تغيير سياسي جديد شهدته سوريا، بإعلان “إدارة العمليات العسكرية” في سوريا، أمس الأربعاء، إسناد منصب رئيس البلاد في المرحة الانتقالية إلى أحمد الشرع، في خطوة تعزز من إضفاء الرسمية إلى مكانته كقائد للسلطة بعد أقل من شهرين من قيادته لعملية الإطاحة بالرئيس الهارب بشار الاسد. 

الرئيس الجديد لسوريا وإن كان “مؤقتًا” حيث لم تحدد قرارات الأمس، أي تفاصيل عن الجدول الزمني للفترة الانتقالية، بات أمام مواجهة مهمة معقدة لإعادة الإعمار واستعادة التوازن الاقتصادي. 

تنصيب أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا

تدخل سوريا مرحلة جديدة وسط تحديات كبيرة ووضع اقتصادي يعجّ بالتحديات والفرص، بعد أكثر من عقد قضته البلاد في صراع خلّف إرثًا ثقيلًا من انهيار بالقطاعات المختلفة ودمار البنية التحتية، وتدني مستوى معيشة السوريين بسبب إفقار النظام البائد المتعمد لهم. 

رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع – انترنت

الشرع حدد خلال “خطاب النصر”، مساء أمس الأربعاء، في مؤتمر “إعلان انتصار الثورة السورية”، الأولويات الرئيسية لسوريا في المرحلة المقبلة، والتي تشمل ملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، وبناء مؤسسات الدولة، والعمل على إنشاء بنية اقتصادية تنموية، إضافة إلى استعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية. 

تشير تقارير إلى حاجة الاقتصاد السوري إلى نحو 10 سنوات من أجل العودة إلى مستويات 2011، وذلك بعد أن فقد نحو 85% من قيمته خلال 12 عاماً ليصل إلى تسع مليارات دولار في 2023 مقابل 67.5 مليار دولار في 2011، وفقاً للبنك الدولي. 

واعترف الرئيس أحمد الشرع سابقًا بصعوبة الوضع الاقتصادي في سوريا، إلى التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد، بما في ذلك الفقر المدقع وسوء التغذية الذي يعاني منه 90% من السوريين، وضرورة توفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة. 

ملامح الاقتصاد في سوريا الجديدة 

في حديثه الشهر الماضي مع “العربية“، حدد الرئيس السوري، أولوياته لرسم ملامح سوريا الجديدة على المستوى الاقتصادي، مؤكدًا أن بلاده تحتاج إلى بنية اقتصادية على الطريقة الحديثة، بعد أن كانت تحيا في ظل عقلية اشتراكية تفرض هيمنة الدولة على قطاعات الاقتصاد. 

بشأن ما إذا كانت سوريا ستتجه إلى النظام الرأسمالي، أوضح الرئيس السوري: “نحتاج إلى خبراء يعرفون مقومات البلد ويحاولون أن يستفيدوا من كل تجارب العالم، حتى يتم الإتيان بشيء يتناسب مع طبيعة المجتمع”. 

قال الشرع “إن بلاده كانت تستند إلى النظام الاشتراكي في إدارة الاقتصاد والذي تتجلى مظاهره في دعم المواد الأساسية، وإدارة الدولة لعديد من المصانع”، الذي وصفه بالأداء “الخاسر”. 

وذكر أن البيئة الاقتصادية في سوريا أساسها زراعي ثم صناعي ثم يأتي قطاع الخدمات والمصارف وغيرها. وأضاف أن “البيئة خصبة في سوريا للبناء عليها بشكل كبير، لكن يجب وضع خطط جديدة لزيادة الإنتاج مستقبلاً”. 

تحديد بوصلة للدولة 

في تصريحات سابقة للرئيس الشرع، أوضح أن “الإدارة الجديدة” بدأت العمل على تحديد بوصلة للدولة بعد 14 سنة من الحرب، وتتطلع سوريا الآن إلى تأسيس بنية اقتصادية جديدة بخلاف الاشتراكية، مشيراً إلى أن بلاده تحتاج إلى بنية اقتصادية على الطريقة الحديثة، بعد أن كانت تحيا في ظل عقلية اشتراكية تفرض هيمنة الدولة على قطاعات الاقتصاد. 

رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع – انترنت

بالإضافة إلى تحديد البوصلة، تحاول “الإدارة الجديدة” إعادة وضع البلاد على الخارطة الاقتصادية العالمية، وإلغاء العقوبات الدولية، وهو ما تم حيث اتفق مؤخرًا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على خريطة طريق لتعليق بعض العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا. 

تشكل العقوبات المفروضة على البلاد حاجزاً أمام تدفق الاستثمارات والمساعدات المطلوبة لإعادة إعمار البلاد والاقتصاد. وناشدت “الإدارة الجديدة” عدة مرات المجتمع الدولي بضرورة إلغاء هذه العقوبات.  

قبل الانتفاضة الشعبية ضد الأسد التي بدأت في 2011، كانت سوريا دولة سريعة النمو وذات دخل متوسط إلى منخفض مع عدم وجود فقر مدقع تقريبا، وفقا للبنك الدولي، ومنذ ذلك الحين، يعيش نحو 75% من السوريين على أقل من 3.65 دولار يومياً، و33% على أقل من 2.15 دولار. 

كيف يتجاوز الشرع إرث الأسد؟ 

صحيفة “الغارديان” البريطانية، كانت قد ناقشت المستجدات في سوريا، وسلطت الضوء على قدرة أحمد الشرع على تجاوز إرث الأسد، وسعيه لإعادة بناء سوريا، وقيادتها نحو المستقبل. 

الدبلوماسية هي “فن تحويل المستحيل إلى ممكن”، وأحمد الشرع، أثبت إتقانه للإقناع، فبالرغم من أن “هيئة تحرير الشام” التي كان ضمن قادتها، موضوعة ضمن قوائم الإرهاب لدى كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلا أنه استقبل ممثلي هذه الجهات في دمشق. 

صحيفة “الغارديان” البريطانية

تضيف الصحيفة أن حديث الشرع “البنّاء” مع الأميركيين أدّى إلى إلغاء المكافأة التي وضعتها واشنطن سابقاً بقيمة 10 ملايين دولار “لقاء رأسه”، كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عن تخفيف للعقوبات على سوريا التي كانت فرضتها خلال فترة حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الشرع يسعى إلى الاعتراف الدولي بحكومة تصريف الأعمال الجديدة، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد، حتى يصبح “إعادة بناء سوريا” ممكناً. 

ما هو السيناريو المحتمل؟ 

لدى الرئيس الشرع تصور لإدارة المرحلة الانتقالية، وهو ما برز بشكل واضح خلال تصريح سابق له من خلال تمديد الفترة الانتقالية إلى 4 سنوات، بدلًا من الالتزام بالمدة الأولية المعلنة التي كانت 3 أشهر. 

انتصار الثورة السورية- الإنترنت

وأوضح أن إجراء انتخابات قد يستغرق فترة تصل إلى أربع سنوات، مشيرًا إلى أن عملية كتابة الدستور قد تستغرق نحو 3 سنوات، وأضاف أن المحاصصة في هذه الفترة “ستدمر” على حدّ قوله، الفترة الانتقالية. 

في هذا السياق قال وزير الاقتصاد والتجارة السوري الأسبق، نضال الشعار، في تصريح خاص لـ”الحل نت”، إن ما هو مطلوب حاليًا بعد تكليف أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية بسوريا، هو أن يقوم بمساعٍ حثيثة لإرساء السِلم الأهلي ما بين المكونات السورية جميعها، خاصة وأن هناك تحدٍّ سياسي يتعلق بسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مناطق بشمال وشرق سوريا، والهيمنة التركية التي باتت تمثل نوعًا من الاتهامات لـ”لإدارة الجديدة”. 

وأشار إلى أنه حتى الآن لم تشهد سوريا أي تشاركية في الحكم بمعناها الصحيح، مشددًا على ضرورة أن يقوم الشرع بعملية التشاركية مع كل مكونات الشعب السوري.  

وفق وزير الاقتصاد الأسبق، فإن “الإدارة السورية” الحالية قطعت شوطًا جيدًا من التواصل مع دول الجوار والغرب ومع المجتمع الدولي بشكل عام، لكن مازالت في حاجة إلى الاعتراف والتأكيد على شرعيتها بعد أن تم تعيين رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع. 

التواصل الدولي

وفي هذا الإطار أفاد بأن زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اليوم الخميس، كانت هامة وهي تمثل اعترافًا من دولة مهمة في الشرق الأوسط، متوقعًا أن يتبع موقف قطر اعترافات أخرى من دول أوروبية وعربية. 

الوضع الحالي في سوريا يمثل تحديًا لـ “لإدارة الحالية”، ما بين استقطاب المكونات السورية والتوصل إلى السِّلم الأهلي وأن توفر الأمان لكل السوريين داخليا والسوريين بالخارج بالعودة آمنين إلى بلدهم. 

وزير الاقتصاد الأسبق، نضال الشعار

وشدد على ضرورة استقطاب مساعدات ودعم مادي وتنشيط الاقتصاد السوري الذي أصبح في أسوأ أحواله، مردفًا بأن سوريا باتت في وضع اقتصادي سيء ما بين تدمير وإفلاس، في ظل عدم توافر أي دعم مادي، وهو ما يجعل سوريا الحالية بحاجة إلى دعم مادي فوري. 

توقع وزير الاقتصاد الأسبق، أن الدعم المادي لسوريا سيحدث لكن لن يكون هناك تحمس أو رغبة من بعض الدول نحو ذلك، لافتًا إلى أن هناك دول لديها تخوف تجاه “الإدارة الحالية” وماضيها حيث كانت تصنّف على أنها “إرهابية” وهو مازال مستمر حتى الآن. 

الدعم المادي

وقال إن رفع العقوبات أمر مهم وهو ما حدث، لكنه ليس برفع إنما تخفيف من شأنه أن يساعد الاقتصاد السوري لكنه لن يكون بشكل فوري وسيحتاج إلى وقت حتى تكون له نتائج ملموسة. 

وأكد أن الحالة السورية الحالية مُربكة للداخل والخارج لكن الآمال معقودة على أن تكون “الإدارة الحالية” قادرة على توفير الشروط التي طلبت منها من قبل المجتمع الدولي والأهم من ذلك المطالب الداخلية بإحداث سلم أهلي والعيش بأمان، مشيرًا إلى أن الأيام القادمة ستكون دليل على ماذا سيحدث، وأن الحكومة الحالية تقوم بأقصى جهدها لتنفيذ المطلوب منها. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات