في ظل تطورات متلاحقة وتحديات اقتصادية متنوعة، يُثار تساؤل ملحّ حول مستقبل الأسواق السورية وقدرتها على البقاء والتنافس في هذا السياق المعقّد. إن موضوع “كبار الحيتان وسيطرتهم على أغلب الأسواق، وهل تصبح الأسواق السورية غير قابلة للمنافسة”، يسلط الضوء على تطورات لها تأثير كبير على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.

الوضع الراهن في الأسواق السورية يُعتبر تحدّ جدّي يفرض تقديم رؤى وحلول فعّالة للتغلب عليه. حيث تصاعدت مؤخرا نسب الزيادة السعرية على مجموعة متنوعة من المواد والسلع، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين وتوازن الميزانية الأُسرية. وباتت أسعار المواد الغذائية الأساسية تشكل عبئا ثقيلا على الأُسر، ما يفاقم من حالة العوز والجوع في ظل انفلات سعري غير مسبوق.

تزايدت التساؤلات حول الأسباب وراء هذا الانفلات السعري، وكيف يمكن مواجهته بفعالية. إلا أن آليات هذا الظاهرة المقلقة، تشير إلى تراوح نسب الزيادة السعرية بين 30-100 بالمئة خلال فترة قصيرة، في حين لا يتجاوز معدلات الأجور الزيادة بنسبة 100-300 ألف ليرة. وهذا التفاوت الكبير يبرز بشكل واضح أن هناك تحكما مشبوهاً وتمركزا لدى قلة محدودة من كبار الحيتان في تحديد أنواع وكميات السلع المتداولة وأسعارها.

تحكم وسيطرة على الأسواق

في عالم يتطور بسرعة متزايدة، أصبحت الأسواق الاقتصادية السورية مسرحا لتحوّلات وتغيرات مستمرة. ومع تزايد التفاعلات الاقتصادية والتكنولوجية، يبدو أن مفهوم تحكم وسيطرة على الأسواق يكتسب أهمية متزايدة في تحديد ديناميات الاقتصاد المحلي. إن هذا المفهوم يعبّر عن تلك القوى والكيانات التي تمتلك القدرة على تحكيم إرادتها والتأثير على سلوك الأسواق وتوجيه مجرياتها بما يتناسب مع مصالحها وأهدافها.

في سياق الأسواق السورية، يتجلى مفهوم تحكم وسيطرة على الأسواق بشكل واضح وملموس. حيث ترتفع الأسعار بشكل مستمر ومتسارع، ويشهد المستهلكون تذبذبا لا مبرّر في تكاليف المعيشة. ويعزى هذا التدهور إلى تسيّد وسطاء قلة من كبار اللاعبين في السوق، الذين يتحكمون بكميات وأنواع السلع ويحددون أسعارها وفقا لمصالحهم الشخصية. 

إن هذا التحكم الذي يتمتع به بعض “الحيتان” المعروفين لدى الشعب؛ يؤثر بشكل كبير على استقرار الاقتصاد وحياة المواطنين، ويؤدي إلى انعكاسات سلبية تمتد لتشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

هذه المشكلة تعد تحديا كبيرا بسبب عدم وجود حلول فعّالة ومستدامة. وتلاشي قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات حازمة للتصدي للتحكم السائد في الأسواق، وذلك من خلال تنظيم ومراقبة عمليات الشراء والبيع وتطبيق آليات التسعير العادلة.

انعدام المنافسة في الأسواق السورية

تحديد أسعار الغالبية من السلع والمواد المتداولة في الأسواق يقع تحت إشراف وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومديرياتها الموزعة على المحافظات سواء على المستوى المركزي أو المحلي، وذلك من خلال تعاونٍ مع المنتجين والمستوردين، حيث تستند هذه الأسعار إلى تحليل تكاليف الإنتاج والمواد المقدمة من هؤلاء، مع إضافة نسب محددة من الربح لتغطية تكاليف الأعمال التجارية. 

رغم ذلك، فإن هذه الأسعار لا تُعتبر ثابتة بشكل قاطع، حيث يتجاوز السوق هذه الأسعار بشكل كبير، وذلك نتيجة لتأثيرات تحوّل سعر الدولار الذي يتم تحديثه يوميا وأحيانا عدة مرات في نفس اليوم.

بحسب تقرير موقع “سيريا ستيبس” المحلي، فإن آلية توزيع المنتجات والسلع، التي يتم تنفيذها عادة من قِبل المستوردين وكبار التجار إلى نقاط البيع للمستهلكين في الأسواق، قد شهدت تغيرات جوهرية. فقد تقتصر هذه العمليات على الدفع النقدي وبكميات محدودة، وفي بعض الحالات يتم وقف التوزيع أو تنظيمه بناء على تقلبات سعر صرف العملة.

هذا التحكم الذي يُمارسه المستوردون وكبار التجار في تدفق السلع والبضائع إلى الأسواق سواء من حيث النوع والكمية والسعر يبدو أنه قد ازداد، حيث يتحكم فيها جماعة قليلة من الحيتان الرئيسية بشكل متزايد.

في رؤية الموقع، تُعد تقلبات سعر الصرف عاملا مُحفزا لمزيد من التجويع واستغلال المواطنين، وهي مظاهر مُضافة إلى غياب ردود الفعل الرسمية المناسبة، ويمكن القول حتى إن هذا الصمت يُفسر بأنه موافقة ضمنية وحتى تشجيع.

من يقف وراء هؤلاء؟

بناء على تقديرات التقرير، فإن الأرقام المتداولة بشأن الوضع الحالي للسوريين لا تلخّص واقعهم الفعلي من الناحية المعيشية والخدمية. إذ يجد الغالبية الساحقة منهم نفسها تعاني من نقص الأمان الغذائي، وقد تخطت حدود الفقر المدقع بلا رجعة، لتصل إلى مستويات الجوع الكارثي المروعة والمنتشرة بكل ما يُقصد بهذه الكلمة.

وهكذا، تبرز هذه القضية الحساسة التي تتعلق بتحكّم وسيطرة القلة القليلة من كبار التجار في الأسواق، والتي تلقى بظلالها على الاقتصاد وحياة المواطنين. مع غياب التشريعات والرقابة والتشجيع غير الضمني على عدم المنافسة التي تعود بالفائدة على هذه الفئة.

في ضوء المفهوم التقليدي للتجارة الذي يرتكز على تحقيق الأرباح أو تكبُّد الخسائر، يظل هذا المفهوم محافظا على قوامه لدى فئة من الأفراد. ومع ذلك، فقد تمتاز تجارة العلاقات بأبعاد خفية قد أضافت الكثير من الآليات الربحية الأكيدة ، فكما هو معروف في عالم الأعمال أن هناك من يمتلك القدرة لعقد الصفقات التجارية من باب العلاقات والمصالح المشتركة.

من أثار سلبية تلك المهنة، تبرز سيطرة شريحة محددة من أصحاب المصالح المشتركة على الأسواق الكبرى وعلى الصفقات التجارية الحيوية، مما ينجم عنه تقليص حدة المنافسة وافتقار السوق إلى الدينامية، وبالتالي ينكمش نطاق الفرص الاستثمارية مما يُعكِّر مزاج المستثمرين بتدهور آفاقهم الاقتصادية والاجتماعية. 

ذلك يؤدي بلا شك إلى انحسار المنافسة وضعف السوق ويصاب المستثمرون بالاكتئاب الاقتصادي والاجتماعي، فتصبح البيئة الاقتصادية طاردة لكل من يحاول الدخول إليها ولا يملك شبكة تساعده في اختراق السوق، هنا يشبه السوق بالمحيط الكبير حيث تسيطر الحيتان على كل شيء ويأكل الكبير الصغير، أو يتركه يتضور جوعا وينتهي به الأمر وقد قذفته الأمواج على الشاطئ ليخرج منها للأبد.

إن التأثيرات السلبية لهذا الانفلات السعري تتجاوز مجرد تقلبات الأسعار، فهي تؤثر بشكل كبير على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. ومن هذا المنطلق، يبدو واضحا أن التجارة في سوريا باتت تمتد إلى مفهوم أوسع من مجرد البضائع والخدمات، لتشمل أيضا سيطرة الحيتان على الأسواق لبناء مفهوم عدم المنافسة والتفرد بالواقع الاقتصادي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات