شكليا، لا يزال الغموض هو السائد حول مستقبل قواعد روسيا العسكرية في حميميم وطرطوس داخل سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي وفّر لها كل الدعم مقابل دعم موسكو لنظامه، لكن ما علاقة الأسد في المفاوضات الجارية؟ وكيف ستكون نهايتها؟

في الواقع، ومن حيث المعطيات، فإن دمشق الحكومة يبدو أنها تمضي نحو علاقة وطيدة مع موسكو، والغموض السائد ما هو إلا حول تنسيق شكل الوجود الروسي لا غير، أما سوريا الشعب، فهي ضد أي وجود روسي وأي علاقة مع موسكو، نظرا لجرائمها بحقه إبان دعمها لنظام الأسد المخلوع.

بعض التعديلات على اتفاقية الوجود الروسي!

عموما، وفي آخر الجديد، فإنه ومن الواضح، أن موسكو تسعى للحفاظ على وجودها في قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، لكن الإدارة السورية الجديدة تطالب بتعديلات في الاتفاقيات السابقة، وفق تقرير لموقع “أناليزي ديفيزا” الإيطالي، الذي قال إن دمشق تطرح فكرة تسليم الأسد مقابل استمرار الوجود الروسي في البلاد.

ولفت تقرير الموقع الإيطالي، إلى أن نائب وزير الخارجية الروسي،، ميخائيل بوغدانوف، كان قد صرّح في الأيام التي سبقت زيارته إلى سوريا، بأن روسيا تأمل في الحفاظ على وجودها في طرطوس وحميميم.

وترأس ميخائيل بوغدانوف، وفدا روسياً في أول زيارة لدمشق منذ سقوط نظام الأسد، وذكرت وكالة الأنباء السورية “سانا”، أن القيادة السورية الجديدة طلبت من روسيا “معالجة أخطاء الماضي” خلال المحادثات التي حضرها مبعوث “الكرملين” إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، والتي تناولت أيضا مسألة “تحقيق العدالة لضحايا الحرب الوحشية التي ارتكبها نظام الأسد”.

وبحسب تقرير “أناليزي ديفيزا”، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره التركي هاكان فيدان، أجريا محادثة هاتفية يوم 31 كانون الثاني/ يناير الماضي، ناقشا خلالها الوضع في سوريا.

منظر من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس – (الجزيرة نت)

ومن الصعب تصديق أن تركيا، التي تعدّ أكبر داعم للنظام الجديد في سوريا، لديها أي مصلحة في حرمان الروس من قاعدتي طرطوس وحميميم، اللتين تؤديان في الوقت الراهن دورا لوجيستيا بالأساس، حيث تستضيفان أسطول روسيا في البحر الأبيض المتوسط وتوفران محطة توقف للرحلات الجوية التي تربط روسيا بقواتها المنتشرة في إفريقيا، على حد قول الموقع الإيطالي.

ونقل الموقع عن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، قوله إن هناك مفاوضات جارية مع روسيا لتحديد مستقبل العلاقة بين البلدين، مضيفا “نحن ملتزمون باحترام الاتفاقات السابقة، ولكن قد تكون هناك بعض التعديلات في المفاوضات لضمان مصالح سوريا”.

وقال أبو قصرة في تصريح آخر لصحيفة “واشنطن بوست”، إن دمشق منفتحة على السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية في الساحل السوري، طالما أن أي اتفاق مع “الكرملين” يخدم مصالح البلاد، مردفا أن موقف روسيا تجاه الحكومة السورية الجديدة تحسن بشكل ملحوظ منذ سقوط نظام الأسد، ونحن ندرس مطالب موسكو.

الاستمرار مع الروس انحدار في المسار السياسي السوري!

في هذا الصدد، قال المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، لموقع “الحل نت”، إنه في ظل التطورات الراهنة والتصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة حول إمكانية بقاء القواعد العسكرية الروسية على الأراضي السورية، يبرز عدد من النقاط التي تدعو إلى أن يتبنى السوريون موقفا معارضا لهذه السياسة، والذي يُنظر فيه إلى استمرار التواجد العسكري الروسي ليس كعامل استقرار بل كمصدر للمشكلات والعبء على سيادة الدولة ومصالح شعبها.

وبحسب رأيه، يُشكل قبول وجود القوات الروسية خطوة إلى الوراء في مجال استعادة السيادة الوطنية السورية، فمنذ بداية التدخل الروسي في سوريا، بات واضحاً أن موسكو تسعى إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة على حساب استقلالية الدولة. فإذا سمحت دمشق بأن تظل القواعد الروسية قائمة، فإنها بذلك تُضعف قدرتها على اتخاذ قرارات حرة ومستقلة، وتخضع نفسها لسياسات خارجية لا تعكس مصالح الشعب السوري، بل مصالح جهة خارجية تسعى للتأثير في مصير البلاد، وهذا بدوره يعزز الانقسام الداخلي ويحد من قدرة القوى الوطنية على بناء دولة ديمقراطية تضمن حقوق مواطنيها.

وأردف ماتوزوف، أنه لا يمكن إغفال السجل الدموي والفظيع للتدخل الروسي في سوريا، حيث ساهمت القوات الروسية في تفاقم معاناة المدنيين وتدهور الأوضاع الإنسانية. التاريخ الحديث للشعب السوري مليء بالدماء والألم، وقد كان للتدخل الروسي دور كبير في إطالة أمد الصراع، مما سمح للنظام بالبقاء في السلطة على حساب حياة الأبرياء. من هنا، فإن استمرار وجود القواعد الروسية يعني استمرار التأثير السلبي الذي يمثله هذا التدخل، حيث يُستخدم ذريعة “حماية مصالح الدولة” لتبرير بقاء قوة أجنبية على أراضي دمشق، مما يفاقم حالة عدم الاستقرار ويُطيل أمد الأزمة الإنسانية.

وقال ماتوزوف، إنه من وجهة نظر سياسية وإنسانية، تُعتبر هذه الخطوة بمثابة تنازل عن فرص التوصل إلى حلول سياسية شاملة تنهي الصراع وتنهي معاناة الشعب السوري. إذ إن استمرار النفوذ الروسي يساهم في تجميد العملية السياسية ويمنع الحوار البناء مع الأطراف الأخرى، ويُصعب إيجاد توافق على مستقبل البلاد يستند إلى إرادة شعبها. وبالتالي، فإن سياسة السماح ببقاء القواعد الروسية تُبقي باب تدخل القوى الخارجية مفتوحاً، وتُعد بمثابة ضمان لعدم تحقق التغيير المنشود الذي يأمل فيه السوريون.

وشدّد ماتوزوف، على أن تصريح وزير الدفاع السوري بتسوية مصلحة سياسية قصيرة المدى، يظهر أنه يخلو من الرؤية الوطنية التي تراعي مصالح الشعب السوري واستعادة السيادة الكاملة. إن تبني مثل هذا الموقف يُعتبر انعكاساً لانحدار في المسار السياسي، ويُفتح الباب أمام استمرار الاستغلال الخارجي والتدخل المستمر في الشؤون الداخلية. ومن هنا، فإنه من الضروري تبني رؤية استراتيجية ترتكز على بناء دولة ذات مؤسسات قوية قادرة على حماية مصالح مواطنيها، والابتعاد عن الاعتماد على أي قوة أجنبية، مهما بدت تلك القوة داعية إلى الاستقرار، إذ إن التاريخ يؤكد أن الاستقرار القائم على تدخل خارجي لن يكون استقراراً دائماً بل مجرد مؤقت يخفي وراءه عواقب وخيمة على المدى الطويل.

أخيرا، ما يمكن ذكره، أن موقع “أناليزي ديفيزا” الإيطالي، أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي خفف العقوبات المفروضة على سوريا، لكنه طلب من الحكومة الجديدة في دمشق، طرد الروس من قاعدتي طرطوس وحميميم، مقابل إلغاء العقوبات بشكل كامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات