لا تزال تداعيات إقرار مسودة الإعلان الدستوري في سوريا قائمة حتى الآن، فبعد أن وقّع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، على الإعلان الدستوري، لاقى الأمر انقساما بين السوريين، بين مؤيد ومعارض، غير أن الأصوات المعارضة كانت انتقاداتها لاذعة ومنطقية إلى حد كبير، حتى أن العديد من الكيانات السياسية والمكونات المجتمعية في البلاد أبدت هي الأخرى اعتراضها على الإعلان الدستوري الجديد، وأشّرت إلى أسباب الاعتراض.

نحن في موقع “الحل نت”، أجرينا استطلاعا إلكترونيا لآراء الشارع السوري حول الإعلان الدستوري الجديد، وكانت نتائجه مقاربة للطرح الذي ذكرناه في بداية المقالة، من حيث حدة الانتقادات إليه ومنطقيتها، مع الإشارة إلى أن الاستطلاع أجريناه عبر صفحتنا في منصة “فيسبوك”، فكيف كانت النتائج؟

أبرز بنود الإعلان الدستوري

قبل الكشف عن نتائج الاستطلاع، سنتيح لكم أبرز بنود الإعلان الدستوري المعلنة والمكتوبة بشكل صريح، ثم لاحقا سنتطرق إلى ما حمله الإعلان الدستوري في فقراته ما بين السطور، وهي التي سلّط عدد من المعارضين عليها الضوء؛ نظرا لإشكالياتها الكبيرة.

الإعلان الدستوري، أبقى على اسم الدولة “الجمهورية العربية السورية”، وحدّد دين رئيس الدولة بالإسلام، مع إبقاء الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، وأكد على ضمان الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير والصحافة والإعلام والنشر، كما أقرّ حق الملكية وحقوق المرأة في المشاركة في العمل والتعليم، بينما شدد على حقِّ المرأة في المشاركةِ بالعمل والعلم وكفالة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لها.

أما فيما يتعلق بنظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية، تعمدت اللجنة الفصل المطلق بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي الجانب السياسي، منح الإعلان الدستوري “مجلس الشعب” صلاحيات استدعاء الوزراء واستجوابهم، إضافة إلى ترك مسألة عزل الرئيس أو تقليص سلطاته للمجلس نفسه.

كما نصّ الإعلان الدستوري، على حلّ المحكمة الدستورية القائمة، وإقرار مرحلة انتقالية تمتد لـ 5 سنوات، أما فيما يخص حالات الطوارئ، فقد شدد الإعلان على ضبط إعلان حالة الطوارئ بموافقة “مجلس الأمن القومي”، على أن يكون تمديدها مرهونا بموافقة “مجلس الشعب”.

الإعلان الدستوري.. نتائج الاستطلاع

الآن نعود إلى الاستطلاع حول رأي الشارع السوري بالإعلان الدستوري، حيث شارك فيه 4159 مصوّتا، وجاءت نتائجه كالتالي:

  • (2903) صوتا مع الإعلان الدستوري، بنسبة ناهزت (69 %)
  • (1060) صوتا ضد الإعلان الدستوري بنسبة بلغت (25 %)
  • (196) صوتا لا يعنيهم الإعلان الدستوري بأي شيء، بنسبة قدرها (6 %)

هذه النتائج، رافقتها مئات التعليقات ضمن الاستطلاع نفسه من قبل المصوّتين، فاكتفى معظم من أيّدوا الإعلان الدستوري، بجملتين: “نعم مع الإعلان الدستوري”، و”أكيد نعم؛ لأننا مع الرئيس الشرع”، دون أي توضيح منهم حول الأسباب التي جعلتهم يؤيّدون الإعلان الدستوري مطلقا، بينما جاءت تعليقات الرافضين للإعلان الدستوري، لاذعة له، وشرح معظم الرافضين أسباب رفضهم له، بل وتوسّعوا باستفاضة لتبيان أسباب الرفض.

صلاحيات شبه مطلقة للرئيس

قبل أن نرفق نماذج من اعتراضات الرافضين للإعلان الدستوري -ممّن شاركوا في الاستطلاع- سنتناول ما تضمنه الإعلان الدستوري -بين سطوره- من صلاحيات شبه مطلقة لرئيس الجمهورية، وهي -معظمها- كانت السبب برفض الإعلان الدستوري من قبل غير المؤيّدين له، حيث انتقدوا إعطاء الشرع كل تلك الصلاحيات.

بموجب الإعلان الدستوري، سيتولى الشرع عدة مهام، فبالإضافة إلى رئاسة الجمهورية، سيجمع مناصب رئيس الوزراء، والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، ورئيس “مجلس الأمن القومي”.

الرئيس أحمد الشرع يوقع مسودة الإعلان الدستوري – “سانا”

ومنح الإعلان الدستوري، الشرع، القدرة على إعلان حالة الطوارئ بموافقة “مجلس الأمن القومي” الذي هو من يختار أعضاءه بنفسه. وله حق الاعتراض على القوانين التي يقرها البرلمان ولا يمكن كسر هذا الاعتراض إلا بأغلبية الثلثين.

كما أن للشرع صلاحية تشكيل لجنة عليا تختار ثلثي أعضاء البرلمان (مجلس الشعب)، إلى جانب الثلث الذي يعينه بشكل مباشر، وصلاحيات أخرى لتعيين قضاة المحكمة الدستورية، وأبقى الإعلان الدستوري على “الفقه الإسلامي المصدر الأساسي” للتشريع، والإسلام هو دين رئيس الدولة.

نقمة على “صلاحيات الرئيس وفترة المرحلة الانتقالية وعدم تمثيل كل الطيف السوري”

بالعودة إلى تعليقات الرافضين للإعلان الدستوري من المشاركين في استطلاع “الحل نت”، فاخترنا منها الأهم، وتجنّبنا تكرار التعليقات المتشابهة من حيث أسباب رفض الإعلان الدستوري، ومما جاء هذا التعليق: “مدة التحول من المرحلة الانتقالية طويلة جدا”، وأيضا هذا التعليق: “مع الأسف، الإعلان الدستوري لا يمثل سوى هيئة تحرير الشام”.

معلّق آخر من الرافضين للإعلان الدستوري قال التالي: “يجب أن تضاف مادة لمحاسبة رئيس الجمهورية إذا ارتكب أخطاء بحق شعبه أو سرق من المال العام أو استغل منصبه وجعل من الجمهورية مزرعة لأقاربه”، مبديا استغرابه من التغافل عن وضع هذه النقطة.

كذلك اعترض البعض على عدم شطب كلمة “العربية” من اسم الدولة وتعديله من “الجمهورية العربية السورية” إلى “الجمهورية السورية”، وعلى عدم تمثيله لكل السوريين “لا يمثل السوريين وإنما يعبر عن شريحة محددة من السوريين”، ومعظم تعليقات هؤلاء المعترضين هم من تنوع الطيف السوري، وخاصة الكرد والدروز.

أحد المعلّقين المعترضين قال التالي: “السيد الرئيس هو المدافع والمهاجم والمعيّن والمدرب والحارس. بالمختصر هو الملعب نفسو”، فيما قال آخر: “من الضروري تحديد صلاحيات الرئيس ومحاسبته عند الضرورة”، بينما قال معلق ثالث التالي: “كل السلطات بيد الرئيس، وكل سلطة لا تستطيع عزل أخرى. الفقه الإسلامي يخالف كل بنود الحريات التي وضعوها. باختصار، مواد متناقضة وغير مرضية لطموحات السوريين”، إضافة إلى هذه التعليقات: “نفس دستور بشار بس تغير التوقيع”، و”شو الفرق بينو وبين القديم؟”، و”أنا ربكم الأعلى.. الشرع بدل المعتوه”.

ومن بين التعليقات، كان هناك تعليق لافت، حيث شرح فيه المعترض على الإعلان الدستوري، أسباب رفضه بشكل تفصيلي، وعلى شكل نقاط، وسنرفقه تالياً:

“بموجب الإعلان الدستوري:

  • تتألف الجمهورية من قومية واحدة
  • الدين الرسمي في سوريا هو الإسلام
  • المصدر الرئيسي للتشريع هو الفقه الإسلامي وليس القرآن وهذا ما يطرح تساؤلات حول الأئمة والتفاسير والمذاهب التي سيتم اعتمادها
  • لا يحق لغير المسلمين الترشح للرئاسة، وهذا يتناقض مع مبدأ المواطنة و المساواة
  • الضبابية حول ماهية الحقوق المشروعة للكرد كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية بموجب القانون الدولي كجماعة وليس مجرد أفراد
  • مدة الفترة الإنتقالية خمس سنوات وهذه المدة هي أطول من دورة رئاسية في دول العالم
  • آلية تشكيل اللجان وإقرار القوانين دون إشراك أو استفتاء للشعب، ما يؤدي إلى تهميش وتفرد واستبداد بالحكم في ظل هذه الآليات”.

أخيرا، لابد من الإشارة، إلى أن الإعلان الدستوري جاء في إطار إعادة هيكلة النظام الدستوري والقانوني في سوريا الجديدة، وذلك في ظل التغيرات التي شهدتها البلاد، بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، في 8 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم وهروبه إلى موسكو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة