بعد تعليق العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا من عهد النظام المخلوع، أُثيرت تساؤلات حول جدّية تحسّن الواقع الاقتصادي في البلاد، وتأثير ذلك في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، والذي شهد تحسنا بعد 8 كانون أول/ديسمبر الماضي، لكنه “وهمي”. 

إذ إن بقاء سريان العقوبات الأميركية التي تخصّ نظام “سويفت” لن تتيح حرية نقل الأموال، وهي ما زالت سارية المفعول، بينما من غير المأمول أن يتم رفع العقوبات بشكل كامل عن البلاد في المدى القريب. 

يأتي ذلك بينما تعاني البلاد من وضع اقتصادي هشّ، إضافة إلى مشاكل تتعلق بنقص السيولة في ظل ضعف الحلول المتاحة أمام “مصرف سوريا المركزي” والحاجة إلى حلول إسعافية. 

لا تتيح تلقي الحوالات

المستشار الاقتصادي لدى “مصرف سوريا المركزي”، مخلص الناظر، اعتبر أن رفع العقوبات عن 4 بنوك هو إيجابي “ولكن ليس هو المأمول”، إذ ما تزال العقوبات الأميركية، وهي عقوبات نظام “سويفت”، سارية وهي تمنع المصرف المركزي والبنوك السورية من تلقي الحوالات أو إرسالها، وبالتالي فإن الحوالات هي الأساس.

مصرف سورية المركزي – “الحل نت”

وأضاف أن هذا الرفع يمكن أن يساهم في الحصول على بعض الأموال السورية المجمدة في الخارج، أو أن يساهم في التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي بنقل تكنولوجيا مصرفية يفتقدها القطاع المصرفي السوري، لكن الجوهر الأساسي هو نظام “سويفت”. 

“لنكن واقعيين لا يوجد رفع كامل للعقوبات خلال فترة قريبة، والذي نحاول أن نسعى له هو استثناءات للعقوبات التي تشمل نظام سويفت حتى نتمكن من تلقي الأموال وإرسالها للخارج”، بحسب الناظر. 

وأشار إلى أن كل الدول الصديقة لسوريا حتى الآن لا تستطيع أن تساعد بأي طريقة مع وجود العقوبات على “المصرف المركزي السوري”. 

ارتفاع الليرة السورية حقيقي أم وهمي؟

حول سعر صرف الليرة السورية والذي تحسّن بنسبة 60 بالمئة بعد سقوط نظام الأسد، أوضح المستشار الاقتصادي أن أن هناك مشكلة سيولة في الليرة السورية، بمعنى أن الليرة السوية باتت سلعة نادرة، بسبب تهريب جزء كبير منها إلى خارج البلاد مع سقوط النظام. بينما كان النظام المخلوع يعتمد على الطباعة بشكل كبير خلال الفترات الماضية، وهذه العقود متوقفة أو هناك صعوبة في جلبها إلى داخل سوريا، الأمر الذي خلق مشكلة سيولة.

وأوضح أن البنك المركزي حتى يتحكم ببقية النقد السوري الموجود لديه، فرض بعض القيود على السحب وغيرها فخفّت السيولة أي أصبحت الليرة السورية قليلة. بينما ارتفع الطلب على الليرة نتيجة عودة السوريين من الخارج مما أدى إلى ارتفاع الطلب وانخفاض العرض. 

“إذا افترضنا أن الليرة السورية تحسنت 60 بالمئة لكن الأسعار لم تنخفض أكثر من 10 بالمئة وبالتالي نكتشف أن الهبوط وهمي فعليا وسعر الصرف الحقيقي بعيد بعيد جدا عن الرقم الموجود حاليا”، بحسب المستشار لدى “المصرف المركزي السوري”.

وأوضح أنه إذا تم حساب سعر الصرف على قانون “تعادل القوة الشرائية”، فإن سعر صرف الليرة يمكن أن يكون بمتوسط بين 17 الفا إلى 20 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.

وتعتبر سوريا من أكثر الدول المتأثرة بما يسمى “عامل التمرير”، أي إن كل تغير 1 بالمئة في سعر الصرف يؤدي إلى 10 بالمئة في أسعار المستهلكين سواء في الارتفاع أو الانخفاض وهو يعتبر سيء جدا، وفق الدكتور مخلص الناظر. 

طباعة العملة

بالنسبة لطباعة العملة، أكد الناظر أنه لا يوجد طباعة في سوريا وهذه العملية كانت تجري في روسيا، بينما هناك مشاكل في عملية شحن الشحنات المطبوعة، و”ليس بالسهولة وصولها إلى سوريا”.

وأكد الناظر في لقائه عبر “سكاي نيوز” أن هناك قرار اتّخذ بعدم طباعة العملة بعد الآن، “لأن طباعة العملة هي تغذية للتضخم الذي وصل إلى أرقام فلكية، متوقعاً أن المصرف المركزي بعيد عن فكرة إعادة طباعة العملة بالطريقة الهستيرية التي كان يعمل بها النظام المخلوع خلال الفترات الماضية، ولكن لا بدّ من حل لمشكلة السيولة.” 

“عندما يكون سعر الصرف في السوق السوداء أرخص من البنك المركزي، فهذا يخالف القانون الاقتصادي، عادة سعر السوق السوداء أعلى من المصرف المركزي وانخفاضه دون سعر المصرف المركزي قولا واحدا يدل على أزمة سيولة”، وفق المستشار لدى المصرف المركزي. 

