أحداث الساحل السوري: تصاعد العنف مع سقوط محافظات وهذا ما حصل!

في صبيحة يوم الأربعاء، الخامس من آذار/مارس 2025، استيقظت سوريا على خبر صادم هزّ أركانها من أقصاها إلى أقصاها: سقوط ثلاث محافظات رئيسية على الساحل السوري – اللاذقية، طرطوس، وريف حماة الغربي – بيد قوات ما يُعرف بـ”المجلس العسكري السوري لتحرير سوريا” ومجازر ترتكب بحق مدنيين. 

هذا التطور الميداني السريع، الذي جاء بعد أشهر من الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، فتح الباب أمام موجة جديدة من العنف والفوضى، أعادت إلى الأذهان أسوأ لحظات الحرب الأهلية السورية التي بدأت قبل أكثر من عقد. 

بداية السقوط: هجوم منسق وسريع

وفقًا لأحد العاملين في وزارة الدفاع السورية، والمصادر الميدانية في مدينة اللاذقية التي تحدث معهم “الحل نت” كلا على حدا، فإن القوات المسلحة التابعة للمجلس العسكري نفّذت هجومًا خاطفًا ومنسقًا استهدف الدوائر الحكومية والأمنية التابعة للحكومة في دمشق في تلك المناطق.

تمت محاصرة المقرات الأمنية الرئيسية في اللاذقية وطرطوس، بما في ذلك مراكز الشرطة ومقرات الأمن العام، قبل أن تسقط تباعًا خلال ساعات. في ريف حماة الغربي، تم الاستيلاء على البلدات المحيطة بسرعة فائقة، مع انهيار مقاومة القوات الحكومية التي بدت غير مستعدة لهذا الهجوم المباغت. 

مصادر محلية أكدت أن أفراد الأمن الذين كانوا يديرون هذه المقرات تم أسرهم كمعتقلين، حيث أفادت بأن العشرات من عناصر الأمن العام تم احتجازهم في ظروف غامضة، مع ورود أنباء عن إعدامات ميدانية طالت بعضهم وبعض المدنيين.

هذه الأحداث أثارت موجة من الذعر بين السكان المحليين، خاصة في ظل التقارير التي تحدثت عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين خلال عمليات السيطرة. حيث ذكر مدير فريق “ملهم” التطوعي، أن “سيارةٌ تحمل ترميز إدلب تم استهدافها على أوتوستراد جبلة، وقُتِلَ جميع من كان فيها على يد فلول النظام. أن مدنيين قتلوا بسبب أرقام لوحات السيارات التي تعود إلى إدلب وحلب، ليقوم أهاليهم بالبحث عنهم ثم بالانتقام لهم”. 

ردود الفعل: غضب شعبي وتصعيد عسكري

لم تمر هذه التطورات دون ردّ فعل. ففي المناطق التي يقطنها أغلبية علوية – وهي الطائفة التي شكّلت العمود الفقري لنظام الأسد السابق – اندلعت احتجاجات شعبية غاضبة. وفقًا لما نقلته وسائل إعلامية محلية، خرجت تظاهرات في طرطوس وجبلة وريف اللاذقية رفضًا لسيطرة “المجلس العسكري”، الذي يُنظر إليه على أنه امتداد للنظام السوري السابق. المتظاهرون رفعوا شعارات تندد بما وصفوه بـ”احتلال الساحل”، مطالبين بطرد القوات المهاجمة.

في المقابل، تلقى أهالي الضحايا المدنيين من إدلب وحلب وحمص – وهم من المناطق التي انطلقت منها القوات المهاجمة – أنباء مقتل أقاربهم على يد فلول النظام السابق أو خلال الاشتباكات.  

هذا الغضب الشعبي تحول سريعًا إلى دعوات للانتقام، حيث أفادت وسائل إعلامية بأن مكبرات الصوت في مساجد إدلب وحمص وحلب دعت إلى “نصرة الأمن العام” ضد ما أسمته “فلول النظام البائد”. هذه الدعوات لم تكن مجرد كلمات، بل تبعتها مسيرات شعبية مسلحة انطلقت نحو الساحل لدعم القوات المهاجمة. 

من جانبها، ردت الحكومة في دمشق بتصعيد عسكري غير مسبوق. إذ أعلنت وزارة الدفاع السورية، في بيان نقلته وكالة “سانا” يوم 7 آذار/مارس 2025، عن إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة من إدلب وحلب وحمص إلى الساحل، بما في ذلك أرتال مدرعة وطائرات مسيرة من طراز “شاهين”. الهدف المعلن كان “استعادة السيطرة وفرض سلطة الدولة”، لكن الواقع على الأرض كان أكثر تعقيدًا. 

المجازر: دماء تسيل على الجانبين

مع تصاعد الاشتباكات، تحولت المناطق الساحلية إلى ساحة لمجازر مروعة. وفقًا لتقرير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” المنشور يوم 8 آذار/مارس 2025، تم تسجيل خمس مجازر كبرى أودت بحياة 162 شخصًا على الأقل.

