وصل أمس الأربعاء، وفد رسمي من العاصمة السورية دمشق إلى مدينة الحسكة، في إطار بدء تنفيذ الاتفاق الذي أبرمته الحكومة السورية مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الحكومية مع “قسد” قد انعقدت في القاعدة العسكرية بمدينة الشدادي بريف الحسكة، حيث ترأس الوفد الحكومي محافظ دير الزور السابق، حسين سلامة، بينما مثل “قسد” قائدها العام، الجنرال مظلوم عبدي.

وبحسب تصريحات رئيس اللجنة، فقد استمرت الاجتماعات نحو ساعتين، ووُصفت بأنها تمهيدية لجولات مقبلة، إذ شملت ثلاث جلسات؛ لتكملة فتح الحوارات الكردية مع دمشق باب التسوية السياسية في سوريا.

رسم خارطة الطريق للحل السياسي

من جهتها، أفادت مصادر سورية مطلعة لـ”الحل نت”، بأن الوفد الحكومي بدأ لقاءاته بلقاء مباشر مع قائد قوات “قسد”، على أن تُعقد اللجنة الحكومية المركزية اجتماعًا موسعًا مع قيادات من “قسد” في مدينة الشدادي بمحافظة الحسكة.

ويأتي هذا الحراك استكمالًا للاتفاق الذي تم توقيعه قبل أسابيع بين رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد” مظلوم عبدي، وينص على إدماج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ “الإدارة الذاتية” الكردية ضمن هيكل الدولة السورية الجديدة.

وقد اعتُبر هذا الاتفاق أبرز تحول سياسي في البلاد منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد، وسط آمال شعبية بأن يسهم في إنهاء الصراعات الداخلية وقطع الطريق أمام أية نزعات انفصالية مستقبلية.

وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب السوري رضوان الأطرش أن الاجتماعات الأخيرة بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تمثل تطورًا لافتًا من شأنه أن يعكس تحولات متعددة الجوانب في المشهد السياسي والعسكري السوري، وقد تفضي إلى تغييرات عميقة على الأرض.

وأوضح الأطرش أن هذه الاجتماعات، التي يقودها مسؤولون من الطرفين، قد تشكل نقطة انطلاق نحو تحسين العلاقات بين دمشق و”قسد”. وإذا ما تطورت إلى خطوات عملية، فقد تسهم في خفض التوترات العسكرية والسياسية في شمال شرق البلاد، مشيرًا إلى أن ملف إدماج “قسد” ضمن هيكل الحكومة الجديدة قد يشهد تسارعًا إيجابيًا في حال تم التوصل إلى توافقات فعلية.

وفي السياق ذاته، أشار الأطرش إلى دلالة الحضور الأميركي في هذه الاجتماعات، معتبراً أنه يعكس استمرار دور واشنطن في التأثير على المسار السياسي السوري. وأكد أن دعم واشنطن للحكومة الجديدة، في حال كان شاملًا وذا مصداقية، قد يشكل دفعة قوية نحو تسوية أكثر استدامة بين الأطراف المتنازعة.

وأضاف أن مطالبة الفريق الأميركي لـ “قسد” بتعزيز قنوات التواصل مع الحكومة السورية قد تُفهم كرسالة أميركية تهدف إلى خلق تفاهمات أوسع بين مختلف القوى المحلية، مما يعزز فرص التنسيق ويعيد رسم معالم الحكم الذاتي في مناطق سيطرة “قسد”.

التوافق العملي

التوصل إلى اتفاقات محددة بين دمشق و”قسد” من شأنه أن يسهم في تعزيز الاستقرار الأمني والاجتماعي، لا سيما في شمال وشرق سوريا، بما يمهد الطريق لعودة النازحين وإعادة إعمار المناطق المتضررة وتحفيز عجلة التنمية عبر استثمار الموارد المائية والزراعية والثروات المعدنية في تلك المناطق.

وكان الناطق الرسمي باسم “قوات الشمال الديمقراطي” التابعة لـ”قسد”، محمود حبيب، قد قال إنه تم الاتفاق على تشكيل ثماني لجان تبحث كافة القضايا التي يجب تناولها ضمن اتفاق إدماج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية.

وفي تصريحات لقناة “المملكة” الأردنية، أوضح حبيب أن اللجان “ستبحث كل القضايا الأمنية والعسكرية والإدارية والحكومية”، مشيرًا إلى أنها ستصل إلى “نهاية تسعد الجميع، ولا يجب أن يكون في سوريا غالب ومغلوب”.

وأكد أن الاتفاق يحمل عدة مزايا، إذ إنه أكد على وحدة الأراضي السورية ووحدة القوة العسكرية في سوريا، حين انضمت “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن وزارة الدفاع السورية؛ مشيرًا إلى أن “السوريين رحبوا بالاتفاق” وظهر ذلك خلال احتفالاتهم في الشوارع، لإدراكهم بأهميته على الصعيد الوطني.

بدوره، لفت الدكتور زارا صالح إلى أهمية لقاء الحسكة بين وفد دمشق ووفد “قسد” في التوافق العملي على بنود الاتفاق الموقع، من حيث وقف الهجمات والحرب التركية ضد الأكراد، وردع الجيش التركي عن التدخل في الشؤون السورية. هذا أولاً؛ وثانيًا، أن تطلب دمشق من الفصائل التي تُعرف بـ”الجيش الوطني السوري” والتابعة لتركيا، والتي تحارب الكرد، أن تُدمَج ضمن وزارة الدفاع، كما أعلن الشرع سابقًا. ثم تنسحب هذه الفصائل من مناطق عفرين وسري كانيه وتل أبيض، مع عودة المهجرين الأكراد إلى بيوتهم كخطوة أولى لبناء الثقة.

التوافق الكردي-الكردي

في سياق آخر، أصدر قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، بيانًا بشأن اجتماع الطرفين الكرديين، المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، مشيرًا إلى أن موقفهما “باعث على السرور”.

وقال عبدي، عبر حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقا) يوم الثلاثاء (18 آذار 2025)، إن الطرفين الكرديين “اجتمعا اليوم لتحديد خارطة طريق مشتركة وتوحيد الصف الكردي في المرحلة الحالية”. وأضاف أن “موقف ورؤية الطرفين باعثان على السرور”، مشددًا على أن ذلك “يشكل الخطوة الأولى في سلسلة اجتماعات تهدف إلى تحقيق الوحدة الكردية”.

وأوضح مظلوم عبدي، أن الاجتماع يأتي “في إطار تحقيق سوريا ديمقراطية تعددية تضمن حقوق جميع المكونات”، مؤكدًا عزمهم على “إنجاح هذا الحوار”.

وقال عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الكردي في سوريا، نصرالدين إبراهيم، في تصريح خاص لموقع “الحل نت”، إن الأحزاب السياسية المشاركة في المؤتمر اتفقت على تحديد موعد جديد لانعقاد المؤتمر في القريب العاجل. وكان من المقرر أن يُعقد المؤتمر الوطني الكردي خلال العشرين من آذار/مارس الجاري.

وأشار عضو اللجنة التحضيرية إلى أنه تم توجيه دعوة إلى “المجلس الوطني الكردي” للمشاركة في المؤتمر، دون تأكيد حضوره حتى الآن، مؤكدًا أن المؤتمر سيُعقد في جميع الأحوال، بمشاركة ممثلي مختلف القوى السياسية والمجتمعية الكردية في سوريا.

وبحسب إبراهيم، فإن المؤتمر الوطني الكردي، في حال انعقاده، سيصادق على الوثيقة السياسية المستخلصة من قبل الأطراف الراعية للحوار الكردي – الكردي، والتي تتضمن خلاصة الوثيقتين المقدمتين من أحزاب الوحدة الوطنية الكردية وأحزاب خارج الإطارين من جهة، والصيغة المقترحة من قبل المجلس الوطني الكردي من جهة أخرى.

نحو ذلك، أكد السيد فؤاد عليكو، عضو المكتب السياسي لحزب “يكيتي” الكردستاني وعضو “المجلس الوطني الكردي” في سوريا، أن هناك جهوداً حثيثة تُبذل للوصول إلى رؤية مشتركة بين القوى الكردية بشأن حل القضية الكردية في سوريا، إلى جانب بلورة تصور موحد لشكل النظام السوري المستقبلي.

وأشار عليكو في تصريح خاص به لموقع “الحل نت” إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل وفد كردي مشترك يُكلّف بالتوجه إلى دمشق لبدء مفاوضات مع السلطة الجديدة ومناقشة الرؤية الكردية معها. وأضاف أن النقاشات لا تزال جارية بشأن تحديد موعد هذه الخطوة وآلية إعلان التفاهم، ومن المرجح أن تُستكمل هذه المشاورات بعد عيد النوروز في 21 من الشهر الجاري.

وأوضح أنه لم يُتخذ بعد قرار بشأن نشر تفاصيل التفاهم إعلامياً قبل الإعلان الرسمي عنه، مشدداً على أهمية وحدة الموقف الكردي في هذه المرحلة الحساسة وضرورة التعامل مع السلطة الجديدة برؤية موحدة.

كما عبّر عليكو عن قلقه من غياب رؤية واضحة لدى السلطة الجديدة حول كيفية التعامل مع القضية الكردية وكذلك مع قضايا باقي المكونات السورية. وقد ظهر هذا الغموض بوضوح في طريقة التحضير لمؤتمر الحوار الوطني، حيث تم اختيار الأسماء المشاركة بشكل فردي ووفقاً لمزاج اللجنة المعنية، ما انعكس سلباً على محتوى الإعلان الدستوري المقترح، الذي اتسم بطابع إسلامي وعروبي، وتجاهل بشكل تام التنوع القومي والطائفي في سوريا.

وأضاف أن هذا التوجه أثار مخاوف وقلقاً واسعاً لدى قطاعات كبيرة من السوريين، خاصة من الكرد والتركمان والسريان والعلويين والدروز والإيزيديين، بالإضافة إلى التيارات اليسارية والديمقراطية.

واختتم عليكو تصريحه لموقع “الحل نت” بالتأكيد على أن الأطراف الكردية ما زالت بحاجة إلى جولة حوار إضافية للاتفاق على آلية الإعلان عن التفاهم بشكل رسمي.

خارطة طريق

من جانبه، قال الدكتور زارا صالح إن الاجتماع الذي عُقد مؤخرًا بين “المجلس الوطني الكردي” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، برعاية أمريكية-فرنسية وبمشاركة الجنرال مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، يأتي في سياق وضع اللمسات الأخيرة على الحوار الكردي تمهيداً لإصدار وثيقة سياسية مشتركة.

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مظلوم عبدي- “الرئاسة السورية”

وأوضح صالح في حديثه لموقع “الحل نت”، أن هذه الوثيقة ستكون بمثابة خارطة طريق ورؤية سياسية موحدة تعكس المطالب الكردية ورؤيتهم لمستقبل الحل في سوريا، مشيراً إلى أن الكرد يتطلعون إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية تضمن حقوق جميع المكونات العرقية والدينية والثقافية، مع الاعتراف الدستوري بالكرد كشعب شريك في سوريا.

وأضاف أن الصيغة النهائية للوثيقة السياسية تم الاتفاق عليها خلال اللقاء الأخير، ومن المتوقع أن يُعلن عنها رسميًا خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك تزامناً مع انعقاد المؤتمر القومي الكردي، الذي سيحضره ممثلو “المجلس الوطني الكردي” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، بالإضافة إلى أحزاب الوحدة الوطنية الكردية المتحالفة مع “الاتحاد الديمقراطي” وعدد من الأحزاب الأخرى خارج الإطارين، فضلًا عن ممثلين عن منظمات المجتمع المدني وشخصيات ثقافية واجتماعية ودينية فاعلة.

وأكد الدكتور زارا صالح أن المؤتمر سيشهد المصادقة على الوثيقة السياسية الكردية، والتي ستكون مرجعية سياسية موحدة للكرد في سوريا، كما سيتم خلاله التوافق على تشكيل وفد كردي مشترك يمثل الكرد رسميًا في الحوارات المستقبلية مع دمشق، لتفادي التشتت في التمثيل الكردي كما حدث في مناسبات سابقة، من بينها مؤتمر “الحوار الوطني” الذي شاركت فيه شخصيات لا تمثل الكرد بشكل حقيقي.

وبخصوص موعد انعقاد المؤتمر، أشار صالح قائلاً إنه كان من المفترض أن يُعقد المؤتمر خلال العشرين من هذا الشهر الجاري، إلا أنه تأجّل إلى ما بعد عيد نوروز، أي بعد 21 آذار/مارس الجاري، وسيُعقد في القريب العاجل، بحسب قوله.

أكد صالح أن المرجعية السياسية الكردية والوفد المنبثق عنها سيكونان الجهتين الرسميتين والوحيدتين اللتين تمثلان الكرد في سوريا، موضحاً أن هذا الوفد سيحمل رؤية واضحة لمستقبل البلاد بشكل عام وخارطة طريق لحل القضية الكردية عبر الحوار المباشر مع دمشق.

الورقة السياسية الكردية بحسب صالح، تمثل رؤية شاملة للحل السياسي في سوريا تقوم على مبادئ الاستقرار وبناء الثقة وتحقيق تمثيل عادل وتوافقي بين جميع مكونات الشعب السوري. ولفت إلى أن هذه الرؤية تهدف إلى تجنّب إعادة إنتاج الأنظمة المركزية والحزبية الأحادية، مثل تجربة حزب “البعث”، وما ترتب عليها من مآسٍ في عهد نظامي الأسد الأب والابن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات