بالصور.. “الحل نت” يكشف عن العقل المدبر لهجمات الطائرات المسيّرة على قواعد “التحالف الدولي” في العراق

بالصور.. “الحل نت” يكشف عن العقل المدبر لهجمات الطائرات المسيّرة على قواعد “التحالف الدولي” في العراق

في اختراق جديد، حصل “الحل نت” على معلومات سرّية تظهر مدى تورّط “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” ومن خلفه النظام الإيراني في هجمات طائرات دون طيار التي استهدفت قواعد “التحالف الدولي ضد تنظيم داعش” والقوات الأميركية في العراق وسوريا.

مسؤولون أميركيون صرّحوا في وقت سابق، أن المصالح الأميركية في العراق وسوريا تعرّضت لأكثر من 82 هجوما منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتبنّى معظمها ما تُعرف بحركة “المقاومة الإسلامية” في العراق التي تنضوي تحت لوائها مجموعة من الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران.

تتسارع المخاوف من تحوّل النزاع الإسرائيلي في قطاع غزة إلى صراع أوسع النطاق في منطقة الشرق الأوسط، بفعل تدخل جماعة “أنصار الله الحوثي” و”حزب الله” العراقي في الساحة، حيث يقومان بتنفيذ هجمات مستهدفة ضد أهداف إسرائيلية وأميركية بإيعاز من طهران، وردّاً على هذه الهجمات، قامت الولايات المتحدة بقصف مواقع في جرف النصر (جرف الصخر سابقا)، مما أدى إلى مقتل 8 أفراد من كتائب “حزب الله”، وفقًا لتصريحات “البنتاغون”.

لكن من يقف وراء التسليح العجيب لهذه الميليشيات، وكيف يتم تزويدهم بهذه التقنية القاتلة، وما الهدف من وراء هذه الهجمات التي تشنّها الميليشيات في العراق وسوريا بالنيابة عن طهران، هذا ما سيكشفه “الحل نت” في هذا التحقيق.

كشف حصري

في وقت سابق، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية من خلال تصريحات للعديد من ضباط المخابرات والجيش الأميركيين والعراقيين، بأن منطقة جرف النصر جنوب بغداد قد تحوّلت إلى ما يشبه “قاعدة عمليات لإيران”. 

هذه القاعدة يستخدمها أفراد كتائب “حزب الله” العراقيين لتجميع الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تم توريدها لهم من قِبل إيران. وتُستخدم هذه الأسلحة في هجمات يشنّها وكلاء إيران في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط.

وفي تصريح للجنرال كينيث ماكينزي جونيور، الذي انتهت خدمته العسكرية العام الماضي كرئيس للقيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن القوات الأميركية في تلك المنطقة، قال: “لديهم صواريخ وقذائف هاون”.

لكن في كشف حصري، حصل “الحل نت” على هوية العقل المدبر وراء تشغيل الطائرات دون طيار في العراق، حيث كشفت الأوراق الرسمية عن أن مسؤول إيراني من “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني هو من يقف خلف تصنيع “الدرونز” لصالح الميليشيات في العراق.

مسؤول أمني عراقي – يتحفظ “الحل نت” عن نشر اسمه حفاظا على سلامة المصدر – حصل على المعلومة من أحد عناصر الميليشيات العراقية الموالية لإيران، كشفت عن هوية ضابط عسكري يعمل في الوحدة “402” التابعة لـ”فيلق القدس”، تحت اسم مستعار هو محمد ستاري.

وفق الوثائق الرسمية التي حصل عليها “الحل نت”، فإن الاسم الحقيقي لـ “محمد ستاري”، هو محمد جواد لطفي (محمد جفاد لطفي)، وهو من مواليد السابع من أيلول/سبتمبر 1986، في منطقة (اليگودرز) وهي مدينة إيرانية تقع في محافظة لرستان.

صورة جواز سفر لـ”محمد جواد لطفي”، القيادي في فيلق القدس والمشرف على برنامج الطائرات دون طيار الإيرانية في العراق – خاص “الحل نت”

تظهر صورة لطفي وجواز سفره الذي يحمل رقم (E51007148) وصادر بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وينتهي بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2024، أنه يتبع أسلوب قاسم سليماني، القائد السابق لـ”فيلق القدس” والذي قُتل بغارة أميركية في 3 كانون الثاني/يناير عام 2020.

أصابع إيران في اللعبة

في لقاء سابق مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، ذكر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن هناك مجموعات في سوريا والعراق لها هوية في بلدها وأرضها تقرّر بنفسها بناء على مصالحها الخاصة وتهاجم هذه المجموعات بشكل عفوي بعض الأهداف الأميركية.

عبد اللهيان، نفى الاتهامات حول أن هذه المجموعات مرتبطة بإيران أو تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، مضيفا “لكن نحن ليس لدينا أي مجموعة تمثيلية في سوريا والعراق وفي المنطقة ككل فهذه المجموعات مستقلة تتخذ قراراتها وتتصرف من تلقاء نفسها”.

“محمد جواد لطفي”، القيادي في فيلق القدس والمشرف على برنامج الطائرات دون طيار الإيرانية في العراق – خاص “الحل نت”

حسب المعلومات التي حصل عليها “الحل نت” من المسؤول الأمني العراقي، فإن محمد جواد لطفي، يعمل بشكل قريب من ميليشيات عراقية موالية لإيران مثل كتائب “حزب الله”، ومنظمة “بدر”، و”عصائب أهل الحق”، وقد سافر لطفي عدة مرات على العراق في السابق ولا يستبعد سفره إلى سوريا أيضا.

علاوة على ذلك، ينسّق محمد جواد لطفي مع المجموعات المذكورة أعلاه على ملف الطائرات دون طيار، وهو المسؤول التنسيقي عن تزويد وتدريب المجموعات العراقية والتي بدورها تقوم بقصف القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة.

حصرية هذه المعلومات لم تمنع “الحل نت” من مراسلة وزارة الخارجية الإيرانية، والسفارة الإيرانية في بغداد، للتأكيد على أن لطفي ضابط بـ”فيلق القدس” ومسؤول عن ملف تسليح الميليشيات العراقية بطائرات دون طيار للهجوم على المصالح الأميركية، إلا أنه حتى صدور هذا التحقيق لم نحصل على رد.

التهديد الإيراني بالطائرات بدون طيار

لعقود من الزمن، كانت استراتيجية إيران في الشرق الأوسط تتلخص في دمج القوة العسكرية غير الرسمية من خلال الجماعات المسلحة المحلية ذات النفوذ السياسي على سياسات الحكومة.

طائرات دون طيار إيران فيلق القدس الحرس الثوري العراق القوات الأميركية
بقايا طائرات بدون طيار إيرانية الصنع تم انتشالها من العراق وأوكرانيا تظهر هنا في مقر وكالة الاستخبارات الدفاعية. (مطار الدوحة الدولي)

وبدءاً من الثمانينيات، ساعدت في تمويل وتسليح “حزب الله” اللبناني. ثم قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً موسعاً للرئيس السوري بشار الأسد؛ ومساعدات عسكرية لـ”الحوثيين” في شمال اليمن؛ ودعم ألوية “الأشتر” في البحرين.

لكن العراق يُعَد الشريك الإقليمي الأكثر طبيعية لإيران، حتى ولو خاضت الدولتان ذات يوم حرباً طويلة ضد بعضها البعض، حيث يشتركون في حدود طولها 1000 ميل. والعديد من العائلات لديها أقارب من كلا الجانبين؛ والعلاقات الاقتصادية قوية. كما أن العراق، مثل إيران، لديه أغلبية مسلمة شيعية، وهو موطن لبعض أهم المزارات الشيعية.

منذ صعود النظام الثيوقراطي في إيران عام 1979، أراد إرغام الجيش الأميركي على الخروج من الشرق الأوسط، وبحسب سجاد جياد، المحلل العراقي والزميل غير المقيم في مجموعة الأبحاث “سنتشري إنترناشيونال”، فإنه عندما وصف الرئيس جورج دبليو بوش، إيران بأنها جزء من “محور الشر”، بدا الأمر كما لو كانت واشنطن تقول: “أنتم التالي. العراق، إيران، كوريا الشمالية، نحن قادمون من أجلكم”.

لذلك ركّزت إيران على إنشاء وتدريب وتسليح الميليشيات الشيعية العراقية لمهاجمة القوات الأميركية على الأراضي العراقية. وقال الجيش الأميركي إنه بين عامي 2003 و2011 فقط، كانت الجماعات المدعومة من إيران مسؤولة عن مقتل 603 جنود أميركيين في العراق.

وكانت إحدى تلك الجماعات هي كتائب “حزب الله”، التي كانت منذ بدايتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بـ”فيلق القدس” الإيراني، جناح “الحرس الثوري” المسؤول عن الميليشيات الوكيلة في جميع أنحاء المنطقة.

وفي مواجهة سنوات من العقوبات وقوة جوية تقليدية عفا عليها الزمن، قامت إيران بتطوير وتصنيع طائراتها بدون طيار الخاصة بها نشرتها في سوريا والعراق. ويُنظر إلى الطائرات بدون طيار في البلاد على أنها أداة للتعويض عن ضعف القوة الجوية التقليدية ومنح قدرات عسكرية جديدة.

لعبة خطرة تلعبها طهران

تُعد الطائرات بدون طيار والصواريخ جزءاً لا يتجزأ من سباق القوة غير المتكافئ في إيران، حيث تساعد النظام على تنفيذ سياساته الإقليمية لدعم وكلاء الإرهاب، وتعزيز الفوضى والصراع. ويراهن النظام الإيراني على الطائرات بدون طيار باعتبارها أصلاً عسكرياً استراتيجياً، نظراً لأن الطائرات بدون طيار أرخص بكثير من الطائرات المقاتلة التقليدية، في حين أن قدرتها على شنّ هجمات خلف خطوط العدو تجعلها متطورة ومرغوبة للغاية حتى بالنسبة لروسيا كمثال. 

أجزاء من حطام طائرة بدون طيار موضوعة على الأرض بالقرب من قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار غرب العراق، الثلاثاء، 4 يناير 2022. (التحالف الدولي عبر AP)

وبالتالي، فإن تصدير هذه الطائرات بدون طيار إلى وكلاء الإرهاب كان بمثابة استراتيجية متكاملة لإنتاج الطائرات بدون طيار في إيران منذ اليوم الأول، حيث تعمل دبلوماسية الطائرات بدون طيار التي تتبعها إيران على تمكين سعي النظام إلى توسيع قاعدة قوته في المنطقة.

النظام الإيراني عبر “فيلق القدس” و”الحرس الثوري”، قدّم طائرات بدون طيار إلى الموالين له في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبذلك تعمل هذه التقنية الإيرانية في المنطقة على تعزيز الصراع والفوضى منذ عام 2017، وحاليا استغل حرب غزة من أجل توسيع أجندته.

كانت الضربات الإيرانية بطائرات بدون طيار وصواريخ الأسبوع الماضي في شمال العراق جزءاً من اتجاه متزايد، كما هاجمت الطائرات الإيرانية التي يديرها وكلاء طهران القوات الأميركية في سوريا، إذ هاجمت ما لا يقل عن خمس طائرات بدون طيار مسلّحة بالقنابل الجانب الأميركي في القاعدة والجانب الذي يضم مقاتلي المعارضة السورية، ولحسن الحظ لم تقع إصابات.

ويمكن رؤية الزيادة في استخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية وانتشارها بوضوح في اثنين من المسارح التقليدية لصراع المنطقة الرمادية بين إيران والولايات المتحدة؛ العراق وسوريا. حيث بدأت هجمات الطائرات بدون طيار المدعومة من إيران ضد المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الأميركية في هذين البلدين في أوائل عام 2021، بعد الغارة الأميركية التي قتلت قاسم سليماني. 

منذ عام 2020، زادت الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار وقذائف الهاون والعبوات الناسفة التي شنّتها هذه الجماعات بحوالي أربعة أضعاف، فقد وقع ما لا يقل عن 28 هجوماً بطائرات بدون طيار منذ كانون الثاني/يناير 2021. ومن بين هذه الهجمات، اعتبرت 10 هجمات ناجحة (على سبيل المثال، إذا تمكنت طائرة واحدة على الأقل من الانفجار في الهدف). وتم إحباط 15 طائرة (أي إذا تم التصدي بفعالية لواحدة على الأقل من الطائرات بدون طيار في الهجوم). 

في عام 2021، تم استخدام الطائرات بدون طيار في ما لا يقل عن 24 بالمئة من جميع الهجمات المدعومة من إيران (والتي بلغ مجموعها 66 على الأقل)، بينما في عام 2022، شكّلت الطائرات بدون طيار ما لا يقل عن 20 بالمئة من جميع الهجمات (التي بلغ مجموعها 45 على الأقل). 

وحتى الآن في عام 2023، استخدمت 20 من الهجمات الـ 82 المدعومة من إيران على الأقل والتي تم الإبلاغ عنها في مصادر مفتوحة طائرات بدون طيار – حوالي 44 بالمائة.

وفي حين نجحت القوات الأميركية في التصدي لهذه الهجمات في معظم الحالات، إلا أنها برزت كأداة مهمة لطهران. حيث تسمح هذه الطائرات بدون طيار لإيران بشنّ صراع ضد أهداف أميركية في العراق وسوريا، بينما تدعم أيضاً حرب روسيا ضد أوكرانيا. وهذا يجبر الولايات المتحدة وحلفائها على الحفاظ على وجودهم في هذه المنطقة، مع الحد أيضاً من قدرتهم على الرّد العسكري التقليدي.

شبكة الوكلاء

في المقام الأول، قامت إيران بتصدير قدرات الطائرات بدون طيار – وكذلك الصواريخ والقذائف – إلى المناطق التي نقلت فيها في السابق أنظمة أسلحة أخرى. على سبيل المثال، تشير الأدلة إلى أن إيران نقلت تكنولوجيا إنتاج الطائرات بدون طيار إلى المتمردين “الحوثيين” في اليمن وقدّمت المشورة لهم في إنتاجهم، مما سمح لهم بإنتاج هذه الأنظمة محلياً. 

طائرات دون طيار إيران فيلق القدس الحرس الثوري العراق القوات الأميركية
مسؤولون عسكريون إيرانيون يتفقدون طائرات بدون طيار معروضة قبل إجراء تدريبات في مكان غير معلوم بوسط إيران – إنترنت

كما تم نقل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار إلى “حزب الله” في لبنان و”حماس” في قطاع غزة، وتصدير خبراء متخصصين للإشراف على عملية الإنتاج المحلي وتدريب الكوادر يوفّر لإيران إمكانية الإنكار. 

وكلما زاد انتشار هذه الطائرات بدون طيار، كلما كان ذلك أفضل – حيث تقوم إيران بتزويد طائرات بدون طيار، مثل (شاهد، قاصف، مهاجر) لشركائها مثل “حزب الله” العراقي، الذين يقومون بدورهم بتطويرها، مما يجعلها أكثر فتكا ويستخدمونها في هجمات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا.

كما يتم تعزيز تكنولوجيا الطائرات بدون طيار من خلال مجموعات شبكة التهديد الإيرانية، وهي شبكة وكيلة فضفاضة من الوكلاء غير الحكوميين المدعومين من إيران والشركاء الذين يعملون معاً في تكوين أكثر لامركزية في السنوات الأخيرة. 

في نيسان/أبريل 2022، ظهرت تقارير عن ورشٍ يديرها “حزب الله” لتصنيع وإصلاح الطائرات بدون طيار وأسلحة أخرى في حمص بسوريا. وبحسب ما ورد، قدّم “حزب الله” أيضاً تدريباً على الطائرات بدون طيار لكتائب “حزب الله” في العراق في عام 2019 و”الحوثيين” في عام 2018. 

يسلط نطاق الطائرات بدون طيار الإيرانية الضوء على التحديات التي تواجه مواجهتها لأنها تنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، مما يعرّض أعداداً متزايدة من المواقع الأميركية وحلفائها للخطر، ويغطي هذا النطاق من جرف الصخر وحده مجموعة من الأهداف من خليج عمان، وإسرائيل، ولبنان، وقبرص، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى بحر قزوين، وبالقرب من إسطنبول. 

بناءً على المعطيات السابقة، يبدو أن محمد جواد لطفي، هو أحد العناصر المهمة لدى النظام الإيراني لإدارة شبكة الميليشيات التي تتبع لإيران في العراق وسوريا، وتدريبهم على طائرات دون طيار لمهاجمة القوات الأميركية.

5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول سياسة

جديداستمع تسجيلات سابقة