فيما تشير مصادر محلية لـ”الحل نت”، أن أكثر من 500 مدني قتلوا خلال الأيام الأولى من النزاع؛ لكن “الحل نت” لم يتأكد من حقيقة هذه الأرقام. وبالتواصل مع جهات حقوقية، ذكروا لنا أن التوثيق في هذه المناطق حتى الآن ما يزال صعبا، لا سيما مع انتشار شائعات عن مقتل أشخاص، ليتبين لاحقا أنهم على قيد الحياة. 

“الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، بدورها أفادت أن نحو 40 مدنياً أعدموا معاً في مكان واحد في بلدة المختارية باللاذقية. وتظهر مقاطع فيديو للمذبحة أشخاصاً يرتدون ملابس مدنية مكدسين فوق بعضهم البعض بينما تبكي النساء. وأظهر مقطع فيديو آخر في بلدة ثانية مسلحين يعدمون رجالاً يبدو أنهم غير مسلحين يزحفون على أيديهم وركبهم بعيداً عنهم. 

في المقابل، تعرضت قوات الأمن الداخلية لهجمات منظمة من قبل مسلحين موالين للنظام السابق. تقرير “المرصد السوري” ذاته أشار إلى مقتل أكثر من 200 عنصر من الأمن والمسلحين المهاجمين في كمائن واشتباكات متفرقة، خاصة في ريف جبلة وطرطوس. مصدر أمني نقلت عنه “الجزيرة نت” أكد أن سبعة عناصر أمن قتلوا في حاجز بمدينة طرطوس ليلة الخميس، فيما عثر على جثثهم صباح الجمعة بعد وصول تعزيزات الجيش. 

التوتر لم يقتصر على الاشتباكات العسكرية، بل امتد إلى حرب نفسية وإعلامية. “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر”، وفق بيان نشره على “فيسبوك” وأعاد نشره موقع “هاشتاغ سوريا”، ندد بقصف منازل المدنيين ودعا إلى اعتصامات سلمية في مدن الساحل ودمشق وحمص يوم الجمعة 7 آذار/مارس. هذه الدعوة لاقت استجابة واسعة، لكنها تزامنت مع تصاعد العنف، مما جعل الوضع أكثر تعقيدًا. 

السيطرة والفوضى: من يتحكم بالساحل؟

بحلول يوم الجمعة 7 آذار/مارس، أعلنت وزارة الدفاع السورية، في بيان رسمي، أن قواتها استعادت السيطرة على اللاذقية وطرطوس بالكامل، وأنها طوقت “فلول النظام” في مناطق جبلية مثل القرداحة وبانياس. لكن مصادر ميدانية، كشفت لـ”الحل نت”، أن السيطرة لم تكن كاملة، حيث واصل المسلحون الموالون للنظام السابق نصب الكمائن في المناطق الوعرة، مما أدى إلى خسائر إضافية في صفوف الجيش.

قوات وزارة الدفاع تدخل مدينة طرطوس دعماً لقوات إدارة الأمن العام ضد فلول النظام – “سانا”

في الوقت نفسه، حظر التجوال أعيد فرضه في المدينتين الساحليتين حتى صباح السبت 8 آذار/مارس، في محاولة لاحتواء الفوضى. عمليات التمشيط التي قادتها قوات الأمن والجيش شملت مدنًا مثل جبلة وبانياس، حيث تم تحرير مستشفى في الأخيرة بعد اشتباكات عنيفة. 

لم تقتصر تداعيات هذه الأحداث على الداخل السوري. القواعد العسكرية الروسية في حميميم وطرطوس، التي ظلت تعمل بشكل طبيعي بعد سقوط الأسد، وجدت نفسها في موقف حرج. وكالة “تاس” الروسية نقلت عن قيادة القاعدة، أنها فتحت أبوابها لاستقبال المدنيين الفارين من الأعمال العسكرية، خصوصا بعد استخدام القوات السورية للبراميل المتفجرة. 

مع انتهاء الأسبوع الأول من آذار/مارس 2025، يبقى الساحل السوري على صفيح ساخن خصوصا أن المنظمات الحقوقية حتى اللحظة لم تحصِ العدد الكلي للقتلى المدنيين بين الطرفين. وعليه بدأ “الحل نت” بجلب شهادات من مختلف المناطق وسيتم نشرها تبعا بتقارير منفصلة. 

الخسائر البشرية الهائلة، التي تجاوزت 500 قتيل من المدنيين والعسكريين، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، يعيدان سوريا إلى نقطة الصفر. السؤال الملح الآن هو: هل ستتمكن الحكومة في دمشق من فرض سيطرتها الكاملة، أم أن الساحل سيظل مسرحًا لصراع طائفي وعسكري مطول؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة