في عالم الكرة المستديرة داخل سوريا والذي بات مليئا بالغموض والتناقضات، تتشابك الخيوط بين السياسة والرياضة السورية، مُرسِلة إشارات خفية تستدعي الكشف عن الحقائق المُخفية وراء تلك العلاقة المُثيرة للجدل. لا سيما خفايا وجود السياسيين ضمن مُلّاك الأندية السورية، وما الذي يدفعهم للاستثمار في الأندية السورية والتدخل في مجال الرياضة، هل هو مجرد ارتباط بين السياسة والرياضة، أم هناك أكثر من ذلك.

إن تدخّل السياسة بالرياضة ليس أمرا غريبا في سوريا، فالقصة تأخذ منحىً غير مألوف حين يجتمع في شخصٍ واحد وهو مدلول العزيز، النائب في مجلس الشعب، ورئيس نادي “الفتوة” الرياضي. فهل هو سياسي يتولى أمور الرياضة فقط، أم أن هناك تلاعبا في خطوط السلطة تُخرج لنا العلاقة بين السياسة والرياضة عن النص الطبيعي.

لكن هذا ليس كل شيء، فهناك غير العزيز من هم في مرمى هذه الإشارات، وربما يخرجون على الإعلام كما فعل رئيس نادي “الفتوة” أمس الاثنين، وظهر في تسجيل مصور يمتد لخمس عشرة دقيقة، يمتعض فيها بشكل غير مباشر عن أسباب توجيه “الحل نت” خلال المواد التي نشرت سابقا البوصلة نحوه، خاصة وأنه دعم النادي بالمليارات.  

“الفتوة” بين أمير جهادي وحاج إيراني

مصادر صحفية كشفت عن نيّة مدلول العزيز لتعيين أعضاء جدد في مجلس إدارة النادي، وأبرز التساؤلات التي أُثيرت هي مَن هم هؤلاء الأعضاء، خصوصا أن من يعبر سياج كرة القدم السورية يجد الكثير من الغموض والتناقضات، ويظهر تسلل بعض الشخصيات في متاهات خفية، ولا يفك شفرة هذه الأسرار إلا اتباع الخيوط من البداية للنهاية.

رغم التساؤلات العديدة التي أُثيرت مؤخرا حول مصدر المليارات التي ينفقها نادي “الفتوة” في كرة القدم بسوريا، إلا أن مدلول العزيز المتهم بارتكابه لجرائم حرب تحت راية تنظيم إرهابي، أكد عبر صفحة النادي، أنه أنفق المليارات من أجل التعاقدات، دون أن يبرر كيف طفت فجأة على السطح هذه الأموال بعد تولي مدلول العزيز رئاسة النادي الرياضي.

ما يقلق في الرياضة السورية، أن مُلّاك أو رؤساء نواديها العريقة خلطوا أوراق السياسية بالرياضة، فمدلول العزيز رغم أنه يحمل تاريخا مشبوها يتخلله العديد من الجرائم، فضلا عن ارتباطه السابق بجماعة إرهابية ومشاركته في عمليات عسكرية ضد القوات الحكومية، يُعدّ الآن نائبا في مجلس الشعب السوري.

الدوافع والأسباب وراء استثمار مدلول العزيز في الأندية السورية وتدخّله في مجال الرياضة، هو ارتباطه بسياسة الدولة ودوره كسياسي، كما أن هناك جوانب أخرى تتعدى مجرد العلاقة السياسية.

من المعروف أن الرياضة مجرد تسلية ونشاط بدني، لكن دخول نائب في مجلس الشعب على التحكم بنادي رياضي، تعداه من وسيلة لتبييض الأموال، إلى كونه أداة سياسية ذات قوة ضخمة قادرة على تحقيق أهداف سياسية واقتصادية. 

التدخل في مجال الرياضة هو مجرد جزء من نهج أو أجندة أكبر، فهذا الاستثمار المشبوه قد يكون له أثر مباشر على السياسة وقد ينعكس على الصعيد السياسي والاقتصادي في سوريا. ويظهر أن هناك مصالح شخصية أو جماعية يرغب مدلول العزيز في تحقيقها من خلال هذه العلاقة المشوشة بين السياسة والرياضة.

أحد هذه المصالح، فراس ذياب الجهام الملقب بـ ”فراس العراقية”، الذي تكونت حوله أوراق اتهام بتورطه مع “الحرس الثوري”، حيث يحضره المدلول ليكون من جديد ضمن أعضاء النادي، خصوصا أنه بعد أكثر من عشر سنوات أمضاها في القتال إلى جانب القوات الحكومية في محافظة دير الزور شرقي سوريا، كافأت الأخيرة فراس العراقية قائد ميليشيا “الدفاع الوطني” في المنطقة، بمنصب رئيس فخري لنادي “الفتوة”.

العراقية شغل رئاسة مجلس إدارة نادي “الفتوة” في 2020، بتعيين من قبل الحكومة، إثر موجة استقالات شهدتها إدارته حينها. ولا يحمل العراقية أي مؤهل دراسي، وعُرف قبل تأسيس ميليشيا “الدفاع الوطني” بأنه أحد أكبر مروّجي تجارة المخدرات والحشيش في دير الزور، إضافة لعمليات سرقة ونصب ودعارة، توقّف على إثرها مرات عدة من قبل الأجهزة الأمنية.

مستشارة القصر الرئاسي الرياضية

رغم أن قوانين “الفيفا” الدولية ترفض تدخل القرار السياسي على أي مسار رياضي، وتؤكد على الاحترام اللازم للتشريع الوطني، بوقف تدخلات الأجهزة السياسية في شؤون إدارة كرة القدم، إلا أن ظهور شخصية، لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري، في تعيين ودعم رؤساء الأندية السورية ليس مجرد صدفة، بل تدخل سياسة الدولة بأجندة خفية تتعلق بالرياضة، وتحمل أهدافا استراتيجية.

بداية تورط الشبل في نوادي الرياضة السورية، كان عندما أصدر الاتحاد الرياضي العام في سوريا، قرارا بحل وإعادة تشكيل مجلس إدارة نادي “الوحدة” الرياضي المحلي، على خلفية خلاف نشب بين رئيس النادي السابق، ماهر السيد، وغياث دباس المدعوم من صهره محمد حمشو.

الشبل وبعد وساطة رجل الأعمال، خالد الزبيدي، الذي يخضع لعقوبات أميركية منذ كانون الثاني/يناير عام 2019، باعتباره من ممولي الحكومة السورية، ضغطوا في تموز/يوليو 2022، لإعادة تشكيله بتكليف ماهر السيد رئيسا، وغياث دباس نائبا، بالإضافة إلى سبعة أعضاء.

الزبيدي المرتبط بمستشارة الرئيس السوري، بدأت تدخلاته بنادي “الوحدة” منذ آب/أغسطس 2021، عندما أعلن النادي عن تقدّم شركة “الحجاز للاستثمار” التي يملكها زبيدي، لتكون الراعي الحصري للنادي، بجميع ألعابه وفئاتها، للموسم الرياضي 2021- 2022.

الاتفاق الموقّع بين زبيدي والنادي يمنح الشركة حق الإعلان ضمن الفعاليات والأنشطة وضمن مراكز النادي، والمنصات الإلكترونية التابعة له، وعلى ألبسة اللاعبين والكوادر.

اسم خالد الزبيدي ظهر بكثرة في مطلع العام 2018، كأحد رجال الأعمال الموالين لدمشق الذين قاموا بإنشاء المشاريع والشركات الداعمة لها، حيث حصل في الشهر الخامس من ذلك العام على ترخيص لإنشاء شركة عقارية يملك حصة 65 بالمئة منها، و35 بالمئة تملكها شركة عطاء للاستثمار التي تملك ربى محمود درويش حصة 50 بالمئة منها.

أما الاستثمار الأهم الذي تم تسجيله باسم خالد الزبيدي، الذي يشغل حاليا منصب رئيس “مجلس الأعمال السوري الجزائري”، فهو مشروع “غراند تاون” السياحي، ضمن محيط مدينة المعارض وقصر المؤتمرات على طريق مطار دمشق الدولي، وهو عبارة عن مدينة سياحية وسكنية وتجارية وترفيهية وتعليمية، تتضمن إقامة فيلات سكنية وأبنية ومولات تجارية، ولاحقا دخلت وزارة السياحة شريكا معه في المشروع.

رغم أن المزاج العام للمواطنين السوريين مع الرياضة ليس في أجمل أيامه، إلا أن إشارات استفهام عدّة تحوم حول رئيس الاتحاد الرياضي، فراس معلا، ودوره في عدم قدرته على إحداث تغيير داخل الأندية السورية، واستبعاد أمراء الحرب الذين يسيطرون عليها. 

ماذا يحقق المدلول ولونا الشبل من الاستثمار في الأندية السورية، يكشف عن وجود دعم مفتوح وغير واضح لأهداف الساسة المستقبلية في الرياضة السورية، كما أن أكذوبة فصل السياسة عن الرياضة، تكشف طبقات التناقض وما يُختبئ خلف مدلول العزيز ولونا الشبل، وكيف تتشابك السياسة بالرياضة في سوريا بشكل يفوق التصورات.

• لقاءات بلينكن في الصين: شراكة أم تنافس؟ 
• حركة “النهضة” قد تبدل اسمها.. ألاعيب الإسلام السياسي في التخفي والكمون
• الأسد يأخذ الضوء الأخضر للتخلص من الوجود الإيراني في سوريا؟
• الحسابات وميزان الردع.. الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” قريبة؟
• الإرهاب والهجرة والتسلل الحدودي معضلات تواجه الاتحاد المغاربي