تحتشد أصوات مؤثرة وقوية في الداخل الإيراني صوب ضرورة الرد على هجمات تل أبيب الأخيرة على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية ردا على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل في وقت سابق. وجاء حديث المرشد علي خامنئي أمام مجموعة من الطلاب ليتمم مسار تلك التصريحات التي تفضي نحو رد وصفه بـ”القوي والصارم” ضد “الأعداء” وذلك على خلفية ما “يفعلونه بالمقاومة وإيران”.
ولليوم الثالث على التوالي، يواصل المسؤولون الإيرانيون إرسال التهديدات والتوعيدات بـ”رد قوي ومؤكد” لإسرائيل، وآخرها جاء اليوم الأحد على لسان قائد “الحرس الثوري” الإيراني، حسين سلامي، حيث قال في كلمة ألقاها أمام المتظاهرين وسط طهران في الذكرى الخامسة والأربعين لعملية اقتحام السفارة الأميركية واحتجاز عشرات الدبلوماسيين والموظفين فيها رهائن عام 1979: “لطالما حذّرناهم بأنهم إن لم يبدّلوا سلوكهم، فهم ذاهبون إلى الانهيار والدمار”، محذرا واشنطن وإسرائيل، بأن “المقاومة الإسلامية ستوجه ردا قاسيا لجبهة الشر”، بحسب التلفزيون الرسمي.
رد طهران “حتمي”
وكان قد قال المتحدث باسم “الحرس الثوري” الإيراني العميد علي محمد نائيني، أمس السبت، إن “الرد الإيراني على إسرائيل أمر لا مفر منه، وسيكون حاسما وقويا ومدروسا، ويتجاوز بكثير ما يتخيله العدو”، على حد تعبيره.
يتفق ذات المضمون أيضا مع تصريحات عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان، الجنرال إسماعيل كوثري، الذي أعلن قائلا: إن “أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي وافقوا على الرد العسكري على إسرائيل”.
واللافت أن كوثري قال إن الرد العسكري الإيراني سيكون مصحوبا بهجمات من قوات “محور المقاومة”، منوّها إلى أن الهجوم الإيراني على إسرائيل سيكون أثقل بكثير من الرد الإيراني السابق “الوعد الصادق 2”.
بيد أن النظرة الواقعية لمجريات الأمور وسريانها تشي بكون تلك الخطوة مليئة بتناقضات عميقة وحسابات مركبة وسيناريوهات مختلفة ترتبط بعديد العوامل من أهمها حسابات المصالح في منسوب العلاقات الوظيفية بين طهران واشنطن وما ترغبه الأخيرة في تقليم أظافر إيران الإقليمية دون أن تفقدها نهائيا، وفي نفس الوقت ترغب في كسر التعاون العسكري الإيراني في مسرح الحرب الروسية الأوكرانية لصالح موسكو.
قد تميل إيران لتنفيذ رد معتبر ضد تل أبيب، سيما أن الأخيرة أصابت بشدة منشآت عسكرية حيوية ترتبط بمنظومة الدفاع الجوي، وبالتالي فهي تدرك جيدا عواقب هجوم آخر إذا تم تنفيذه من داخل إيران، وهو ما قد يدفعها لتنفيذ ذلك عبر ميلشياتها في العراق، وهو ما نجده في تصريحات عضو المكتب السياسي لـ”حركة النجباء” العراقية حيدر اللامي، حين قال “ننسق مع طهران للرد على إسرائيل في الوقت والمكان المناسبين”، لافتا إلى أنه “من حق إيران ضرب إسرائيل من أي مكان داخل العراق”.
يفسر الوزير سميح المعايطة ترجيح استخدام إيران للأراضي العراقية والميلشيات العراقية في تنفيذ “عملية الرد”، وذلك بغية تجنب الرد المباشر وكلفته في حال رد إسرائيلي مقابل.
سميح المعايطة وزير الإعلام الأردني السابق لـ”الحل نت”
وفي سياق متصل، نقل موقع “أكسيوس” عن مصدرين إسرائيليين، الخميس الماضي، أن معلومات استخباراتية في تل أبيب تشير إلى أن إيران تستعد لمهاجمة إسرائيل من الأراضي العراقية خلال الأيام المقبلة، وربما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، باستخدام عدد كبير من الأسلحة، من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. ورجح الموقع الأميركي أن يتم تنفيذ الهجوم من خلال المجموعات الموالية لإيران في العراق، في محاولة من جانب إيران لتجنب هجوم إسرائيلي آخر ضد أهداف استراتيجية في طهران.
إقحام الجغرافيا العراقية في الحرب!
إذاً، كل الكواليس في كل الأطراف الفاعلة تتحدث بوضوح عن حتمية الرد الإيراني بل وتوقيته الذي ينبغي أن يكون خلال ساعات بحسب تلك التقارير، بينما العقل السياسي لمؤسسات “بيت المرشد” يهدف في الأساس لمكاسب سياسية استراتيجية من خلال تحركات تكتيكية تشي بفتح جبهة ميدانية جديدة ومسرح أحداث آخر في الشرق الأوسط عبر إقحام الجغرافيا العراقية في حرب غزة ولبنان وبالتالي سينتج ذلك ضغوط شديدة إضافية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق يرى سميح المعايطة وزير الإعلام الأردني السابق، أن مؤشرات الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي الأخير، تأتي من عدة مصادر وجهات، سواء داخل إيران أو من تل أبيب، إضافة إلى التقارير التي تتجه نحو نفس الترجيح.
يتابع السيد سميح المعايطة تصريحاته لـ “الحل نت” بقوله إن موضوع الرد الإيراني على تل أبيب حديث يتحدث فيه الإيرانيون خلال الأيام الاخيرة وعلى مستويات قيادية في “الحرس الثوري” وكذا المرشد الإيراني علي خامنئي الذي تحدث عن ضرورة الرد على إسرائيل. لكن الإسرائيليين هم الذين تحدثوا عن الرد الذي سيأتي من داخل الأراضي العراقية، وفي اعتقاد السيد سميح المعايطة، أن تل أبيب ليس لديها رغبة حقيقية في توسيع الجبهات، لكن لديهم الأولوية في حتمية توجيه الضربات ضد كافة أذرع إيران وأدواتها في المنطقة.
ويبدو منطقيا أن تتحرك طهران بكل ثقلها ومقدراتها نحو العمل على الحفاظ على ما تبقى من بنية “حزب الله” ومحاولة إدخاله في أفق لبنان المنظور بأي صورة، وبالتالي فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل.
إن خط النار المتصل والممتد بين طهران وتل أبيب لن ينقطع، وكلا منهما يدرك ذلك سواء قامت طهران بالرد المباشر أو عبر ميلشياتها في المنطقة. كما أن كلا منهما يدقق جيدا في كل الخيارات قبل أيام من دخول الرئيس الجديد للبيت الأبيض. فهل من الأدق أن تنفيذ طهران هجومها خلال أيام؟ وما يمكن توقعه هو أن تقوم تل أبيب بتصميم ضربة استباقية من شأنها أن تجهض خطط طهران.
وسواء في العراق أو لبنان أو اليمن أو سوريا، فإنهم يمثلون، في تقدير تل أبيب، كتلة صلبة واحدة ينبغي تقويضها وقطع كافة إمدادات التواصل اللوجستي معها. ويتسق ذلك مع نظرة حكومة بنيامين نتنياهو التي ترى أن الوضع الميداني والسياسي منذ السابع من أكتوبر العام 2023، يتطلب مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وتقويض ميلشيا ووكلاء “الولي الفقيه”، وهذا يدعو إلى الاهتمام بما سيكون عليه مسرح الأحداث القادم.
إذاً، وبحسب الوزير المعايطة نحن أمام مواجهات تلخص مشاريع سياسية متصارعة ولكنها “بلون ورائحة الدم”. ويفسر الوزير سميح المعايطة ترجيح استخدام إيران للأراضي العراقية والميلشيات العراقية في تنفيذ “عملية الرد”، وذلك بغية تجنب الرد المباشر وكلفته في حال رد إسرائيلي مقابل.
ويختتم وزير الإعلام الأردني السابق حديثه لـ “الحل نت” بقوله إنه “لا صلة بين توقيت هذه الضربة ومشهد الانتخابات في الولايات المتحدة”، مؤكدا أن العامل الرئيس والحاسم في هذا الأمر هو منسوب التفاهمات والمصالح بين إيران والقوى الغربية.
حساب الوقت ودلالاته يقبض على اعتبارات لا يمكن غض البصر عنها، وتأتي الانتخابات الأميركية كمعامل له قيمته الرمزية في ميزان التكاليف وعوائده وأعبائه أيضا في ذهنية المرشد واتباعهن وهم يفكرون في كيفية إدارة الوضع الميداني مع تل أبيب وهامش ما تبقى من “حرب الظل” مع واشنطن.
ترجيحات باستخدام طهران الحيز العراقي
ستعمل طهران على ظهور الاستعدادات الكاملة لتنفيذ ضربة انتقامية، خاصة بعد ما كشفت تقارير عديدة حجم الضرر الهائل من هجوم تل أبيب الأخير وقد تعمل على استغلال رمزية الاستحقاق الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية والسماح بالهجوم ضد تل أبيب عبر ميلشياتها الوظيفية.
ومن هنا يشير العميد الركن خالد حمادة مدير “المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات” إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على طهران شكّل على إيران متغيرا ربما لم يكن متوقعا، بالإضافة لأنه كان هجوم بأكثر من مئة طائرة. ويبدو من خلال المعلومات التي بدأت تتسرب تباعا أنه أصاب منشآت حيوية تتعلق بمنظومة الدفاع الجوي الإيراني.
يتابع العميد ركن خالد حمادة تصريحاته لـ” الحل نت” قائلا إن الهجوم الإسرائيلي الأخير استهدف رادارات ومنشآت لإنتاج الصواريخ ومنظومات دفاعية من فئة إس- 300، بجانب منشآت لإنتاج المسيّرات.
فيما يرتبط بما يتداول حول استخدام إيران للأراضي العراقية في هذا الرد المرتقب، فإنه في رأي العميد خالدة حمادة لـ”الحل نت”، يأتي ردا على كون هجمات تل أبيب جاءت عبر الأجواء السورية والعراقية، وبالتالي إذا ما قررت طهران تنفيذ ضربتها “الانتقامية”، فسوف تستخدم الحيز الجوي العراقي.
وفي تقدير العميد الركن خالد حمادة، فإن هذه المنشآت تعتبر العصب الحقيقي للدور الإيراني الذي تمارسه إقليميا، ومرتكزا رئيسا في هذا الصراع المفتوح مع تل أبيب عبر ميلشياتها وأذرعها.
يفسر الخبير العسكري خالد حمادة حالة التعبئة التي تبدو عليها قيادات ومؤسسات “بيت المرشد” على خلفية أن تسريب هذه المعلومات والصور الجوية عن نتائج الهجوم الإسرائيلي الأخير والذي أساء بشكل أو بآخر لصورة طهران. كما اعتبرت طهران أن نشر تلك المعلومات والبيانات ووضعه بمتناول الجميع أحرج موقفها وجعلها في مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بمحاولة القيام برد بنفس المستوى.
يلفت حمادة إلى أن طهران تدرك حساسية وحرج موقفها اليوم وكذا تدهور وارتباط علاقتها بالولايات المتحدة تباعا، واصفا العلاقات بالإقليم بـ “الحرجة” وذلك على خلفية أن إيران تدرك أن جميع أذرعها في المنطقة لا يبدو أنها تعيش “عصرها الذهبي” الذي اعتادت عليه منذ عقود، عندما امتدت لتصل إلى لبنان ومن ثم سوريا واليمن. ولذلك فإن عملية الرد الإيراني قد تكون مرتبطة بكل هذه العوامل.
ولذلك يرى العميد خالد حمادة أن على طهران أن تقيم حسابات دقيقة، ذلك لأنه إذا اعتمدنا على الهجوم الإسرائيلي الأخير واعتبرنا أن تل أبيب مستعدة لتنفيذ هجمات مماثلة وربما على أهداف أكثر قيمة، فيمكن القول إن طهران ستدخل في نفق قد يهدد كل ما راكمته في المنطقة. ومع كل نفوذها في المنطقة، فإنها ستصبح موضع خطر كبير. ولذلك، يخلص العميد خالد حمادة تقديره في أن “طهران لن تشن هجوما من شأنه أن يعرّض علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية إلى نصل حاد”.
أما فيما يرتبط بما يتداول حول استخدام إيران للأراضي العراقية في هذا الرد المرتقب، فإنه في رأي العميد خالدة حمادة، يأتي ردا على كون هجمات تل أبيب جاءت عبر الأجواء السورية والعراقية، وبالتالي إذا ما قررت طهران تنفيذ ضربتها “الانتقامية”، فسوف تستخدم الحيز الجوي العراقي.
على أية حال، يظل ترجيحي ولا يزال الحديث للمصدر ذاته، أن إيران تدرك تماما ما عليها أن تفعله، وأن تجاوز الخطوط الحمراء سيضع الجميع على حافة الانزلاق الكامل نحو السيولة العسكرية.
إذاً، يبدو أن الأفق السياسي الذي قامت عليه المواجهات الميدانية ماثلا للجميع ولم يضع أفولا مرتقبا كون أبعاد النفوذ الذي حازته طهران في الجغرافيا المتاخمة لتل أبيب قائما وإدارة بنيامين نتنياهو لن تقبل بذلك وستعمل خططها الهجومية على كسر ذلك الطوق الذي يحاصرها في الشرق الأوسط، وفي المقابل ستجاهد طهران عبر معادلات الواقع الدولي وتناقضاته وديناميكيته الحالية “الحفاظ على نفوذها” التي راكمته خلال السنوات الأخيرة، وذلك وفق أولوياتها الاستراتيجية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.