مع بداية ظهور صراع جماعة “الحوثي” في اليمن وتمردها على السلطة الشرعية، صاحب هذا الظهور الكثير من التكهنات والاتهامات حول طبيعة العلاقة بين روسيا و”الحوثيين”، ومدى تورط موسكو في تزويد الجماعة اليمنية المصنفة على قوائم الإرهاب بالأسلحة.
الأهداف المشتركة بينهما بدأت تقوي علاقتهما لإضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة، خاصة في ظل التنافس المتزايد بين القوتين العظميين، أو الضغط على دول مثل السعودية. فقد تعمل روسيا على توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، و”الحوثيون” يمثلون قوة يمكن استغلالها لتحقيق هذا الهدف.
صواريخ “ياخونت” الروسية في اليمن
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، يوم الخميس الفائت، أن روسيا قدمت في وقت سابق من هذا العام بيانات الأقمار الصناعية، والصواريخ والطائرات بدون طيار لمساعدة المتمردين “الحوثيين” في اليمن على ضرب السفن في البحر الأحمر.

وأضافت الصحيفة، نقلاً عن شخص مطلع ومسؤولين دفاعيين أوروبيين – لم تكشف هويتهما – أن “الحوثيين” بدأوا في الفترة الأخيرة استخدام بيانات الأقمار الصناعية الروسية مع توسيع ضرباتهم. وأكدت الصحيفة أن استمرار الدعم الروسي لـ “الحوثيين” ساعد الجماعة على تركيز ضرباتهم على شريان التجارة العالمية، مما أدى إلى خلق مزيد من الفوضى وزعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر.
كما أن هذا الدعم الروسي، بحسب “وول ستريت جورنال”، يهدف إلى القضاء على النظام الاقتصادي والسياسي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. وذكرت الصحيفة أن البيانات والمعلومات والأسلحة الروسية تم نقلها إلى “الحوثيين” عبر الوساطة الإيرانية، وتحديداً من خلال أفراد داخل “الحرس الثوري” المتمركزين في اليمن لدعم “الحوثيين”.
رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” للإعلام والدراسات، صالح أبوعوذل، في تعليقه مع “الحل نت” قال: إن “العلاقة بين روسيا والحوثيين تشهد تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، مدفوعة بالتعاون المتزايد بين موسكو وطهران”.
روسيا، التي لم تتدخل بشكل مباشر في الصراع اليمني منذ بداية عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية في 2015، بل حافظت على قنوات اتصال مع جميع الأطراف المتنازعة، بما في ذلك “الحوثيون”.
رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” للإعلام والدراسات، صالح أبوعوذل
وأشار أبوعوذل إلى أن التحول الواضح في موقف روسيا تجاه “الحوثيين” يتزامن مع تعزيز علاقاتها مع ميليشيات أخرى تدعمها إيران في الشرق الأوسط. ويعود هذا التقارب إلى الدور الإيراني المتنامي في العلاقة، حيث تلعب طهران دور الوسيط في تزويد “الحوثيين” بالأسلحة والمعدات العسكرية، وهو ما تم خلال السنوات الماضية عبر تقديم الدعم العسكري والتدريب والتسليح.
كما أضاف أن هناك تقارير تفيد بأن “الحوثيين” قد يحصلون على أسلحة استراتيجية من روسيا، بما في ذلك صواريخ “ياخونت” المضادة للسفن، والتي إذا تم تسليمها، ستمثل نقلة نوعية في قدراتهم العسكرية، خاصة فيما يتعلق باستهداف السفن الحربية والتجارية في البحر الأحمر.
الحوثيون ورقة ضغط روسية
بحسب معلومات استخباراتية غربية، فإن “الكرملين” درس إمكانية إرسال صواريخ مضادة للسفن إلى “الحوثيين”. وأكدت وسائل إعلام أميركية أن توريد الأسلحة لـ “الحوثيين”، إذا تم، فسيكون بعلم ومساعدة إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مجلة “بوليتيكو” دعت البحريات الغربية وشركات الشحن للاستعداد لوصول محتمل لأسلحة روسية جديدة عبر البحر الأحمر. من هذه الأسلحة الصواريخ التي يبلغ مداها 300 كيلومتر (186 ميلاً)، وتحمل رأساً حربياً شديد الانفجار يزن 200 كيلوغرام (400 رطل)، من شأنها أن تزيد بشكل كبير من المخاطر التي تتعرض لها السفن التجارية في البحر الأحمر، وحتى السفن البحرية الغربية هناك لحمايتها.
والواقع أن وصول صواريخ “بي-800 أونيكس” من شأنه أن يؤدي إلى رحيل شركات الشحن القليلة المتبقية التي لا تزال ترسل سفنها عبر البحر الأحمر. فقد يسعى الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، من خلال توريد الأسلحة لـ “الحوثيين”، إلى التصدي للعزلة السياسية والاقتصادية التي فرضها الغرب على بلاده منذ غزوه لأوكرانيا في عام 2022، عبر شبكات العلاقات المتنامية مع “الحوثيين” وغيرهم، في محاولة منه لكسب الوجود الدولي، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الأعمال الإرهابية على الملاحة الدولية.
“الحوثيون” المدعومون من إيران وروسيا، الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من اليمن، بدأوا باستهداف الشحن التجاري في البحر الأحمر تحت ذريعة “تضامن مع الفلسطينيين في حرب غزة”، التي اندلعت بسبب هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ضد إسرائيل.
وقد أدى ذلك إلى أكثر من 100 هجوم نفذه “الحوثيون” على مدى ما يقرب من عام، قُتل فيها أربعة بحارة وأغرقت سفينتان، فيما ظلت سفينة واحدة وطاقمها محتجزين منذ اختطافها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ومع تصاعد التوترات مع الغرب، أوضحت موسكو أنها تعارض تدخل واشنطن في الشرق الأوسط، حيث عززت البحرية الأميركية وجودها بشكل كبير للدفاع عن ممرات الشحن التجاري في البحر الأحمر والتحوط ضد خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة.
وعندما شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عشرات الضربات على أهداف لـ “الحوثيين” في كانون الثاني/يناير الفائت، أدان دميتري بيسكوف، المتحدث باسم “الكرملين”، الهجمات ووصفها بأنها “غير شرعية” في إطار القانون الدولي.
في هذا الصدد، يؤكد أبوعوذل أن “روسيا قد تستخدم الحوثيين كورقة ضغط في إطار الصراع الدولي الدائر بينها وبين الغرب، لاسيما في سياق الحرب الأوكرانية”، مشيرًا إلى أن تقديم الدعم العسكري لجماعة “الحوثي” قد يكون ردًا على الدعم الغربي لأوكرانيا، مما يفتح جبهة جديدة تستهدف المصالح الغربية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر الاستراتيجية.
محادثات مع تاجر الموت
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن جماعة “الحوثي” تجري محادثات مع “فيكتور بوت” بشأن تسليم أسلحة إضافية، وهو تاجر الأسلحة الأكثر شهرة في العالم. فقد أمضى التاجر الروسي، المعروف باسم “تاجر الموت”، والذي عمل أيضًا لصالح جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي، ما يقرب من عقدين من الزمن في بيع الأسلحة للجماعات المسلحة في مختلف أنحاء العالم.

وكان الموت والدمار يلاحقانه أينما ذهبت أسلحته. فقد قال عنه مايكل براون، رئيس العمليات في مكافحة المخدرات، في برنامج على قناة “سي بي إس” عام 2010: “إنه واحد من أخطر الرجال على وجه الأرض”.
في عام 2008، تمكنت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية من القبض عليه في عملية سرية في تايلاند. وتم تسليمه بعد ذلك إلى الولايات المتحدة وحُكِم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا بتهم عدة، بما في ذلك التآمر لقتل أميركيين.
إلا أن الولايات المتحدة قررت إطلاق سراحه ومبادلته بمواطنة أميركية مسجونة في روسيا. وقد نصح براون، في مقالة كتبها في مجلة “فورين بوليسي”، بعدم إجراء هذا التبادل، مشيرًا إلى أن بوت ظل قريبًا من “الكرملين”: “حتى بعد مغادرته رسميًا لجهاز المخابرات العسكرية الروسية، تمتع بوت بدعم صاحب عمله السابق – وفي بعض الأحيان تولى مهام منه”.
والآن لجأ “الحوثيون” إلى التعامل مع “بوت” والاعتماد عليه في تقديم ونقل الأسلحة المتفق عليها بينهما. حيث ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الشحنتين الأوليين اللتين يسّر “بوت” وصولهما، والمتوقع وصولهما في وقت مبكر من هذا الشهر، “ستكونان في الغالب من بنادق “AK-74″، وهي نسخة مطورة من بندقية “AK-47” الهجومية.
كما ناقش “بوت” و”الحوثيون” الحصول على صواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطائرات. قد يحتاج “الحوثيون” إلى بنادق هجومية أوتوماتيكية في صراعهم المسلح ضد الحكومة الرسمية في اليمن، لكن الأسلحة الأكبر حجمًا هي التي ينبغي للدول الغربية أن تقلق بشأنها أكثر من غيرها. وإذا انطلقت علاقة “بوت” مع “الحوثيين”، فقد تتبعها أسلحة مضادة للسفن.
الجسر الإيراني الروسي
إيران لديها الاستعداد للعمل كجسر بين “الحوثيين” وروسيا، مما يؤكد امتلاك إيران شبكة إرهابية عابرة للحدود الدولية. ويأتي إمداد روسيا المحتمل لـ “الحوثيين” بصواريخ مضادة للسفن في ظل علاقات مزدهرة بين موسكو وطهران.
كما يشير ما ذكر، إلى استعداد إيراني متزايد لزعزعة استقرار الشرق الأوسط بالتعاون مع دول أخرى خارج المنطقة. فمنذ غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، قدمت طهران آلاف الطائرات بدون طيار إلى موسكو، وتسعى الآن للحصول على معدات عسكرية متقدمة في المقابل.
في أيلول/سبتمبر الفائت، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن “روسيا تلقت الآن شحنات من هذه الصواريخ الباليستية ومن المرجح أن تستخدمها خلال أسابيع في أوكرانيا ضد الأوكرانيين”. وأضاف أن الصواريخ “يبلغ مداها الأقصى 75 ميلًا” وستسمح “لروسيا باستخدام المزيد من ترسانتها لضرب أهداف أبعد عن خط المواجهة، بينما تُخصص الصواريخ الجديدة التي تتلقاها من إيران لضرب أهداف أقرب مدى”.
ولهذا، تعمل إيران وروسيا على تبادل المعلومات الاستخباراتية ومضايقة القوات الأميركية في الشرق الأوسط كجزء من جهد مشترك لطرد الولايات المتحدة من المنطقة وتمكين أذرع إيران. وبحسب المحللين، فإن روسيا زودت الجماعة المتمردة اليمنية ببيانات الاستهداف إلى حد كبير لإبقاء الولايات المتحدة متورطة في المنطقة وصرف الموارد والانتباه بعيدًا عن حرب موسكو الطاحنة في أوكرانيا.
ألكسندر جابوييف، مدير مركز “كارنيغي روسيا وأوراسيا”، وهو مركز أبحاث مقره برلين، قال لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “بالنسبة لروسيا، فإن أي اشتعال للصراع في أي مكان هو خبر جيد، لأنه يحول انتباه العالم بعيدًا عن أوكرانيا”.
ولهذا يختم أبوعوذل بأن دعم روسيا لـ “الحوثيين” يعكس استراتيجيتها الأوسع لتعزيز نفوذها في المنطقة وضمان مصالحها، من خلال توثيق علاقاتها مع حلفاء إيران. ولذلك، تتجنب الهجمات “الحوثية” السفن الصينية والروسية. ومن ناحية أخرى، لم تمارس هاتان القوتان ضغطًا على جماعة “الحوثي” لإنهاء هجماتهم على السفن لأنه يخدم أغراضهما في التمدد وفرض السيطرة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وزير سوري يكشف مصير الزراعة مع مناطق “الإدارة الذاتية” ودور رامي مخلوف بالاقتصاد

وزير الزراعة السوري لـ “الحل نت”: الزراعة ستكون المورد الاقتصادي الأول.. ماذا عن المزارعين؟

وزير التربية السوري لـ”الحل نت”: خطة لتغيير النهج التعليمي بالكامل وبرامج لإعادة المتسرّبين

مقرب من الأسد يكشف سبب تهربه من لقاء أردوغان وكواليس الخطاب الملغي

مصدر حكومي يكشف.. هل كان النظام المخلوع قادرا على إنهاء الأزمات؟

مسؤول بالإدارة السورية الجديدة: ندرس فرض رسوم جمركية
المزيد من مقالات حول في العمق

هل على العراق الخروج من “محور المقاومة” الآن؟

“نفطنا” و”قمحنا”.. متى تنتهي سياسات الملكيات الخاصة وثقافة العبودية المعاصرة بسوريا؟

الشرع بين خطابين: ما هي الثغرات التي وقع بها داخليا؟

إلهام أحمد لـ”الحل نت”: اتصالنا مباشر مع دمشق ولا انسحاب أميركي من سوريا في ظل إدارة ترامب

الضربات الجوية تُرعِب “الحوثيين”.. قيادات تهرب إلى فنادق صعدة خوفاً من الاغتيال

عن المساعي الكُردية لتشكيل “وفد مفاوض موحد” للتحاور مع دمشق

الأنظار تتجه إلى سوريا: ما هو المطلوب لتجاوز هذه المرحلة الحساسة؟
