريا، ومن غير المرجح أن تنتهي هذه الحرب في عام 2024، إذ ستستمر مع خط أمامي قوي، والمزيد من الخسائر والتهديد اليومي بالموت والدمار في أوكرانيا، والمزيد من العزلة والمصاعب الاقتصادية التي تواجهها روسيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات