بينما وضعت الولايات المتحدة الأمريكية سوريا ضمن دول “القائمة الحمراء” لحظر السفر إليها خلال شهر آذار/مارس الفائت، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة لا تعترف بالحكومة السورية الحالية، منهياً الجدل الذي دار حول خبر سابق لصحيفة لبنانية حول تعديل تأشيرات البعثة السورية لدى الأمم المتحدة.
وتعليقاً على خبر تعديل تأشيرات البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، قالت الخارجية الأميركية قوله: “عدلنا تأشيرات بعثة سوريا لأننا لا نعترف حاليًا بأي كيان كحكومة سورية”. وأضاف: “قرارنا بتعديل وضع تأشيرات أعضاء البعثة السورية لدى الأمم المتحدة إداري، ولم يطرأ أي تغيير على امتيازات أو حصانة البعثة السورية لدى الأمم المتحدة”.
إعلان صريح
صحيفة “النهار” نشرت في وقت سابق ما يشير إلى أن واشنطن أبلغت البعثة السورية في نيويورك بمذكرة تمَّ تسليمها عبر الأمم المتحدة، تنصُّ على تغيير وضعها القانوني من “بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة” إلى “بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة”.

وتضمنت المذكرة أيضًا إلغاء التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة من فئة G1، المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة والمعترف بحكوماتهم في الدولة المضيفة، إلى فئة G3 التي تُمنح للمواطنين الأجانب المؤهلين أمميًّا للحصول على سمة، دون أن تكون الولايات المتحدة معترفة بحكوماتهم.
وبحسب الصحيفة اللبنانية، كشفت برقية رسمية صادرة عن البعثة السورية في نيويورك أن القرار الأميركي تضمن إعلانًا صريحًا بعدم اعتراف واشنطن بالحكومة السورية الجديدة، مع احتمال أن تتبع ذلك خطوات مشابهة من دول أخرى تشاطر الولايات المتحدة رؤيتها تجاه التطورات في سوريا.
وفي هذا السياق، اختلفت التفسيرات والتأويلات بشأن القرار الذي يتّسم بملامح تنظيمية تتعلق بالسفر وحمل التأشيرات الدبلوماسية للبعثة السورية، كما أن تداعياته ترتبط بالرؤية السياسية لواشنطن تجاه السلطة الجديدة في دمشق. إذ يبدو القرار ذا دلالة قانونية وسياسية آنٍ واحد، كون واشنطن حتى الآن لم تعترف بالحكومة في دمشق، وتقدّرها كجهة تابعة لـ”هيئة تحرير الشام”.
الدبلوماسي السوري بشير الحاج علي، أشار إلى ضرورة قراءة هذا القرار انطلاقًا من دلالته من حيث التوقيت والمعنى؛ إذ جاء القرار الأميركي في توقيت بالغ الحساسية، تزامن فيه مع التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا بعد انهيار النظام السابق وخروج حلفائه، مما يضع القرار ضمن سياق تحولات جذرية على الساحة السورية. ويتابع الحاج علي تصريحاته لـ”الحل نت” قائلاً: “هذا القرار لا يُعدُّ مجرد ردِّ فعل على الواقع المحلي فحسب، بل هو رسالة واضحة من واشنطن تُبيّن موقفها من الحكومة الانتقالية الحالية التي تولت السلطة، وهو موقف يُعبّر عن عدم اعتراف الإدارة بشرعيتها أو بممارساتها.”
إن توقيت القرار والحديث للمصدر ذاته يعكسان القلق الأميركي المتزايد بشأن مستقبل سوريا، ويرسِلان رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تقبل بأي سلطة لا تستند إلى أسس ديمقراطية أو مدنية، بل قد تكون محكومة بتوجهات تتناقض مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها.
من التالي؟
أما من حيث المعنى، فإن القرار لا يمس عضوية سوريا في الأمم المتحدة بشكل مباشر، لكنه يُبرز فجوةً سياسية بين الولايات المتحدة والحكومة الانتقالية، مما يشير إلى رفض واشنطن الاعتراف بهذه السلطة كجهة شرعية حسب تعبيرها. ويُعَدُّ هذا التصنيف الجديد للبعثة السورية ضمن “الحكومات غير المعترف بها” بمثابة وضعٍ يضعها في ذات الفئة التي خضعت لها حكومات أخرى لم تحظَ باعتراف دولي كافٍ، مما يؤكد من عزلتها السياسية على الصعيد الدولي.
في إجابته على سؤال مفاده: “هل يمكن أن يتكرر هذا القرار من قبل أطراف أخرى؟”، قال الحاج علي: “من المؤكد أن هذا النوع من القرارات قد يتكرر لدى دول أخرى، حيث لم يتم الاعتراف رسميًا بالحكومة الجديدة حتى الآن، على الرغم من الزيارات الرسمية التي تأتي في سياق الاكتشاف والتقييم”. ومثلما يحدث في بلدان أخرى تمر بصراعات عميقة أو تغييرات جذرية في السلطة، قد تُعتبر هذه الحكومة غير شرعية أو غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي.
فالعلاقات الدولية غالباً ما تكون مرهونة بتوازنات دبلوماسية وأمنية، وفي حال ظهور حكومات جديدة في مناطق تعاني من الصراعات أو التطرف، قد تسعى دول أخرى إلى اتخاذ مواقف مماثلة للضغط عليها أو لمنعها من اكتساب شرعية دولية.
وبخصوص ما تريده واشنطن من سوريا عموماً، ومن حكومة الشرع تحديداً، يرى علي أن الملف السوري يُشكّل للولايات المتحدة محوراً حيوياً في سياستها الشرق أوسطية؛ إذ تسعى إلى منع تحول سوريا إلى مركز للتهديدات الإرهابية أو إلى ساحة للتوترات الإقليمية قد تُؤثّر على استقرار المنطقة.
في هذا الإطار، تسعى واشنطن إلى ضمان أن تكون أي حكومة في سوريا مبنية على أسس ديمقراطية ومدنية، وألا تستمر في إدامة السياسات الاستبدادية أو تشجيع النزعات الدينية التي قد تُهدّد التوازن الاجتماعي والسياسي في البلاد، بحسب الدبلوماسي السوري بشير الحاج علي.
توافقات عالمية
واشنطن بدورها أعلنت عن مجموعة من المتطلبات تتعلق بالمخزون الكيماوي والقواعد العسكرية الأجنبية ووجود الأجانب في الإدارة الجديدة.
أما فيما يتعلق بحكومة الشرع تحديداً، فإن الموقف الأميركي واضح؛ فهي لا تعترف بها كحكومة شرعية تمثّل الشعب السوري، وقد اعتُبرت أنها لم تُظهر التوجهات الضرورية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي يتّسم بالتعددية والشفافية.
ترى الولايات المتحدة، في هذا السياق، أن الحلول السياسية التي تُفضّي إلى تشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع أطياف الشعب السوري هي السبيل لتجاوز الأنماط السياسية القديمة التي عرقلت تطوّر البلاد.
ويختتم الدبلوماسي السوري الحاج علي حديثه لـ”الحل نت” بالإجابة على سؤال حول ما إذا كان الضغط الأميركي يرتبط بالأوضاع الداخلية أم بالارتباطات الإقليمية والدولية، قائلاً: “إن الضغط الأميركي على الحكومة السورية، سواء اتخذ شكل قرارات دبلوماسية أو عقوبات، مرتبطٌ بعدد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية.
داخلياً، تتزايد الدعوات الأميركية لتبنّي سياسةٍ أكثر وضوحاً في سوريا، وسط حرص على التأكد من أن الولايات المتحدة لن تدعم حكومات تُعيد إنتاج الاستبداد أو تُعزّز السياسات القمعية.
إقليمياً، تنظر واشنطن إلى تأثيرات قوى مثل إيران وتركيا، اللتين تحاولان لعب دور في تشكيل ملامح النظام السوري المقبل؛ وهو ما يستدعي استراتيجية دقيقة لضمان نجاح العملية الانتقالية ومنع تأجيج المزيد من التوترات.
دولياً، يُضاف إلى ذلك الصراع المستمر لتشكيل توافقات عالمية بشأن كيفية التعامل مع سوريا، خاصة في سياق دور الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعلاقة مع روسيا، مما قد يدفع واشنطن إلى اتباع نهج أكثر توازناً في التعامل مع الحكومات أو السلطات الجديدة في المستقبل، وقد يجعل من هذه العلاقة أيضاً محل مساومات ومقايضات.
من جانبه، يشير الدكتور كمال الزغول، الباحث في الشؤون الأميركية، إلى أن القرار الأميركي المتعلّق بإرسال مذكرة إلى الأمم المتحدة لتحويل تأشيرة الدبلوماسيين السوريين من تصنيف G1 إلى G3—وهي التأشيرة التي تُمنح للحكومات غير المعترف بها—يحمل دلالات متعددة.
وفي حديث خاص لـ”الحل نت”، يستطرد الزغول قائلاً: إن هذا القرار يندرج ضمن عدة نقاط أساسية:
أولاً، كانت الحكومة الأميركية تُعترف بحكومة بشار الأسد كدولة عضو في الأمم المتحدة، وإن الانتقال من حالة الاعتراف إلى عدم الاعتراف يتطلب خطوات انتقالية تدريجية.
ثانياً، تُتيح هذه الخطوات لوزارة الخارجية الأميركية دراسة المشهد السوري من جديد، ورسم سياسات تعامل مختلفة مع ما قد يُعرف لاحقاً بـ”الحكومة السورية الجديدة”.
وأخيراً، فالاعتراف لا يأتي إلا بعد تمهيد دبلوماسي وتواصل مباشر بين وزارة الخارجية الأميركية ونظيرتها السورية الجديدة، وهو ما لم يحدث حتى الآن، الأمر الذي يبدو بديهياً في ظل غياب أي تحرك رسمي في هذا الاتجاه.
قراراً ببقاء روسيا وتركيا!
تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً دبلوماسية على كافة الأطراف الفاعلة في الملف السوري، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، بهدف الدفع نحو تشكيل حكومة انتقالية تعبّر عن تمثيل شامل للمجتمع السوري وتراعي التوازن بين مختلف مكوناته.

ويُشدد الزغول على أن الوضع الأمني يلعب دوراً محورياً في حسابات السياسة الخارجية الأمريكية؛ فقد ألمحت واشنطن سابقاً إلى أن سوريا مدرجة ضمن قائمة الدول المقيدة بالسفر إليها. كما أنها واحدة من بين 43 دولة قد تصدر الإدارة الأميركية لها قراراً يمنع السفر إليها لمدة 60 يوماً، وهو ما يُعبّر عن الترابط الوثيق بين الملف الأمني وتنظيم العلاقة مع الدولة المضيفة.
يُقدّر الزغول أن خطوات الاعتراف الأميركي بأي حكومة تبدأ عادةً بزيارات دبلوماسية أو بإرسال مبعوثين خاصين بهدف ترتيب تفاهمات جديدة. غير أن هذا لم يحدث بعد، نظراً لأن واشنطن، إذا ما قررت التحرك في هذا الاتجاه، تحتاج إلى إعادة ترتيب شامل لأوراقها في منطقة الشرق الأوسط، بما يشمل ملفات غزة واليمن ولبنان وإيران.
يرتبط الاعتراف بالحكومة السورية بإعادة تنظيم الوجود الدولي على الأراضي السورية؛ إذ لا تزال معالم القواعد الاستراتيجية في سوريا غير واضحة حتى الآن: هل ستكون تركيةً أم روسيةً أم أميركيةً؟ ولا يمكن الاعتراف بحكومةٍ ما لم يتم تثبيت توجهها الاستراتيجي في هذا السياق، بحسب المصدر ذاته.
يختتم الباحث في الشؤون الأميركية، كمال الزغول، حديثه لـ”الحل نت” قائلاً: “هناك عامل لا يقل أهمية يتمثل في الموقف الإسرائيلي من الملف السوري؛ فهل تستخدم إسرائيل الورقة السورية كمدخل للتطبيع مع القوى المؤثرة في الداخل السوري؟” يظل هذا السؤال مفتوحاً، وملفه شائك ومعقد، وقد يستغرق وقتاً طويلاً لفك شيفراته.
وخلاصة القول، فإن الاعتراف الأميركي بالحكومة السورية لا يُفسَّر في الأروقة السياسية في واشنطن باعتباره اعترافاً بحكومة جديدة فحسب، بل يُعدّ—ضمنياً—إقراراً ببقاء روسيا وتركيا كلاعبين أساسيين على الأرض السورية. ومن هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة إلى تنظيم علاقتها مع هذه الدول بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، بالتوازي مع إيجاد حلول شاملة لملفات غزة ولبنان واليمن وإيران. ويبدو أن ترتيب الداخل السوري وبلورة بيت سياسي موحد يمثل شرطاً محورياً في حسم مسألة الاعتراف الأميركي بسوريا.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات

الشرع يضع شرطا أساسيا للتطبيع مع إسرائيل

بعد حظرها في الأردن.. الشرع يرفض فتح مكاتب لـ “الإخوان المسلمين” في سوريا

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول في العمق

الإعلام السوري ما بعد “الأسد”.. هل نحن في مأمن؟

السودان في فخ أردوغان وأطماعه في النفوذ السياسي

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟

الهجمات الإسرائيلية في سوريا: مقايضة روسية مقابل تحجيم النفوذ التركي

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

لردع تركيا.. العمليات الإسرائيلية في سوريا بداية لحرب مفتوحة؟
