مجازر عديدة ارتكبت بحق أهالي الساحل السوري والذين كانوا غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية، خلال الأيام الـ4 الفائتة. وراح ضحيتها أكثر من 1000 مدني ونحو من 300 عنصر من الأمن العام، وبالطبع العدد قابل للزيادة جرّاء صعوبة الوصول إلى جميع الضحايا.

وفي هذا الصدد قالت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، أمس الاثنين، إن العنف الدائر في سوريا مروع والعالم يراقب.

وأردفت أن السلطات السورية يجب أن تحقق مع المسؤولين عن قتل المدنيين وتقدمهم للعدالة، مؤكدة أن “الشعب السوري لم يتمكن من الإطاحة بنظام بشار الأسد الوحشي لكي يجد نفسه مجبرا على العودة إلى المزيد من القمع والعنف”.

أحداث الساحل ومسؤولية الشرع

بحسب مصادر محلية لـ”الحل نت”، فإن ثمة هدوء نسبي ولكن عدة مناطق في أوقات متأخر من يوم أمس الاثنين تعرضت لاقتحامات وشهدت إطلاق للنار بشكل مكثف، بينما لم نتمكن حتى كتابة هذه السطور تدقيق المعلومات والتأكد من سلامتها.

الشرع حمّل جماعات موالية للأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية- “أ ف ب”

كما تتحدث أنباء عن شهود عيان في ريف القرداحة عن مقتل عائلة بأكملها هناك على يد الرتل العسكري الذي دخل إلى هناك، وكان يقوم بعملية تمشيط في القرى، دون معرفة هوية ذلك الرتل أو إلى أي فصيل ينتمي.

ومنذ ما يقارب الأربعة أيام، ارتفعت وتيرة الأحداث الدموية بينما لا يزال من الصعوبة التوصل بدقة إلى أعداد محددة، نهائية وحاسمة، للضحايا المدنيين والقتلى من صفوف قوات الأمن العام، إلا أن رصد “الحل نت” لشهادات متفرقة من مناطق الساحل السوري، يشير إلى احتمالات وصول أعداد الضحايا المدنيين الذين قتلوا خلال الأيام الماضية لأكثر من 1500 شخص، حيث إن الرقم قابل للزيادة نظرا لصعوبة الوصول إلى كل الضحايا.

يوم أمس الاثنين، قال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إن عمليات القتل الجماعي لأهالي الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد تشكل تهديدا لجهوده لإعادة توحيد البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه، بحسب ما ذكرته “رويترز”.

واللافت أن الشرع حمّل جماعات موالية للأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنه أقر بأن أعمال قتل انتقامية وقعت في أعقاب ذلك.

وتصاعدت أعمال العنف في الساحل السوري بعد أن شنت حركة ناشئة ومرتبطة جزئيا بشخصيات عسكرية سابقة في نظام الأسد “فلول”، موجة من الهجمات على قوى الأمن العام الأسبوع الماضي.

لكن هذه الاشتباكات سرعان ما تحولت إلى هجمات واسعة ودموية على المدنيين، وقالت دمشق إن فصائل غير منضبطة هي التي ارتكبت هذه المجازر، وإنها ستقدم كل من تلطخت يداه بالدماء هناك إلى العدالة.

في حين قال مراقبون وكثير من الناشطين إن هذه الفصائل في النهاية تابعة ومحسوبة لوزارة الدفاع السورية، حيث قام الشرع بحلّ جميع الفصائل وبالتالي فهو المسؤول عن تحركات هذه الفصائل.

الشرع أمام مفترق طرق

صحيفة “واشنطن بوست“، قالت في تقرير لها نُشر مساء أمس الاثنين، إن الإدارة السورية الجديدة حاولت أن تنأى بنفسها عن عمليات القتل التي حصلت في الساحل، وألقت باللوم على عناصر مارقة وشكلت لجنة للتحقيق في أعمال العنف. لكن شهود عيان قالوا إن “المسلحين الذين ارتكبوا المذبحة لم يكونوا من القوات الحكومية. وقال البعض إن مقاتلين أجانب كانوا من بينهم على ما يبدو”.

وأضافت الصحيفة الأميركية، بحسب وصف سكان المنطقة الساحلية لها، إن “المسلحين السُنة تجولوا من منزل إلى منزل، وقتلوا سكان المنازل في عمليات إعدام سريعة ونهبوا كل ما تم العثور عليه. وتمكن بعض السكان المذعورين من الفرار إلى لبنان المجاور، بينما اختبأ آخرون في الجبال والغابات والبساتين”.

من اجتماع أحمد الشرع مع أعضاء اللجنة المكلفة بالتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري – “سانا”

وقالت طبيبة تعمل في بلدة القدموس الواقعة في الجبال بمحافظة طرطوس عن إراقة الدماء: “لقد تم القضاء على عائلات بأكملها”. وقد هربت صباح الأحد مع استمرار القتال. وأضافت: “لقد دخلوا المنازل ونفذوا عمليات قتل جماعي لكل العلويين”.

وقالت الطبيبة، التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفا من الانتقام، إن غالبية القتلى كانوا من المدنيين على ما يبدو، وإن المرضى كانوا يصلون إلى مستشفاها مصابين بطلقات نارية وشظايا.

تؤكد هذه الأحداث الدموية على التحديات العميقة التي تواجهها سوريا منذ سقوط الأسد. فقد تمسك الرئيس المخلوع بالسلطة على الرغم من الاحتجاجات الشعبية والمعارضة المسلحة ضده، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية دامت 14 عاما. وقد خلفت تلك الفترة ندوبا طائفية عميقة في المجتمع، وغذت التطرف، وجعلت سوريا قطبا للمتشددين الإسلاميين المولودين في الخارج، وفق تحليل صحيفة “واشنطن بوست”.

وتقول الصحيفة الأميركية، إنه منذ الإطاحة بالأسد في كانون الأول/ديسمبر، وعد الشرع بأن حكومته سوف تشمل الأقليات. لكن العنف الأخير يثير تساؤلات خطيرة حول ما إذا كان راغبا أو قادرا على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد.

وقال الشرع الأحد “لن يكون أحد فوق القانون، وكل من تلطخت أيديهم بالدماء السورية سيواجه العدالة بشكل عادل ودون تأخير”.

وكان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك قد قال يوم الأحد إن مكتبه تلقى “تقارير مقلقة للغاية” عن مقتل عائلات بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال وكذلك المقاتلين المستسلمين.

وعلى ضوء ذلك، فإن السؤال الملح هنا هو: هل سيأخذ الشرع مسؤولية هذه المجازر على محمل الجد ويحقق العدالة لضحاياها، أم أن الأمور ستكون انتقائية ومحدودة بينما اللجان التي كلفها بالتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل ستجمع ما يمكنها وتغض الطرف عن الرؤوس الكبيرة التي تسببت بهذه المقتلة الكبيرة والتي سترسم مستقبل سوريا حتما؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة