خلال الآونة الأخيرة تزايدت حالات اختطاف الفتيات والنساء في مناطق الساحل السوري، وذلك في أعقاب المجازر التي وقعت في عدد من القرى والمدن هناك على يد فصائل سورية مسلحة محسوبة على السلطات بدمشق، وسط صمت حكومي يثير العديد من التساؤلات.
وسائل إعلام عدة نشرت تقارير تفيد بوجود عشرات الحالات الموثقة لاختطاف نساء في الساحل. وبينما أُعيدت بعض المختطفات إلى عائلاتهن بعد تعرّضهن للضرب والإهانة، لا يزال مصير أخريات مجهولا حتى الآن.
الأمر الخطير، أن ثمة أقاويل تتحدث عن اختطاف نساء من الطائفة العلوية وبيعهن كـ”سبايا” في مناطق إدلب. وفي هذا الصدد، نشرت مديرة منظمة “عدل وتمكين”، هبة عز الدين، منشورا اتهمت فيه فصائل مسلحة في إدلب بالضلوع في عمليات خطف النساء من مناطق الساحل، قبل أن تعود وتحذفه لاحقا، وسط موجة من الجدل وردود فعل متباينة.
خطف النساء العلويات
بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن نحو خمسين سيدة من الطائفة العلوية اختفين منذ مطلع العام الجاري، في حوادث متفرقة شملت محافظات عدة، من بينها حمص وطرطوس واللاذقية وحماة.

التقارير المتزايدة التي تتحدث عن نمط ممنهج لهذه الحوادث، تثير قلقا متصاعدا في ظل تصاعد الفوضى الأمنية وتنامي ظاهرة الإفلات من العقاب، بينما تلتزم الجهات الرسمية الصمت دون الإعلان عن أي تحقيقات شاملة لكشف ملابسات هذه الظاهرة الخطيرة.
وبحسب ما وثقه “المرصد السوري”، تعرّضت النساء للاختطاف في ظروف مختلفة؛ بعضهن فقدن داخل منازلهن، وأخريات أثناء خروجهن لأعمالهن أو تنقلهن اليومي، دون أي تبنٍّ رسمي أو غير رسمي لتلك العمليات، ودون أن تُعرف الجهة المسؤولة عن اختفائهن حتى اللحظة.
تزامن ذلك مع حالة عجز وإهمال من قبل الجهات الرسمية، التي لم تُصدر أي بيان توضيحي، ولم تُطلق تحقيقات معلنة، ما زاد من حدة القلق لدى ذوي المفقودات، والذين يواجهون صمتا مطبقا في وقت هم بأمس الحاجة فيه للإجابات.
حالة جدل
بالعودة إلى الناشطة السورية، هبة عز الدين، فقد أشارت في منشورها إلى أنها التقت، خلال زيارة لها إلى إدلب، بسيدة لا تعرفها، لفت انتباهها مظهرها، حيث كان ترتدي الحجاب بشكل “اعتباطي”، ما دفعها للاستفسار عن خلفيتها.
وقالت عز الدين إنها علمت لاحقا أن السيدة تتحدر من إحدى قرى الساحل السوري، وأنها نُقلت إلى المنطقة وتم تزويجها، دون أن تحصل على تفاصيل إضافية. وأضافت أنه من الطبيعي أن لا تتكلم الفتاة خوفا مما قد تتعرض له.
كما أوضحت عز الدين أنها تلقت شهادات من حقوقيين وأفراد من فصائل محلية، أكدوا وقوع حوادث اختطاف مشابهة، ارتكبتها عدة فصائل سورية، مشيرة إلى أن شهادات من أصدقائها حمّلت مجموعات من فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركياً وبعض المقاتلين الأجانب المسؤولية، مع اختلاف الدوافع.
وشددت عز الدين على أن هذا الملف خطير جدا، ولا يجب أن يتم السكوت عنه، مطالبة الحكومة السورية بالتحرك لكشف مصير المختطفات وإطلاق سراحهن على الفور.
تهديدات عديدة
منذور هبة عز الدين أثار حالة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من اتهمها بالكذب وهاجمها بشدة (حد التهديد)، وبين من أيد روايتها مؤكدين أن مثل هذه الحالات قد تكررت كثيرا، مشيرين إلى وجود حالات اختطاف لنساء علويات في إدلب، وسط أقاويل بـ”سبيهن”.
عز الدين قامت لاحقا بحذف منشورها، على الأرجح بدافع الخوف على نفسها أو على عائلتها، خاصة بعد أن نشرت لاحقا منشورا جديدا أوضحت فيه أنها تعرضت لحملة تهديدات من قبل مؤيدين للحكومة السورية الجديدة.
وأضافت في منشورها أن “قضية اختطاف النساء، عم تصير، وحتى الدولة اعترفت بكل الانتهاكات اللي صارت بالساحل، و في كتير جهات عم توثق موضوع الخطف، وتواصلت مع لجنة تقصي الحقائق بناء على نصيحة أصدقاء لحتى يتحققوا من هاد الموضوع أيضا. أما بالنسبة للكلام اللي نقل عني أني عم قول أنو في بيع سبايا وسوق نخاسة بإدلب، فهاد تلفيق، أنا ما ذكرت هالشي أبدا”.
كما أشارت عز الدين إلى مسألة “العقاب الجماعي”، قائلة: “اليوم أنا من أخطأت فأحاسب أنا، وليست منظمة (عدل وتمكين) أو غيرها من المنظمات النسائية. للأسف، تعرضت صديقتي وزميلتي هدى خيتي لتهديدات كبيرة، ظنا منهم أن ثمة عمل مشترك بيننا. اليوم، المنظمات النسائية غير مسؤولة عن مواقفي الشخصية.. للأسف هذا أسلوب قمعي”.
على إثر حديث عز الدين، أصدرت محافظة إدلب، عبر توجيه رسمي من المحافظ محمد عبد الرحمن، أمرا بتحريك دعوى قضائية بحق هبة عز الدين، المعروفة أيضا باسم هبة الحجي.
ووفق صحيفة “الوطن” ومصادر رسمية أخرى، فإن الدعوى جاءت بعد تداول تسجيلات صوتية منسوبة لعز الدين، تتضمن تصريحات مسيئة بحق النساء المنقبات، اعتُبرت “تحريضا ضد القيم الاجتماعية والدينية”.
بينما قالت عز الدين ردا على انتشار صوتيات منسوبة لها بخصوص إهانة النساء المنقبات: “أنا بأكد مية بالمية أن التسجيلات مفبركة، واللي بيعرف مراكزنا، بيعرف أنه عنا موظفات ومتدربات مخمرات، ما حدا قرّب منهن، وببداية أي تدريب، منسأل كل الصبايا إذا حابات يتصوروا أو لأ، أو إذا بدن يحطوا كمامة، أو يطلعوا بوجهن. مراكزنا مفتوحة للجميع للي بدها تزورها”. وأكدت أنها سجلت هذا التسجيل الصوتي قبل 4 سنوات، مخاطبةً النساء المتطرفات من تنظيم “داعش” الإرهابي و”حزب التحرير”، مشددة على أنها ضد التطرف، واعتذرت لكل من تأثرت بتصريحها.
مؤكدة أنها قالت هذا الحديث قبل عدة سنوات وكانت متوجهة فيه للنساء المتطرفات من تنظيم “داعش” الإرهابي و”حزب التحرير”، مشددة على أنها ضد حالة التطرف، وقدمت اعتذارها لكل المنقبات الذين شعروا بإهانة في حديثها.
وفي ظل تصاعد الحديث حول اختطاف و”سبي” نساء من الطائفة العلوية في مناطق إدلب، دعا عدد كبير من الناشطين الحقوقيين والفاعلين في المجتمع المدني الجهات المختصة إلى ضرورة الاستماع إلى شهادة هبة عز الدين، مديرة منظمة “عدل وتمكين”.
وأكد الناشطون أن تجاهل هذه التصريحات أو الاكتفاء بالتعامل الأمني مع صاحبتها لن يسهم في معالجة المخاوف المطروحة، بل قد يزيد الشعور بانعدام الشفافية ويعمّق الفجوة بين المواطنين والسلطات. وشددوا على أن فتح تحقيق جدي وشفاف هو السبيل الوحيد لكشف الحقيقة، سواء بتثبيت الاتهامات أو نفيها استنادا إلى الأدلة والمعطيات الواقعية.
- الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
- هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟
- “الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟
- هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب
- وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

قنابل موقوتة ودروب وعرة: قلق وخوف ورعب يدفع بسوريين للهرب

رامي مخلوف يثير الجدل: منظومة جاهزة لإدارة “إقليم الساحل” ويحذّر من شبكات تجنيد

سوريا: انتهاكات مستمرة وخاطفون يطالبون عائلة 130 ألف دولار للإفراج عن طفلها

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية
الأكثر قراءة

وسط ترقب لانفراجة من واشنطن.. “المركزي السوري” يخفض سعر الدولار مقابل الليرة

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية

هل تنجح قرارات المركزي الأخيرة في إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

هل تبيع الحكومة الجديدة القطاع العام السوري كاملًا؟.. مستشار وزير الاقتصاد يجيب

نجوم سوريا يتفاعلون مع رفع العقوبات.. فرح وشكر من كل الأطراف!
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

“لنرحم بعضنا قبل أن نطلب الرحمة من الآخرين”.. الهجري يعلق على رفع العقوبات

بعد رفع العقوبات.. الشرع يلقي خطاباً للسوريين

“رايتس ووتش”: فصائل سورية مسلحة تحتجز المدنيين وتواصل الابتزاز

سوريا: انتهاكات مستمرة وخاطفون يطالبون عائلة 130 ألف دولار للإفراج عن طفلها

“لا غناء ولا أمان”.. المداهمات الأمنية تهدد مطاعم دمشق القديمة

سلام يتفقد الحدود مع سوريا وفرنسا تسلّم لبنان خرائط لدعم ترسيم الحدود

استيلاء على منازل في حي عش الورور بدمشق تحت التهديد بالاعتقال والضرب
