وسط حالة من الاستياء في الشمال والترحيب في الجنوب، أصدرت حكومة تصريف الأعمال السورية نشرة موحدة للرسوم الجمركية في جميع المعابر والمنافذ الحدودية، أمس السبت، إذ رفعت بموجبها الرسوم التي كان معمولاً بها في محافظة إدلب، فيما خفّضت الرسوم التي كان يفرضها النظام السابق في المعابر التي كانت تحت سيطرته.
وأدت الرسوم الجمركية الجديدة إلى ارتفاع أصوات التجار في محافظة إدلب، شمالي البلاد، مطالبين بالعودة عن القرار لما له من آثار سلبية في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، فيما كانت الصورة مختلفة لدى تجار دمشق والمحافظات التي كانت تقع تحت سيطرة النظام خلال السنوات الماضية.
رد فعل سلبي في إدلب
الرسوم الجمركية الجديدة، التي بدأ العمل بها أمس السبت، لقيت استنكارا شديدا من تجار محافظة إدلب وأهاليها، حيث ارتفعت الأسعار في المحال التجارية بنسب وصلت إلى 10 بالمئة، بينما أغلق تجار محالهم، احتجاجا على رفع الجمارك.

نسبة ارتفاع الرسوم في محافظة إدلب تراوحت بين 100 و500 بالمئة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار مختلف السلع، وتوقّف التجار عن البيع، وإغلاق المحال التجارية والمستودعات. كما علق التجار إدخال البضائع عبر معبر باب الهوى، الحدودي مع تركيا.
هذا الاستياء لم يتوقف عند التجار فقط، إذ ساد غضب شعبي بسبب ما اعتبروه “ارتفاع التعرفة الجمركية بشكل جنوني”، بينما نشر ناشطون يافطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي كتب عليها “لا صبر مع تجويع أبنائنا” وأخرى تطالب الحكومة “بإعادة النظر بالجمركة” و “شعب إدلب لا يستحق هذا العقاب”.
إضافة إلى ذلك، فقد انتشرت صور عبر مواقع التواصل تطالب بإسقاط حكومة تصريف الأعمال، إذ أظهرت صورة لجدار في مدينة إدلب كتب عليه “تسقط حكومة التجويع”، بعد إعلان نشرة الرسوم الجديدة.
مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، قال في حديث لـ “الحل نت”، إن “معبر باب الهوى كان يفرض ضريبة بدل خدمة فقط، وليس مثل الضرائب أو الرسوم التي كان معمولاً به سابقا في معابر النظام المخلوع”. إذ أوضح أن “ضرائب بدل الخدمة المعمول بها في باب الهوى لا تشكل 5 بالمئة من ضرائب النظام السابق”.
أما بالنسبة لتجار دمشق، فقد اعتبروا أن التعرفة الجمركية الجديدة جيدة، إذ ستساهم بخفض الأسعار في الأسواق وتأمين المواد الخام للصناعات بأسعار تناسب السوق المحلي والعالمي.
واعتبر محمد خليفة، أحد تجار محافظة درعا، أن قرار توحيد الرسوم الجمركية صائب وساهم بضبط السوق، إذ إن التجار تأثروا سلباً بفرق الأسعار الكبير بين إدلب والمحافظات الأخرى، بسبب انخفاض الرسوم الجمركية.
خليفة أضاف لـ “الحل نت”، أنه “أصبح بمقدور أي شخص الذهاب إلى إدلب وشراء بضائع، ما تسبب بانتشار البسطات في الشوارع، خاصة العاصمة”، وسط إقبال كبير من المستهلكين، الأمر الذي انعكس سلباً على المحال التجارية، رغم أن البضائع الوطنية أكثر جودة من الأجنبية.
وقال علوش، إن نشرة الرسوم الجمركية تراعي حماية المنتج المحلي عبر تشجيع الصناعة من خلال الرسوم المخفضة على المواد الأولية.
انخفاض بنحو 50 بالمئة
بحسب علوش فإن النشرة الموحدة خفّضت في جانب كبير منها الرسوم المعمول بها سابقاً بنسبة تتراوح بين 50 و60 بالمئة، مؤكدا أن ذلك سينعكس أثره على المواطنين بشكل مباشر في عموم سوريا بتعزيز قدرتهم على الاستهلاك وتلبية احتياجاتهم بأسعار معقولة، بما يسهم في رفع مستوى معيشة جميع المواطنين.

وأضاف أن النشرة الجديدة تهدف لدعم القطاع الصناعي وجذب الاستثمار من خلال تقديم إعفاءات ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، إضافة إلى دعم القطاعين الصناعي والزراعي.
واعتبر أن الرسوم الجمركية كانت سيفاً مسلطاً على التجار والصناعيين وهذا أدى إلى خروج 2500 صناعي من سوريا خلال عام 2024 فقط، بسبب الفساد والضغوط التي كانوا يتعرضون لها.
“إذا وجدنا أن هناك عقبات في التعرفة الجمركية وتعيق عمل التجار سيتم تعديلها بعد 3 شهور للوصول إلى تعرفة ثابتة تناسب الجميع قدر الإمكان، حيث ستخضع التعرفة الجديدة التجريبية للمراقبة ودراسة تأثيرها على الوضع الحالي” ، بحسب حديث علوش لـ “الحل نت”.
الباحث الاقتصادي، ملهم جزماتي، أشار إلى أن الاقتصاد المحلي السوري قبل سقوط نظام الأسد كان مقسماً إلى قسمين، الأول اقتصاد المناطق المحررة والثاني هو اقتصاد المناطق الخاضعة للنظام.
وأوضح لـ “الحل نت“، أنه في المناطق المحررة خلال سنوات الثورة لم يكن هناك أي تعرفة جمركية تفرض على المستوردات، ولكن بعد سقوط النظام تم فرض رسوم جمركية على كافة المواد المستوردة، علما أن الادارة الجديدة هي نفسها التي كانت تدير المناطق المحررة.
“من هنا يتضح لنا أن فرض هذه الرسوم جاء نتيجة ضغط من التجار وأصحاب الفعاليات الاقتصادية في مناطق النظام سابقا، حيث خسروا نسبة كبيرة من رؤوس أموالهم نتيجة فروق الأسعار بين بضائعهم والبضائع في الشمال السوري”، بحسب جزماتي.
وأضاف أن التعرفة الجمركية الجديدة، قللت من هذه الفروق ووحدت الأسعار بين المنطقتين، الشمال والجنوب، وهو حل وسط بين الجانبين، إذ إن الرسوم مازالت أقل من مثيلاتها المفروضة إبان حكم الأسد.
الرسوم الجديدة مبررة
بحسب جزماتي، فإن فرض رسوم جمركية على الوقود بأنواعه سيؤثر مباشرة على أسعار المنتجات المحلية سواء الزراعية أو الصناعية نتيجة ارتفاع التكاليف التشغيلية. إذ شهدت مواد الطاقة في الشمال السوري ارتفاعا غير مسبوق، حيث قفزت رسوم استيراد كل 1000 لتر من البنزين من 30 دولاراً إلى 210 دولارات.

وأشار إلى أن هذه الرسوم ضرورية ومبررة لحماية الصناعة المحلية، سواء الزراعية أو النسيجية وغيرها من قطاعات، ولكن “يجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار الطلب المتنامي للسوق المحلي خاصة على المواد الغذائية.”
“من وجهة نظر المستهلك فإنه سيتحمل اليوم تبعات هذا القرار نتيجة تعطل عوامل الإنتاج بسبب الافتقار لمواد الطاقة لتشغيل عجلة الإنتاج في سوريا، ولا ننسى المهجرين العائدين إلى سوريا. أي أنه لدينا في المعادلة طلب متنامي مقابل إنتاج ضعيف، وهذا سيؤدي بكل تأكيد إلى آثار تضخمية كبيرة”، وفق حديث الباحث الاقتصادي، ملهم جزماتي لـ “الحل نت”.
ويرى أنه يجب البدء بفرض رسوم جمركية على المنتجات الإلكترونية والصناعية والكمالية من دون المواد الغذائية والوقود، على أن يتم النظر بفرض رسوم جمركية على المواد الغذائية تبعاً لاحتياجات السوق وحماية المستهلك قبل المنتِج.
وأكد أن إبقاء الباب مفتوحاً أمام استيراد المواد “من دون أي رقيب ولا حسيب” سيؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد الوطني السوري على المدى الطويل.
بحسب جزماتي، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيل الإنتاج المحلي، نتيجة اعتماد السوق المحلي على المنتج الأجنبي وبالتالي ارتفاع نسب البطالة، إضافة إلى استهلاك النقد الأجنبي وشحه في السوق المحلي، مما سيؤثر سلباً على سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية نتيجة الطلب الكبير على الأخيرة لتمويل الاستيراد.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الشرع.. أول رئيس سوري يزور إدلب منذ سبعينيات القرن الماضي

حازم الشرع.. من هو ولماذا يرافق الرئيس السوري؟

ليلة دامية في حماة.. وجدل حول مقتل لؤي طيارة تحت التعذيب!

حلّ غرفة تجارة وصناعة إدلب في حماة وإلغاء “مؤسسة التجارة الخارجية”.. ما السبب؟
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول اقتصاد

بريطانيا تعتزم تعديل نظام العقوبات المفروضة على سوريا.. ما شرطها الوحيد؟

ما تفاصيل لجنة “الشرع” لاستهداف رجال الأعمال الموالين للأسد؟

حماية المستهلك يراهن على “السوق الحر” ويؤكد: انخفاض قريب بالأسعار

اللاجئون السوريون.. ما هي أصعب التحديات التي تقف عقبة أمام عودتهم؟

بعد أزمة فصل الموظفين.. القطاع العام السوري نحو تقليص العدد أم إعادة الهيكلة؟

انعكاسات محتملة.. ما مردود قرار تركيا رفع القيود عن الواردات السورية؟

رغم رفع جزء من العقوبات.. لماذا تفشل الإدارة السورية في جذب استثمارات جديدة؟