وقال إن تغيير العملة موجود، ولكن في الأمد الطويل، والسبب “أنه من غير المهم تغيير العملة من دون أن يكون هناك احتياطي نقدي يدعم العملة الجديدة”، خصوصا أن العملة الجديدة إذا طُرحت لن تكون بالأصفار الحالية، إذ سيكون هناك عملية حذف للأصفار. 

“فكيف سيتم طرح عملة جديدة ولا يوجد احتياطي دولار نقدي وذهب يحميها من هجمات المضاربين وغيرها، فلن نستفيد حاليا من تغيير العملة”، أضاف الناظر. 

أما بالنسبة لـ “دولرة الاقتصاد” أي التعامل بالدولار الأميركي، قال إن هناك نوعين من الدولرة؛ جزئية وكلية، وهذا الموضوع يرتبط بعرض وعمق “الدولرة”. موضحا أن عمق “الدولرة” هو حجم الودائع بالعملات الأجنبية من إجمالي ودائع المصرف المركزي وحجم النقد المتداول خارج المصرف. 

بينما يشمل العرض المعاملات، أي “أن الدولرة ماذا ستشمل؟ رواتب الموظفين، بيوع العقارات، بيوع السيارات، الاستيراد والتصدير، وهذا يتطلب حديثا طويلا عن الحالة السورية”، وفق الناظر. 

واعتبر أن “الدولرة” الجزئية لفترة مؤقتة ربما تساعد في استقرار سعر الصرف والتضخم وتساعد في الاستثمارات وتدفقها أكثر من الوضع الحالي، و”اعتقد أننا قريبون من التجربة اللبنانية في هذه الفكرة. الدولرة ضمن الأفكار”. 

الإجراءات الإسعافية

منذ الإطاحة بالنظام السابق، ارتفع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، لكن هذا الانخفاض لم يكن حقيقيا، إذ إن سعر الصرف في نشرة المصرف المركزي 13.200 ليرة، وهو أعلى من السوق السوداء، الذي بلغ اليوم الأربعاء 9.800 ليرة.

ويرى الخبير الاقتصادي، مخلص الناظر، أن الإجراءات الإسعافية تتمثل في عدة خطوات، أولها إلغاء التربّح من سعر الصرف الموجود حاليا، أي لا بدّ من إلغاء فرق سعر الصرف بين المصرف المركزي والسوق السوداء وإلغاء مظاهر الصرف غير الحضارية، من خلال إعادة دور المصارف الخاصة وشركات الصرافة المرخصة وإجبارها على الالتزام بسعر صرف الرسمي. 

وأضاف: “علينا إغلاق الفجوة بين سعر السوق السوداء والمصرف المركزي بحيث يصبح المركزي هو القائد. هذا كله يمكن أن يعطي الثقة للمصرف المركزي بدلا من الحالة الموجودة حاليا.” 

“على سبيل المثال، جزء كبير من الشعب السوري يعتمد على حوالات تأتيه من الخارج من أقارب والأهل وغيرهم، الآن من كان يتلقى 100 دولار مثلا ويصرّفها بمليون ونصف المليون ليرة قبل سقوط النظام، حاليا يصرفها بمليون والأسعار لم تنخفض، فعليا تم تقليص الطلب الاستهلاكي في بلد يعاني من ركود تضخمي يتقلص فيه الطلب الاستهلاكي وإذا استمرت هذه الحالة سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وإغلاق المحلات”، وفق الناظر.

وبدأ التجار مؤخرا بالحديث عن الاستيراد من الخارج بدلا من التصنيع في سوريا، لأن تكلفة المستورد باتت أقل، بحسب ما رصد الناظر خلال وجوده بدمشق قبل شهر من الآن، إذ إن هذا يؤدي إلى ضرب الصناعات والاقتصاد المحلي، فلا بد من العودة إلى توازن نقدي حقيقي. 

أما فيما يخصّ الإجراء الإسعافي الثاني، فهو يتعلق بحل مشكلة السيولة، “هل بدولرة جزئية، هل بطباعة عملة”، وفق الناظر. 

وأضاف أن السياسة النقدية كلها بحاجة إلى إعادة صياغة، “مثلا معدل الفائدة 11 بالمئة وهو ثابت منذ سنوات بينما معدل التضخم السنوي حوالي 56 بالمئة، فنحن أمام عائد حقيقي سلبي يتجاوز 55 بالمئة، وفعليا لا معنى له”.

حول الإجراءات الإسعافية لدفع حركة النمو الاقتصادي، يرى المستشار لدى “المصرف المركزي السوري”، أن النمو في سوريا يبدأ من تعزيز الطلب الاستهلاكي، إذ لا بدّ من زيادة الأجور بشكل سريع وهناك عقبات لكن لا بدّ من رفعها، مبررا ذلك بأن زيادة الأجور بشكل منطقي وواقعي تعزز من النمو الاقتصادي في تحرير الأسواق، لأن “الاقتصاد عبارة عن عنفات تتحرك مع بعضها البعض.” 

وأكد أن زيارة الأجور هي الباب التي ستدفع إلى نمو اقتصادي في البلاد، بالإضافة إلى وضع قيود على الاستيراد، مشيرا إلى أنه غير مقتنع بفتح أبواب الاستيراد بهذه الطريقة و”أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في عملية الاستيراد وضبطها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة