في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الفائت، سُمع دوي انفجارات عنيفة في أطراف مدينة بانياس على الساحل السوري، وتبيّن لاحقاً أنها ناجمة عن غارة جوية إسرائيلية استهدفت فيلا سكنية، و أدت إلى مقتل مستشار عسكري بارز في “الحرس الثوري” الإيراني، يدعى رضا زارعي، وعدد من مرافقيه من “حزب الله” اللبناني والميليشيات الإيرانية الأخرى.

هذه ليست المرة الأولى التي تنجح فيها إسرائيل في تنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات إيرانية وحلفائها في سوريا، ففي الأشهر الأخيرة، شهدت الأراضي السورية العشرات من الضربات الجوية الإسرائيلية، التي طالت مواقع عسكرية ومدنية، وأسفرت عن مقتل وجرح العشرات من العناصر التابعة للجيش السوري و”الحرس الثوري” و”حزب الله” والميليشيات الموالية لهم.

وتثير هذه العمليات الإسرائيلية الجدل والتساؤلات حول كيفية حصول إسرائيل على معلوماتٍ دقيقة وحساسة عن تحركات ومواقع هذه القيادات، وهل هناك اختراق إسرائيلي داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية، وما هي الأهداف والدوافع والعواقب والتداعيات السياسية والاستراتيجية لهذه العمليات.

إسرائيل تخترق الأجهزة السورية؟

لا شك أن إسرائيل تمتلك قدرات وموارد عالية في مجال الاستخبارات والتجسس والتكنولوجيا، وتستخدمها لمراقبة وتتبع واستهداف أعدائها في المنطقة، وخاصة إيران وحلفائها في سوريا ولبنان. وتعتمد إسرائيل على عدة أساليب ووسائل لاختراق الأجهزة الأمنية السورية.

أيضا، ليس من المستبعد أن إسرائيل استفادت من الثغرات والضعف في النظام الأمني والعسكري السوري، الذي تأثر بسنوات الحرب والعقوبات والفساد والانشقاقات والتنافسات والتحالفات الداخلية والخارجية، والذي يعاني من نقص في الكفاءة والتدريب والتجهيز والتنسيق والتأمين والمراقبة والمحاسبة.

مصدر في الجيش السوري، كشف لـ”الحل نت”، أن إسرائيل فعلا تمكنت من اختراق الأجهزة الأمنية السورية والحصول على معلومات حساسة وسرية عن تحركات ومقرات إقامة المستشارين الإيرانيين والميليشيات المتحالفة معهم في سوريا، وخاصة في المدن الساحلية. 

إسرائيل وفقا للمصدر تستخدم شبكة من العملاء والمخبرينَ، الذين يعملون على أعلى المستويات الأمنية أو العسكرية في الجيش السوري، ولديهم قدرة على الوصول والاطلاع على الوجود والنشاط الإيراني في سوريا.

التغلغل الإسرائيلي مستمر منذ سنوات، لكنه تكثف وتوسع في الأشهر القليلة الماضية، هو جزء من استراتيجية إسرائيل لمواجهة وردع النفوذ والتهديد الإيراني في سوريا والمنطقة وخاصة بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، لمنع إقامة وتوطيد ممر بري إيراني يربط إيران بلبنان وفلسطين، عبر العراق وسوريا. 

كما قال المصدر، إن الاختراق الإسرائيلي يهدف إلى جمع وتدقيق المعلومات الاستخبارية والمعطيات التي من شأنها تمكين وتسهيل الضربات والعمليات الإسرائيلية ضد الأهداف والمصالح الإيرانية في سوريا، والتي تكررت في الفترة الأخيرة، وألحقت أضراراً وخسائر كبيرة بالقوات الإيرانية ووكلائها.

خطة مدروسة

تأتي الضربة الأخيرة، بعد يومين فقط من قصف نسب لإسرائيل واستهداف مواقع في محيط العاصمة دمشق. وكانت ضربات سابقة أسفرت عن مقتل 5 قادة من “الحرس الثوري” في منطقة المزة فيلات غربية بدمشق، فيما أدت واحدة منها عن مقتل القيادي الإيراني البارز، رضي موسوي.

منظر لملصق رضي موسوي، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، الذي توفي نتيجة الهجوم الإسرائيلي على العاصمة السورية دمشق، في أحد شوارع طهران، إيران في 27 ديسمبر 2023. (تصوير فاطمة بهرامي/غيتي)

وفقا لتحليل الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، فإنه من المؤكد أن الاختراق الإسرائيلي يتم تنفيذه وتنسيقه من قبل “الموساد” جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، و”الوحدة 8200″  وهي وحدة الاستخبارات الإسرائيلية، وهي مسؤولة عن التجسس الإلكتروني، ضمن أدوات وأساليب مختلفة.

لا يستبعد معلوف في حديثه لـ”الحل نت”، أن تكون تل أبيب قد عملت على تجنيد وزراعة عملاء ومخبرين سوريين، يعملون في المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية، ولديهم اطلاع على الوجود والنشاط الإيراني في سوريا، مثل إدارة المخابرات الجوية السورية، وإدارة المخابرات العسكرية السورية، والحرس الجمهوري السوري. 

هذا التجنيد ليس من الأكيد أن يكون بشكل مباشر، بل يمكن أن يكون المشغلين الإسرائيليين، يعملون تحت غطاء دبلوماسيين أو صحفيين أو رجال أعمال، يستخدمون وسائل وحوافز مختلفة للتأثير على العملاء والمخبرين السوريين مثل المال.

أيضا أحد الأساليب التي لا يشك في أن إسرائيل تستخدمها، وهي قرصنة واعتراض أنظمة الاتصالات والمعلومات السورية، التي تستخدمها المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية، والتي تحتوي وتنقل معلومات حساسة وسرية عن الوجود والنشاط الإيراني في سوريا، مثل شبكات الراديو والهاتف السورية، وشبكات الإنترنت والحاسوب و الرادارات السورية. 

الجدير ذكره، أن القراصنة الإسرائيليين، يستخدمون معدّات وتكنولوجيا متطورة، مثل برنامج التجسس بيغاسوس (Pegasus)، ودودة ستوكسنت (Stuxnet)، وبرنامج حصان طروادة الخبيث، ويستغلون ويتجاوزون إجراءات الأمن والتشفير السورية، ويصلون إلى أنظمة الاتصالات والمعلومات السورية ويراقبونها.

علاوة على ذلك، تعمل فإن الأصول والموارد الإسرائيلية المتمركزة في مواقع وقطاعات مختلفة، مثل هضبة الجولان، والقواعد الجوية والبحرية الإسرائيلية، وحلفاء وشركاء إسرائيل مثل الولايات المتحدة، تقوم بتنفيذ أعمال وعمليات مختلفة مثل المراقبة والاستطلاع، وهذا يفيد في مراقبة تحرّكات بعض قادة “الحرس الثوري” الإيراني.

تفاصيل عملية اغتيال زارعي

الضربة الإسرائيلية التي نفّذتها مقاتلة إسرائيلية أطلقت صاروخا موجّها، استندت إلى معلومات استخباراتية ومعطيات تم الحصول عليها والتحقق منها من خلال الاختراق الإسرائيلي. 

أفراد الأمن والطوارئ يبحثون بين أنقاض مبنى دمر في غارة إسرائيلية مزعومة في دمشق في 20 يناير، 2024. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

في البداية وحسب المصدر، تم تحديد هوية المستشار العسكري في “الحرس الثوري” الإيراني، رضا زارعي، الذي كان أحد المقربين والموثوقين من قاسم سليماني، القائد السابق لـ”فيلق القدس” الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة بدون طيار في عام 2020، وكان مسؤولاً عن تخطيط وتنفيذ الاستراتيجية العسكرية والسياسية الإيرانية في سوريا.

بحسب المصدر العسكري السوري، فقد تم تحديد مكان وتوقيت زيارة المستشار الإيراني بفيلا في بلدة طرايا قرب مدينة بانياس على الساحل السوري، في الساعة العاشرة مساءً بالتوقيت المحلي. 

وقال المصدر إن الفيلا التي كانت مملوكة لرجل أعمال سوري ومقرب من النظام الإيراني، وكانت تستخدم كمنزل آمن ومكان اجتماع للمستشار الإيراني ومرافقيه من عناصر وقادة “فيلق القدس” والميليشيات المتحالفة معه، الذين كانوا يزورون ويتفقدون المواقع والقواعد الإيرانية في المنطقة الساحلية.

إجراءات الأمن والحماية للمستشار الإيراني ومرافقيه تم تقييمها بأنها ضعيفة وغير كافية، نظراً للسرية والحساسية الشديدة لزيارتهم ومهمتهم. وقال المصدر إن المستشار الإيراني ومرافقيه، الذين وصلوا وغادروا بسيارة مدنية ترافقهم سيارة أمنية سورية، لم يستخدموا أي أجهزة إلكترونية أو معدات اتصال، مثل الهواتف أو أجهزة اللاسلكي أو نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). 

إلا أنهم أبلغوا الجهات الأمنية والعسكرية السورية، مثل إدارة المخابرات الجوية السورية وإدارة المخابرات العسكرية السورية وقوات الدفاع الجوي السورية، عن زيارتهم وتحركهم، ولم يطلبوا أو يتلقوا أي غطاء جوي أو دعم منها، وهنا تظهر الثغرة.

حتى الآن ورغم تكرار استهداف العديد من قادة “الحرس الثوري” الإيراني سواء في حي المزة بدمشق أو بمنطقة السيدة زينب جنوب العاصمة أو حتى عمليات مطار دمشق وحلب والقصير ومؤخرا بانياس، لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة السورية على الاستهداف بعد، ما يؤكد أن هناك اختراقا إسرائيليا للأجهزة الأمنية السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات