أطلقت جماعة “حزب الله” اللبنانية، أكثر من 100 صاروخ على شمال إسرائيل صباح الثلاثاء الفائت، بحسب الجيش الإسرائيلي، وكان هذا واحدا من أعنف الهجمات خلال أشهر من الضربات عبر الحدود التي غذت المخاوف من أن الحرب في قطاع غزة يمكن أن تتوسع إلى جبهة أخرى.

في خطابٍ ألقاه بمناسبة شهر رمضان، زعم زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، أن إسرائيل ستخسر الحرب في غزة حتى لو دخلت رفح، وتابع نصر الله “من يريد أن يقيّم ما تقوم به المقاومة في الجبهة اللبنانية، عليه أن يرى ردع المقاومة للعدو عن الذهاب إلى حرب على لبنان”.

لكن وبحسب تسريبات، فإن عدة تقارير وصلت إلى مجلس الحرب في “حزب الله”، تفيد بأن بعض قادة الجيش السوري كانوا وراء تقديم معلومات وإحداثيات تخص مواقع “حزب الله” في سوريا ولبناني، وعلى إثرها قامت إسرائيل باستهدافها، وهنا يُثار التساؤل المهم: هل فعلا بشار الأسد يتعاون مع إسرائيل ضد “حزب الله”؟

إيران تحاول إخراج الولايات المتحدة

وتزايد النفوذ الإيراني في شمال شرق سوريا منذ عام 2015، ولا سيما مع قيام “حزب الله” بإنشاء وحدات كوماندوز في القامشلي من المجموعات العشائرية الداعمة للجيش السوري والتي يشرف عليها زعيم “حزب الله” وسام الطويل، الملقب بالحاج جواد الذي قُتل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في يناير/كانون الثاني 2024. 

سوريا، صورة بشار الأسد. (تصوير: جيوفاني ميريغيتي – غيتي)

في عام 2021، أنشأ الحاج مهدي “فرق عمل”، بتمويل من “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني، مع التركيز على تجنيد وتدريب السكان المحليين والنازحين السوريين – ووضعهم تحت قيادة غير رسمية في الغالب.

وفقا لمعهد “واشنطن” للدراسات، فإن إيران كثّفت جهودها لطرد القوات الأميركية من شمال شرق سوريا والعراق، مستفيدة من “حزب الله” والميليشيات المختلفة، كما تستهدف طهران بشبكتها الاستراتيجية القواعد الأميركية، بهدف طرد الأميركيين، واحتلال الفراغ الأمني، وبسط سيطرتها غير المباشرة على غرار نفوذها في العراق. 

على الرغم من أنها نصحت ميليشياتها مؤقتاً بالانسحاب، إلا أن هذا التوقّف يُعتبر استراتيجياً، ويخدم حملة أوسع لتأكيد الهيمنة في شرق سوريا.

لكن مع استمرار استهداف مقار “حزب الله” في سوريا كما حدث الثلاثاء الفائت في القنيطرة حيث دمرت إسرائيل موقعين لـ “حزب الله” بمعسكر تل أحمر شمال القنيطرة، والقصف حصل بعد اجتماع قادة من “الحزب” وميليشيا “الدفاع الوطني”، تصاعد الشكوك داخل “الحزب” حول المسؤول عن تسريب هذه المعلومات. 

وطبقا لما حصل عليه “الحل نت” من القيادي في “حزب الله”، فضل حجازي، فإن التقارير التي طلبها مجلس الحرب داخل “الحزب” من القادة الميدانيين حول طبيعة وأسباب استهداف إسرائيل لمقار “الحزب” في سوريا ولبنان، خلُصت إلى أن هناك شكوك بتعاون ضباط من الجيش السوري مع إسرائيل.

تأكيد المؤكد

استراتيجية “حزب الله” حاليا، وخصوصا بعدما بدأ مؤخرا بتكثيف إطلاق الصواريخ على ثكنات الجيش الإسرائيلي والتي بلغت حتى أمس الأربعاء، حوالي 18 هجوم بـ 160 صاروخ، تتمحور حول جرّ تل أبيب نحو حرب داخل الأراضي اللبنانية.

لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد، وأسفلها نص باللغة العربية مكتوب عليه “كل الولاء”، على امتداد شارع أبو رمانة في العاصمة دمشق. (تصوير: لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

هذه الاستراتيجية التي أوصى بها “مجلس الحرب” داخل “حزب الله”، والتي تعتقد إسرائيل أنها لدفع ميليشيات “الحزب” إلى التراجع، فإن هذا هو على وجه التحديد ما يسعى إليه “حزب الله” بوضوح، لإيقاف تنفيذ عمليات الاغتيال التي طالت العديد من قادة الحزب ودمرت العشرات من مستودعاته ومقاره في سوريا ولبنان.

حجازي بدوره، لفت إلى أن قادة “حزب الله” يشكّون بأن هذا التعاون بين دمشق وإسرائيل ليس محض صدفة، بل لا يستبعدون أن يكون بأوامر من رأس الهرم، بشار الأسد، حيث باتت دمشق تشعر بثقل وجود “الحزب” في سوريا، وعدم قدرتها على احتوائه، فيما يخصّ ملف الأسلحة وتجارة المخدرات.

التقارير عن اتصالات سرّية وعلاقات لا يمكن تعقّبها ظهرت في تقارير قادة “حزب الله”، مما يشير إلى وجود حلف سرّي بين الأسد وإسرائيل. هذا التحالف، الذي تم تشكيله في بوتقة المنفعة المتبادلة والبقاء، يمكن أن يشير إلى تحوّل تكتوني في ديناميكيات القوة في المنطقة.

مناورة الأسد المحسوبة

يُصوَّر بشار الأسد، الزعيم الذي أبحر في دوامة الحرب الأهلية والازدراء الدولي، على أنه شخصية داهية ميكافيلية. فمع استمرار معاناة شعبه من ندوب الصراع، فإن سعي الأسد الأسمى هو الحفاظ على نظامه. والمعلومات التي حصل عليها “الحل نت” تبيّن أنه في محاولة لتحصين سيادته، حيث يمد الأسد غصن زيتون لإسرائيل، فيعرض عليها معلومات استخباراتية مهمة عن عمليات “حزب الله”.

مؤيدة لبنانية مؤيدة لسوريا من أنصار حزب الله تحمل صور الرئيس اللبناني إميل لحود والرئيس السوري بشار الأسد أثناء تظاهرها في 8 مارس/آذار 2005 في وسط بيروت، لبنان. (تصوير ماركو دي لاورو/غيتي)

إسرائيل، بجهازها الاستخباراتي الهائل وعمقها الاستراتيجي، لا شك أنها متقبلة بحذر لمبادرات الأسد، وفقا لتحليل الخبير في شؤون الشرق الأوسط، محمد عبيد.

ويلفت عبيد في حديثه لـ”الحل نت”، إلى إن إسرائيل وإدراكاً منها لفرصة إضعاف “حزب الله” – الخصم الدائم – تعتبر هذا التحالف مخاطرة محسوبة، لكن لا ضير من الاستفادة من وضع الأسد غير المستقر، حيث تهدف إسرائيل إلى تقويض قدرات “حزب الله” العسكرية من الداخل دون خوض غمار حرب أخرى بعيدا عن قطاع غزة.

في المقابل، حاليا يواجه حزب الله، المتورّط في شبكة الازدواجية هذه، مأزقاً وجودياً؛ فالمنظمة التي لطالما افتخرت بـ أوراق اعتمادها على “المقاومة” و تحالفاتها الاستراتيجية، تواجه الآن احتمال تعرّضها للخيانة من قبل شريك موثوق به، والآثار المترتبة على ذلك طبقا لحديث عبيد، عميقة ومن المحتمل أن تؤدي إلى تآكل نفوذ “حزب الله” في لبنان ومكانته.

تاليا، فإن حالة الطلاق غير المعلنة بين الأسد و”محور المقاومة” باتت تظهر على العلن، ففي الشهر الفائت، وبعد اللغط الذي حصل حول اغتيال قادة الميليشيات الإيرانية في سوريا، اتهمت صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية جهات روسية وسورية خاصة أجهزة الأمن في دمشق وراء تسريب المعلومات عن التابعينَ لطهران من مستشارينَ عسكريينَ وفصائل مسلحة ساعدت على استهداف المسؤولينَ الإيرانيينَ. 

وفُسّر حضور وزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، بأنه رسالة غضب وإصرار إيراني على البقاء، خصوصا بعد أن نشرت صحيفة “القدس” الإيرانية المقرّبة من “الحرس الثوري” الإيراني، الذي يسيطر على جزء كبير من سوريا، بعنوان “يجب تطوير علاقات إيران الثقافية مع سوريا حتى لا يُسيطر عليها العرب”، وهو ما يبرهن خوف طهران من فلتان خيوط اللعبة من أيديها. ولكن يبقى السؤال الذي ستكشف حقيقته قادم الأيام: هل فعلا يتحالف بشار الأسد، الرئيس السوري الصامد بسبب دعم طهران وموسكو، سرّاً مع إسرائيل ضد “حزب الله” اللبناني؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات