إعلان الرئيس الانتقالي لسوريا، أحمد الشرع، تعيين مرهف أبو قصرة، وزيرًا للدفاع في حكومته الانتقالية التي شكّلها بتاريخ 29 مارس المنصرم، لم يكن مفاجئًا، خاصة وأنه تسنم هذا المنصب مباشرة ضمن حكومة محمد البشير لتصريف الأعمال عقب سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024.

هذا التعيين يثير تساؤلات جوهرية عدة حول مستقبل المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، ومسار المرحلة الانتقالية، خاصة في ظل خلفية أبو قصرة المثيرة للجدل، فمن هو وزير الدفاع السوري؟ وكيف يمكن تفسير هذا التعيين في سياق الوضع السوري الجديد؟

مرهف أبو قصرة.. من الهندسة الزراعية إلى “تحرير الشام”!

ولد مرهف أبو قصرة في بلدة حلفايا بمحافظة حماة عام 1984، وعمره اليوم 41 عاماً. مساره التعليمي كان بعيدًا عن عالم السياسة والعسكرية، إذ حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية من جامعة دمشق. لكن الظروف التي شهدتها سوريا بعد عام 2011، دفعته إلى تغيير مساره جذريًا.

مع اندلاع “الثورة السورية”، نزح مرهف أبو قصرة مع أسرته إلى محافظة إدلب، حيث بدأ رحلته العسكرية في صفوف الفصائل المسلحة، وسرعان ما برز كشخصية قيادية في “هيئة تحرير الشام” بزعامة أحمد الشرع، المصنفة على لوائح الإرهاب من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى.

اشتهر أبو قصرة بألقاب عدة، أبرزها “أبو الحسن الحموي” و”أبو الحسن 600″، وكان له دور محوري في تطوير القدرات العسكرية للهيئة. يُنظر إليه على أنه مهندس العمليات العسكرية التي نفذتها الهيئة في مناطق مختلفة من سوريا.

مرهف أبو قصرة – (وكالات)

أبو قصرة الذي كان قائداً للجناح العسكري في “تحرير الشام”، قاد العديد من العمليات العسكرية البارزة، وبالتأكيد أبرزها “معركة ردع العدوان”، التي انطلقت في 26 نوفمبر المنصرم، وأدت إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024.

قبل توليه منصب وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال أواخر العام الماضي، تمت ترقيته إلى رتبة لواء، وأثار تعيينه وزيرًا للدفاع ردود فعل متباينة، فالبعض يرى فيه خطوة ضرورية لتوحيد القوى العسكرية المتناثرة في البلاد التي تم ضمها تحت طائلة الوزارة، بينما يعبر آخرون عن قلقهم بسبب خلفيته في “هيئة تحرير الشام”.

صعود أبو قصرة السريع، يثير علامات استفهام حول طبيعة المرحلة الانتقالية التي تشهدها سوريا، فدوره القيادي في حركة لا تزال تحت طائلة العقوبات الأميركية ومصنفة بقوائم الإرهاب، يطرح تساؤلات حول كيفية التوفيق بين هذا الماضي المثير للجدل وبين مسؤولية بناء مؤسسة عسكرية سورية وطنية موحدة.

ما مستقبل الجيش السوري مع الوزير الجديد؟

واقعيًا، فإن تصريحات أبو قصرة السابقة حول دمج الفصائل المسلحة وبناء جيش يمثل جميع السوريين تبدو مثالية، لكنها تصطدم بواقع معقد، فهل يمكن لمؤسسة عسكرية يقودها شخصية من هذا النوع أن تحظى بثقة جميع الأطياف السورية؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي أن يتعامل مع حكومة تضم وزيرًا للدفاع قادمًا من تنظيم مصنف على أنه “إرهابي”؟ والسؤال الأهم، هو هل سيكون الجيش السوري موحدًا، أم مجرد امتداد لـ “تحرير الشام”؟

إضافة لكل ما سبق، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الدعوى القضائية المرفوعة مؤخرّا في باريس، والتي تتهم قيادات في الحكومة السورية الانتقالية، بمن فيهم أبو قصرة، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تضيف بعدًا آخر لهذا التعيين، فهذه الدعوى، التي تستند إلى اتهامات بالتطهير العرقي ضد الطائفة العلوية في مجازر الساحل السوري، تلقي بظلال ثقيلة على مصداقية الحكومة الجديدة.

آنيًا، لا يبدو أن هناك أي مشاكل إزاء وجود أبو قصرة بمنصب وزارة الدفاع، لكن مستقبلًا فإن هذا التعيين قد يزيد من حدة الانقسامات الداخلية في سوريا، حيث قد يعتبره البعض بمثابة انتصار لتيار معين على حساب الآخرين، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات والصراعات.

ناهيك عن كل ذلك، فإن هذا التعيين يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الجيش السوري الجديد، ومدى قدرته على أن يكون مؤسسة وطنية موحدة، بعيدة عن الانتماءات الفصائلية.

في الختام، يظل تعيين مرهف أبو قصرة وزيرًا للدفاع في الحكومة الانتقالية السورية خطوة مثيرة للجدل، تحمل في طياتها العديد من التحديات والمخاطر، لا سيما إن لم يتم رفع “هيئة تحرير الشام” من قائمة العقوبات والإرهاب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة