مرحلة جديدة بدأتها سوريا بعد انهيار حكم بشار الأسد، اتسمت بالانفتاح الدولي والعربي، حيث استقبلت دمشق وفودًا عربية ودولية على مدار الأيام الماضية، بعضها لبنانية وسعودية وأردنية وقطرية وتركية، وسط مبادرات وتأكيدات لدعم استقرار البلاد وإعادة إعمارها، عكست مساعي دعم المسار الانتقالي.
وأثار انفتاح سوريا على بعض الدول العربية العديد من التساؤلات حول تأثيره على مستقبل العلاقات التجارية مع تلك الدول وما ستصل إليه من شراكات معها، خاصة في ظل رغبة كل الأطراف في تحقيق المصالح المشتركة والتصدي للتحديات المشتركة، وإزالة أي عوائق يمكن أن تعطل بناء سوريا الجديدة.
وعكست بعض التصريحات الرسمية لوفود قدِمت إلى دمشق، ملامح العلاقات بين سوريا وبعض الدول التي أظهرت اهتمامًا شديدا للتعاون الاقتصادي معها.
طموح تركي
تطمح تركيا إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع سوريا، وهو ما أظهره حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتكرر منذ سقوط نظام الأسد، عن مساعي بلاده لبناء سوريا والمشاركة في إعادة الإعمار، إضافة إلى التعاون في قطاعات اقتصادية كالطاقة والتجارة

كما ظهرت المساعي التركية لأن تصبح شريكًا تجاريا لسوريا الجديدة خلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق، وتأكيده خلال تصريحات صحفية على ضرورة مساعدة سوريا الجديدة ورفع العقوبات المفروضة عليها في أسرع وقت ممكن.
ودعا وزير الخارجية التركي إلى استغلال فرص استثمارية جديدة لرجال الأعمال الأتراك، مؤكدًا أنه بعد رفع العقوبات على سوريا يجب أن ترافق تركيا الاقتصاد السوري وكذلك إعادة الإعمار.
تمثل التبادلات التجارية وإعادة الإعمار إضافة إلى الاستثمار، ركائزًا أساسية في التعاون الاقتصادي المتوقع بين البلدين خلال الفترة القادمة.
وتعمل تركيا على تعزيز علاقتها مع سوريا من خلال خطة أولية تهدف إلى رفع حجم الصادرات التركية إلى سوريا لأكثر من مليار دولار، ذلك وفقًا لما صرّح به رئيس اتحاد مصدّري جنوب شرق الأناضول فكرت كيلجي، الذي أكد أن التطورات الأخيرة تفتح آفاقا إيجابية كبيرة أمام الشعبين التركي والسوري، وأن تركيا مستعدة لتكون شريكا اقتصاديا رئيسيا في إعادة إعمار سوريا، مشددا أن التنوع الصناعي في منطقة جنوب شرق الأناضول يمكن أن يلبي احتياجات سوريا في مختلف القطاعات.
حجم الصادرات من تركيا إلى سوريا قبل بداية الثورة في عام 2011 كان وصل إلى 224 مليون دولار، بينما في عام 2024 وصل إلى 595 مليون دولار.
أشارت تصريحات الجانب التركي، إضافة إلى تصريحات القيادة الجديدة في سوريا إلى أن هناك تحولًا كبيرًا في العلاقات بين أنقرة ودمشق بعد أن شهدت توترًا منذ اندلاع الثورة عام 2011، لتنهار بعدها العلاقات بين البلدين، ومن ثم تأخذ مسارًا جديدًا بعد سقوط الأسد.
ومن جانبه أعرب زعيم الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، خلال مؤتمر صحفي له بالعاصمة السورية دمشق مع وزير الخارجية التركية، الأحد الماضي، عن عزم الحكومة الجديدة على بناء علاقات استراتيجية مع تركيا التي وصفها بأنها دولة صديقة لبلاده.
ووفقًا لوكالة “الأناضول” التركية للأنباء، فإن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، أعلن اليوم الثلاثاء، أن وفدا من الوزارة سيتوجه إلى سوريا قريبا للنظر في البنية التحتية للكهرباء والطاقة.
اهتمام قطري
تركيا لم تدعم وحدها سوريا الجديدة، فقطر أيضًا سرعان ما اتخذت الموقف ذاته، بخطوات مماثلة أبدت خلالها مساعيها لمساعدة الحكومة على نجاح الفترة الانتقالية وتجاوز التحديات التي تواجهها حتى الوصول إلى الاستقرار.
قطر كانت الدولة الثانية بعد تركيا بإعادة فتح سفارتها رسميًا في العاصمة السورية، عقب سقوط نظام الأسد، حيث أعلنت الأسبوع الماضي، تعيين خليفة عبد الله آل محمود الشريف قائماً بأعمال السفارة القطرية في دمشق.

وأبدت الدوحة اهتمامها البالغ للاستثمار بقطاعات الطاقة في سوريا، وفق ما أكد قائد “إدارة العمليات العسكرية” في سوريا، أمس الإثنين، عقب لقائه مع وزير خارجية قطر محمد الخليفي، ما يشير إلى بدء مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.
وأضاف أن سوريا ستبدأ تعاونا استراتيجيا واسعا مع قطر خلال الفترة القادمة، كما أنها تسعى للاستفادة من الخبرات القطرية في كافة المجالات، مؤكدًا أن الدوحة لها أولوية خاصة في سوريا لمواقفها المشرفة تجاه الشعب السوري، ومشاركة قطر في المرحلة القادمة ستكون فعالة ومهمة.
الخطوات التي اتُخذت بين الجانبين منذ سقوط الأسد تمثل انطلاقة جديدة للعلاقات السورية القطرية، وأنها ستشهد تعاونًا في مجالات عدة على رأسها الاستثمار بالنفط، كما أظهرت أن الدوحة من المتوقع أن تكون في مقدمة شركاء سوريا الجديدة خاصة على المستوى الاقتصادي.
علاقة مميزة مع الأردن
وبالنسبة للأردن التي ترتبط مع سوريا بحدود طولها 375 كلم، عانت كثيرًا من تداعيات الأزمة السورية منذ أكثر من عقد على جميع الأصعدة، حتى تنفّست الصعداء بعد سقوط الأسد وعلقت الآمال على استعادة الاستقرار بجارتها الشمالية لما كانت عليه قبل عام 2011.
بعد سقوط الأسد اتخذت المملكة خطوات تعكس انفتاحها على سوريا الجديدة، فبعد مرور عشرة أيام فقط، أعادت الحركة في “معبر جابر” الحدودي، بعد السماح للشاحنات بالدخول إلى دمشق ونقل البضائع إليها، بعد توقف حركة التجارة بين البلدين.
ويرتبط البلدان بمعبرين رئيسيين، هما “الجمرك القديم” الذي يقابله “الرمثا” من الجانب الأردني وخرج عن الخدمة منذ سنوات بسبب تداعيات الأزمة في سوريا، و”نصيب” الذي يقابله “جابر” الأردني، تقارب الحدود بين البلدين يميز العلاقات بينهما ويدفع المملكة لأن تكون شريكًا تجاريًا بارزًا لسوريا خلال الفترة المقبلة.
تُعتبر التجارة الثنائية مؤشرا مهما لطبيعة العلاقات بين البلدين، ففي عام 2020 وفقًا للأرقام الرسمية بلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا والأردن قرابة 109 مليون دولار، فيما زادت الصادرات الأردنية إلى سوريا خلال عام 2022 لنحو 71 مليون دينار مقابل 56 مليون دينار عام 2021
تبع ذلك إجراء وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي زيارة رسمية إلى دمشق، التقى خلالها قائد “الإدارة السورية الجديدة” أحمد الشرع، ليكون أول مسؤول عربي يلتقيه، حيث أكد أن بلاده ستساعد السوريين في عملية إعادة الإعمار، وأنها ستقف دوما إلى جانب الشعب السوري.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

“الائتلاف”” والتفاوض” يسلمان العهدة للشرع.. إليكم كواليس الاجتماع

الشرع يتحدث عن أسباب رحلته إلى العراق وانضمامه “للقاعدة”

“حتى عام 2022 كان مقيماً فيها”.. ماهر الشرع من طبيب بروسيا إلى وزير بسوريا

مدير “حظر الأسلحة الكيميائية” في دمشق.. ماذا سيبحث؟
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول اقتصاد

اللاجئون السوريون.. ما هي أصعب التحديات التي تقف عقبة أمام عودتهم؟

بعد أزمة فصل الموظفين.. القطاع العام السوري نحو تقليص العدد أم إعادة الهيكلة؟

انعكاسات محتملة.. ما مردود قرار تركيا رفع القيود عن الواردات السورية؟

رغم رفع جزء من العقوبات.. لماذا تفشل الإدارة السورية في جذب استثمارات جديدة؟

أحدث مؤشر للفساد عن سوريا بعد سقوط الأسد.. ماذا كشف؟

ما الذي يعنيه قرار “المركزي” برفع قيمة الدولار أمام الليرة السورية؟

سوق العقارات في سوريا بين جمود البيع ونشاط الإيجار.. ما السبب؟
